قال شاعر العرب الأكبر الجواهري

في قصيدة له (لبنان في العراق ) :

ارض العراق سعت لها لبنان

فتصافح الإنجيل والقرآن

وتطلعت لك دجلة فتضاربت

فكأنما بعبابها الهيمان

أأمين ان سرَ العراق فبعدما

ابكى ربوع كولمبس الهجران

لك بالعراق عن الشآم تصبر

وبأهله عن أهلها سلوان ...

يا شعب خذ بيد الشباب فإنهم

لك عند كل كريهة أعوان ......

في العراق دفعت الأوضاع السلبية التي تعيشها الجماهير وخصوصا الكادحة منها الى التظاهر مطالبة بتحسين اوضاعها المعيشية وتوفير فرص العمل للشباب والخريجين ومكافحة الفساد الذي استشرى بشكل غير معقول في ظل ضعف الحكومة واجهزتها التي واجهت مطالب الشعب المشروعة بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز والماء الساخن والضرب بالهراوات والاعتقالات الواسعة لحركة جماهيرية سلمية دفعها اليأس والظلم الى الانتفاض.  وكنتيجة لاستخدام القوة المفرطة من قبل الجهات الحكومية المسؤولة عن الأمن راح ضحية ذلك العديد من الشهداء والجرحى من المتظاهرين السلميين. الا ان التقرير الذي اعدته اللجنة التحقيقية المشكلة لمعرفة من قام بالاعتداء على المتظاهرين السلميين أبعد الحكومة عن مسؤوليتها في ذلك، مسؤوليتها السياسية والجنائية عن قتل وجرح الآلاف من ابناء شعبنا الأبرياء  العزل . وتشير الأحداث التي شهدتها المدن العراقية في وسط وجنوب العراق الى فشل نظام نهج المحاصصة في ايجاد حلول لمشاكل البلد المتراكمة حيث ينبغي ان تمتد المعالجات الى أس الأزمة، المحاصصة الحاضنة للفساد . وكنتيجة للتظاهرات الشعبية الكبيرة وما مارسته من ضغوطات , اقدمت الحكومة العراقية على تبني بعض الاجراءات الاصلاحية ( على الورق فقط ) في مسعى منها لتلبية المطالب الأساسية للمتظاهرين والهادفة الى التخفيف من معاناة الناس وشظف عيشهم وضغط البطالة والفقر, وادى التأخير في تنفيذ الوعود الحكومية والمماطلة فيها الى تجدد التظاهرات للمطالبة بالحقوق العادلة والمشروعة , اضافة الى عجز الحكومة عن تنفيذ برنامجها الذي اعلنته بداية تشكيلها.

وبهذا الصدد فقد طالب الحزب الشيوعي العراقي باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة من عناصر وطنية كفؤة ونزيهة وفعالة بعيد عن نهج الطائفية السياسية ونظام المحاصصة المقيت ومنظومة الفساد وتأمين قوت الشعب واصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والسياسية للبلد وانزال القصاص العادل بمن ارتكبوا جرائم قتل المتظاهرين ومن اصدر الأوامر بقتلهم واطلاق سراح المعتقلين والمغيبين وتحريك ملفات الفساد وتقديم المفسدين على اختلاف مناصبهم ومسؤولياتهم في الدولة الى العدالة واستعادة الأموال المنهوبة وحصر السلاح بيد الدولة وانهاء دور الميليشيات والحفاظ على سيادة العراق والتحضير لانتخابات مبكرة واعتماد قانون انتخابات جديد ديمقراطي وعادل لمجلس النواب ومجالس المحافظات يكرس مبدأ المواطنة مع تبديل قانون الأحزاب السياسية وانتخاب مفوضية عليا للانتخابات مستقلة حقا وتأمين دولي فعال . والحزب الشيوعي العراقي مع دعم الحراك الشعبي السلمي الضاغط والمنظم واستمرار زخمه حتى تحقيق اهداف الشعب ومطالبه المشروعة. وبالنظر لانحياز الحزب الشيوعي العراقي الى الجماهير ومطالبها واستنكارا للقمع الدموي وتأشيرا لعجز الحكومة والبرلمان عن الاقدام على وقف التردي الحاصل فقد اعلن النواب الشيوعيون في البرلمان استقالتهم وكذلك قدم الشيوعيون الخمسة الأعضاء في مجالس محافظات بغداد والبصرة وبابل والمثنى والناصرية، استقالتهم للسبب اعلاه نفسه.

وفي لبنان عانى الشعب اللبناني من الطائفية والمحاصصة والفقر والبطالة وازمة  السكن والكهرباء وانخفاض مستوى المعيشة وازمة الماء النقي اضافة الى تفشي الفساد الكبير بين المسؤولين على حساب جماهير الشعب . ونتيجة لضغط الجماهير وتظاهراتها التي عمت مختلف المدن اللبنانية اتخذت حكومة سعد الحريري سلسلة اجراءات اصلاحية مستفزة للجماهير وخاصة فيما يتعلق بفرض رسوم على الواتساب والبنزين وزيادة الحسومات التقاعدية وغيرها من الاجراءات المؤلمة اجتماعيا ما ادى الى انتفاضة الجماهير الشعبية تعبيرا عن غضبهم ونفاد صبرهم حيث نجحت الانتفاضة في دفع الحكومة الى التراجع عن الاجراءات الضريبية التي اتخذتها الا انها لم تدفعها الى الاستجابة لمصالح المنتفضين من الطبقات الوسطى والعاملة والفقراء وبعض فئات المنتجين ورواد الأعمال واصحاب المشاريع الصغيرة  وعمدت الحكومة اللبنانية الى اتخاذ اجراءات بديلة ترقيعيه ومؤقتة لكسب الوقت اذ قررت خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50في المائة  وتخفيض مدفوعات الفائدة على الدين الحكومي بالليرة اللبنانية من نحو (5,500 مليار ليرة) الى (1000 مليار ليرة) عبر نقل الكلفة من الموازنة العامة الى ميزانية مصرف لبنان , حيث سيقوم مصرف لبنان بطباعة نحو ( 4500 مليار ليرة) لتسديد الفارق وهو اجراء تضخمي. كما تتضمن خطة الحكومة رفع الضريبة على ارباح المصارف استثنائيا لسنة واحدة فقط 2020 بما يؤمن ايرادات اضافية للموازنة بقيمة 600 مليار ليرة ما يعادل 400 مليون دولار , علما ان اكثر من 705 من ارباح المصارف تأتي من الفوائد التي تسددها الحكومة ومصرف لبنان . كما تشمل الخطة الحكومية ايضا الغاء نحو 1400 مليار ليرة من الانفاق الاستثماري ( الضئيل اصلا ) المخصص لتجهيز البنية التحتية والخدمات الأساسية والمرافق العامة وصيانتها وتخفيض 705 من موازنات مجلس الانماء والاعمار وصندوق المهجرين ومجلس الجنوب وتعليق الكثير من المشاريع اضافة الى خفض دعم اسعار الكهرباء من 2500 مليار ليرة العام الجاري الى 1500 مليار ليرة العام المقبل , مع ما يعنيه ذلك من زيادة التقنين او رفع الأسعار . وهذه العناصر ستخفض العجز في الموازنة الى المستوى المذكور وبالتالي لن تضطر الحكومة الى الاستدانة كثيرا الا لتجديد سندات الخزينة بالليرة والدولار التي ستستحق العام المقبل . وهذا سيخفض الضغوط التمويلية قليلا ولكن لمدة عام واحد فقط وفي المقابل سيتعمق الركود الاقتصادي وسينكمش الناتج المحلي ( نموا سلبيا ) وسيرتفع التضخم أي ان فئات الدخل الادنى والمتوسط سيعانون من آثار هذه الاجراءات الاقتصادية عبر ارتفاع الأسعار وتراجع القدرات الشرائية وارتفاع معدلات البطالة وتدني الأجور .

