تتسع منذ يوم الجمعة الماضي، المشاركة الجماهيرية في الانتفاضة الشعبية التي انطلقت مجدداً في الأول من هذا الشهر، بوجه نظام المحاصصة الطائفي والإثني، الذي لم ينتج سوى خراب متواصل في الإقتصاد الوطني ونهب لثروات البلد وتفريط في إستقلال العراق وسيادته وإذلال للعراقيين، وهم الذين طالما إعتبرهم التاريخ من إيقونات الكرامة الإنسانية.
فكل يوم تنضم جحافل جديدة من أبناء هذا الشعب الى الانتفاضة متحدية كل أشكال العسف والقمع الهمجي، مؤكدة بأن الشعب ينتصر حين يريد الحياة، ولن يجد أعداؤه ومضطهدوه سوى مزابل التاريخ مصيرا محتوما.
وتتمثل أبلغ صورة نراها اليوم لهذه المشاركة، في إنضمام طالبات وطلبة الجامعات والكليات والثانويات وأخيرا الإبتدائيات لصفوف المنتفضين، مؤكدة بأن هذا الشعب ليس صنوا للكرامة فقط، بل هو جنان مزهرة تطرح كل يوم الالاف من الزهور اليانعة التي يزهو بها غد الوطن الجميل، صورة تعيد للأذهان الدور المجيد لطلبة وشبيبة العراق طيلة عقود في الكفاح من أجل إستقلال الوطن وحريته ومن أجل سعادة الشعب، صورة تكمل ما إجترحه الشباب من مآثر في وثبة كانون عام 1948 وإنتفاضة تشرين 1952 وثورة تموز 1958 وفي تصديه في أهوار العراق وجبال كردستان الأبية، لفاشية صدام ونظامه البائد، صورة تؤكد بأن هؤلاء الشباب سيواصلون هذا الدور المجيد في المستقبل أيضاً.
كما تؤكد هذه الصورة البليغة مرة أخرى انعدام الثقة كليا بين الجماهير المنتفضة والسلطات المتسلطة الفاسدة، وعلى تصاعد الرفض الجماهيري الواسع لمحاولات التضليل التي سعت الحكومة من خلالها إطلاق الوعود الكاذبة وغير العملية بتلبية مطالب المنتفضين.
وبدلاً من أن تتعظ السلطات بدروس التاريخ وتجارب الشعوب، ومنها مايجاورنا، لجأت وكأي سلطة متغطرسة، للعنف ولأساليب الاختطاف والاعتقال والإغتيال للشباب المنتفضين والنشطاء المدنيين، والى تحجيم دور وسائل الاعلام المختلفة، عسى أن تحجب عن العالم تطورات هذه الانتفاضة وشجاعة شبابها البسلاء، وهم يواجهون القمع المتعمد والدموي لأجهزة السلطة وتحت مسمياتها المختلفة، بسلمية تظاهراتهم.
ورغم ما سال من دماء طاهرة بريئة، ورغم جراح الألاف ممن غصت بهم المستشفيات، ورغم حملات الإدانة لما يتعرض له المنتفضين وحملات التضامن التي تعم العالم اليوم معهم، لاتزال الحكومة ورئاستا الجمهورية والبرلمان، بعيدين عن التجاوب مع المطاليب المشروعة للناس، والإصغاء لصوتهم والإمتثال لإرادتهم، غير مدركين بأن الإسراع بذلك هو الحل الوحيد لتجنب النهاية المخزية التي تنتظر كل من يتخلف عن ركب الشعب والإستجابة لإرادته في الحياة الحرة الكريمة.
إن على الحكومة الإسراع بتقديم إستقالتها وتسليم المسؤولية لحكومة مؤقتة، حكومة وطنية نزيهة وذات صلاحيات استثنائية، تشرف على إختيار مفوضية إنتخابات نزيهة وتضع قانوناً عادلاً للإنتخابات وتجريها لإختيار ممثلين حقيقيين للناس، يوفرون للعراقيين الحرية والخبز والمستقبل الآمن.
لقد حان الوقت للاذعان لمطالب الجماهير وعلى المتنفذين الحذر من التمادي.
امتثلوا لإرادة الشعب، لأن دماء الشهداء منتصرة حتما على جلاديها، وإعلموا أن إرادة الشعوب لا تقهر مهما تجبر طغاتها.

عرض مقالات: