منذ بداية العام الحالي، عام الذكرى المئوية لاستشهاد روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنشت ورفاقهما في شتاء عام 1919 ، شهدت برلين والعديد من المدن الالمانية، ومدن العالم الأخرى، فعاليات استذكار تنوعت في شكلها ومحتواها. وفي المساهمة التالية عرض بتصرف للتقرير الذي نشرته جريدة "تاتس" الصادرة في برلين والقريبة من حزب الخضر في 30 ايار الفائت، عن جولة صوتية تعريفية لآخر وأهم الاماكن التي تواجدت فيها روزا قبل اغتيالها والقاء جثمانها في "قناة الجيش" وسط برلين، من قبل ضباط ميليشيات الفيلق الفاشي، الذي لعب دورا محوريا في مكافحة ثورة نوفمبر 1918 في المانيا.
لقد تحدت روزا لوكسبورغ خصومها، حتى بعد استشهادها. فقد ربط القتلة الجثمان بالاحجار والقوا به في القناة، املا في اختفاء الجثمان، مرة والى الابد في القاع ، ومعه افكار صاحبته. لكن الجثمان تحرك في القاع، واحتاج 136 يوما ليقطع مسافة قصيرة بين جسر "|لشتنشتاين"، حيث القى القتلة الجثمان في 15 كانون الثاني 1919 الى بوابة "تيرغارتن"، حيث عثر عليه في31 ايار 1919 ، واخرج من القناة .
حملت الجولة الاستذكارية عنوان " كنت وسابقى وسأكون. في اثر روزا لوكسبورغ" لتتبع اثار المناضلة الاممية والنسوية، وواحدة من اهم مؤسسي الحزب الشيوعي في المانيا، ولكن ايضا كاتبة الرسائل الرائعة، التي ولدت في 5 اذار 1871 وعاشت 48 عاما فقط. نظمت الجولة التي تستغرق 75 دقيقه، من قبل الكاتبتين روت يوهانا برنت، وآنا اوبل. ورتبت المنظمتان كتابات روزا السياسية، ورسائلها الى شريك حياتها ليو يوغيشس، ولكن ايضا قصائدهما في نص وصفي شامل وواضح وغير متطفل، نجح في ربط احداث الامس باليوم.
تبدأ الجولة في شارع مانهايم، بناية رقم 37 في الحي البرليني "فلمرسدورف"، وهذه لحظة مهمة. تقول المرشدة السياحية "مرحبا هل وصلتم هنا بواسطة قطار الانفاق؟ . الى هذه المنطقة التي لم تكن في الماضي مأهولة بالكامل بالسكان". يقود صوت المرشدة السياحية المشاركين ويشجعهم على النظر سوية: هل تتبعون اثر روزا؟ في هذه القرية المركزية، التي صممت بشكل جيد، حيث البيوت ساكنة وهادئة، والسيارات مركونة في اماكنها، وحيث الساحة المخصصة للكلاب، وحيث ساحة تدوير النفايات. وعلى الجانب الآخر من الشارع ، كتب باللون الأحمر "كن صادقا مع نفسك".
عندها يثار انتباه المشاركين الى لوحة استذكار على الرصيف، وامام بوابة المنزل كتب عليها: "الملاذ الأخير للثوريين الألمان روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنشت"، فتعلق المرشدة : "ثوريين صحيح وجيد، ولكن المانيين؟" وُلدت روزا لوكسمبورغ في زاموي البولندية ، والتي كانت حينها تحت سيطرة الإمبراطورية الروسية ، وكتبت رسائلها الرقيقة الى حبيبها ليو يوغيتش بلغتها الام.
لم تصف نفسها يوما بالثورية الالمانية، لانها كانت اممية في الفكر والممارسة. وقضيتها التي يمكن وصفها بالالمانية هي الثورة في المانيا. وكان اهتمامها ينصب ايضا على ان تعيش حياة طبيعية، ويوم منظم، كيومها الاول الذي عاشته ، عند وصولها برلين في ايار 1898 :" استيقظ في الثامنة صباحا، واقفز الى الممر. واخطف الجريدة والرسائل، وازحف ثانية تحت غطائي الريشي الدافئ". كانت حينها تبلغ السابعة والعشرين من العمر، تقضي ساعة كاملة بالتنزه في حدائق "تيرغاردن"، تخوض صراعا مع تحريفة كاوتسكي، وفي السنوات اللاحقة توجه كلماتها ضد حزبها "الديمقراطي الاجتماعي"، وتكتب ضد الحرب.
وتقضي ثلاثة سنوات في السجن، لكنها سنوات لاتسلب منها تفاؤلها، كما دونت ذلك بوضوح في رسالة الى صديقتها صوفي زوجة رفيقها كارل ليبكنشت، التي تسميها تحببا سونيا: "بالامس اعتقدت، على مافي ذلك من غرابة، انني اعيش باستمرار في نشوة- دون اي سبب استثنائي". عندما يستمع المشاركون الى هذه الرسالة، التي تصف فيها لوكسمبورغ كيف يضرب سجان فحل جاموس يقسوة ليجبره على سحب عربة محملة بالاثقال، يكون المشاركون قد وصلوا بعد رحلة قصيرة الى شارع بودابست، حيث يقع فندق عدن، الذي نقلت اليه روزا وكارل بعد اعتقالهما . "كانوا ينتظرونا"، هكذا يتذكر فليهم بيك اول رئيس لجمهورية المانيا الديمقراطية السابقة، الذي كان من ضمن المعتقلين،"وامام المدخل استقبلنا بعض الضباط والجنود بالصراخ والشتائم، وتصرفوا، خصوصا مع روزا لوكسمبورغ ببذائة متناهية". قام الضابط فالديمار بابست، الذي امر بالاعتقال بضرب لوكسمبورغ بعقب البندقية في رأسها، وفي السيارة تمت تصفيتها، وهي فاقدة للوعي. واستمع المشاركون لما قاله بابست، باعتباره من اصدر اوامر القتل:"لقد حضرتُ تجمعا للحزب الشيوعي في المانيا، تحدثت فيه روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنشت، وتشكل لدي انطباع انهما مفكرا الثورة، فقررت قتلهما". وحتى في عام 1962، عندما كتب بابست هذا النص، لم يشر ولو بكلمة واحدة الى الندم: "ما زلت مقتنعا بأن هذا القرار مقبول تمامًا اخلاقيا ودينيا".
ولم يدان بابست، بل ادين التابع الذي اجهز على روزا وهي فاقدة للوعي. وما يميز النصوص التي اعدتها الكاتبتان ليس شهادتهم التاريخية، بل اكثر من هذا الحجج والخطاب الموجه للمشتركين الذي لم يقدم تفسيرات او يوجه اصابع اتهام، بل كان مناسبة لتحفيز الفكر.
وهذا يشمل قصيدة روت يوهنا بينرات التي حملت عنوان" قرد البار، مدينة الغرب":تم التعرف على جسدها بصعوبة، لقد طافت في ايار، الثورية المنتشلة لم تعد معروفة، مالذي يعرفة الشبيبة ذو المشروبات باهضة الثمن عنها". وقبل ان تهدد القصيدة بالتحول الى نقد تقليدي للراسمالية، تكشف الشاعرة عن عدم اليقين بشأن اللغة التي يمكنها اليوم الارتقاء الى روزا أوالى افكارها: "بعد مائة عام من موتك ، نحن نسبح في المال ، ونحرك مكعبات الثلج في كؤوس كوكتيل الرأسمالية ،هذه الكلمة التي تظل تنزلق بعيدا عني،مثل ثعبان البحر الزلق الذي قمت بتشريحه. روزا ، اشرحي لي اياه ، دواخله، فسري لنا العالم حتى نفهم أنفسنا".
ان اهمية هذه الجولة التعريفية تكمن في كونها شكلا جديدا لاستذكار روزا الى جانب اشكال الاستذكار المتراكمة.