وبهذا الصدد يرى الحزب الشيوعي اللبناني ان انتفاضة بنات وابناء لبنان الباسلة لم يسبق لها مثيل في كسر جدار الخوف وتجاوز الانتماءات الفرعية ورفع راية الوطن والوطنية عاليا , حيث خرجت الجماهير اللبنانية المنتفضة رافضة لسياسات التجويع والافقار والهدر والفساد والطائفية السياسية والتدخلات الخارجية مطالبة بحقوقها المشروعة في الحياة . وقد رفض الحزب الشيوعي اللبناني القرارات الحكومية وهو مع تصعيد الانتفاضة الشعبية , فقد شكلت قرارات مجلس الوزراء الأخيرة صدمة كبيرة وخيبة امل للمنتفضين في الشارع, فبدلا من ان تقدم الحكومة اللبنانية استقالتها خرجت بتلك القرارات الشكلية لكسب الوقت بهدف كسر ارادة المنتفضين واصرارهم على طلب استقالة حكومة سعد الحريري واجراء التغيير الجذري في السياسات الاقتصادية والاجتماعية . وقد اعلن الحزب الشيوعي اللبناني عدم ثقته بهذه الحكومة وتظاهر ضدها منذ تشكيلها وهو يرفض الورقة المسماة (( اصلاحية )) والتي لا تستجيب لمطالب المنتفضين , داعيا الى تصعيد الانتفاضة بزخم واصرار من اجل تحقيق الاصلاح الحقيقي والذي لا يتم الا بتغيير سياسي شامل مؤكدا على مبادرته التي اطلقها لإعادة تشكيل السلطة في لبنان. ويرى الحزب ان الانتفاضة الشعبية التاريخية الحالية قد اسقطت كل رهان على امكانية انتاج سياسات لطالما تولى اصحاب السلطة والرأسمال اجبار الشعب اللبناني على قبولها منذ عقود طويلة عبر الاستخدام المكثف لآليات التحكم والتي من اهمها :

- الاستخدام المكثف للتوتير الطائفي تكريسا للانقسامات المذهبية بين اللبنانيين.

- استمرار الارتهان لإملاءات المؤسسات الرأسمالية الدولية والدول الخارجية التي صادرت جزءا اساسيا من القرار السيادي الوطني.

وفي ظل هذه المرحلة المفصلية من تاريخ لبنان , طرح الحزب مبادرته انطلاقا من قناعته بأن لا بديل الا بإعادة تكوين النظام السياسي في لبنان من خلال الاجراءات الفورية الآتية :-

1) استقالة الحكومة الحالية فورا .

2) تشكيل حكومة وطنية انتقالية من خارج منظومة الحكم الحالية تتولى تنفيذ المهمات الأساسية التالية :-

- اجراء انتخابات نيابية مبكرة خارج القيد الطائفي استنادا الى الدستور اللبناني ( المادة 22) والتي نصت على (( مع انتخاب اول مجلس نواب على اساس وطني لا طائفي يستحدث مجلسا للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية .)).

- اتخاذ اجراءات فورية تبدأ باستعادة المال العام المنهوب ووضع نظام ضريبي عادل يطول بالدرجة الاولى الأرباح الرأسمالية والفوائد والريوع والثروة.

- اعادة تكوين وتفعيل مجمل آليات الحماية الاجتماعية وتأمين حق المواطن في العلم والصحة والعمل والنقل والسكن والتقاعد والحفاظ على البيئة .

- رؤية اقتصادية بديلة للنهوض بالاقتصاد الوطني وقطاعاته المنتجة كبديل للسياسات الاقتصادية المتبعة منذ عام 1992 والتي اعدمت فرص النمو الاقتصادي ودمرت ما تبقى من شبكات البنى التحتية لا سيما الكهرباء ووسعت دائرة البطالة والفقر وهجرة الكفاءات .

ويؤكد الحزب الشيوعي اللبناني على ضرورة التعاون واهميته لإنتاج اطر عمل مشتركة من قبل المنتفضين في الشارع ومن كل المعنيين بتنظيم الانتفاضة وتصعيدها في بيروت والمناطق الاخرى من اجل تحقيق اهدافها . وقد حيّى الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ( حنا غريب ) جميع المشاركين في التظاهرات الاحتجاجية بوجه قوى السلطة من عمال وفقراء وكادحين مبينا ان ما يجري في الشارع اللبناني هو تنفيذ لقرار الحزب الشيوعي اللبناني بأنه (( لا انقاذ من دون تغيير ولا تغيير من دون مواجهة )) , وان السابع عشر من تشرين الأول يوم مجيد في تاريخ لبنان , وليس هكذا يكافأ من حرر الأرض وقدم الدماء والشهداء , ومؤكدا على اعادة تشكيل الدولة من خلال قانون انتخابات خارج القيد الطائفي وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية .