الاستراتيجية العالمية للشركات متعددة الجنسيات قد تتعارض مع مصالح العاملين في الوحدات الانتاجية التي تقوم الشركات الوليدة على إدارتها . ويمكن ان تؤدي هذه الاستراتيجية الى التضحية بمصالح الشركات الوليدة ، وبمصالح العاملين فيها. قد تقتضي مصلحة الشركة متعددة الجنسية الأم مثلا الى اغلاق بعض أسواق التصدير أمام إحدى شركاتها الوليدة لحساب شركة وليدة أخرى ، وذلك لأسباب ضريبية أو اقتصادية أو سياسية ، بما يترتب على ذلك بالضرورة اغلاق بعض منشأت الشركة التي أغلقت أسواق التصدير أمامها ، وتسريح عمالها . في الواقع ان  مصدر الخطر الرئيسي الذي يهدد مصالح العاملين في الشركات الوليدة كما هو الحال بالنسبة لدائني ومساهمي هذه الشركات يكمن في اخضاع كل القرارات الخاصة بنشاط هذه الشركات لمقتضيات المصلحة الكلية للمشروع متعدد الجنسيات بما يؤدي اليه ذلك في كثير من الاحيان التضحية بمصالح بعض الشركات الوليدة  وبمصالح العاملين فيها لصالح المشروع متعدد الجنسيات ككل  . ولذلك فليس من الغريب ان يسلك فقهاء قانون العمل الذين عكفوا على دراسة أفضل السبل لحماية مصالح العاملين في الوحدات الانتاجية التابعة للشركات متعددة الجنسية ، نفس السبيل الذي سلكه فقهاء القانون التجاري بالنسبة لمساهمي ودائني الشركات الوليدة ، ونعني بذلك محاولة تجاوز الحدود القانونية التي تفصل الشركات الوليدة المختلفة ، وبينها وبين الشركة الأم ، تلك الحدود التي تقيمها النظرية التقليدية في الشخصية المعنوية ، والتي لم تعد تعبّر عن الواقع الفعلي المتمثل في وحدة المشروع متعدد الجنسيات  على المستوى العالمي . وأيا كان قدر الحماية التي يمكن توفيرها للعاملين في الشركات الوليدة ، باستخدام هذا الاسلوب الفني او ذاك ، سوف تبقى الشركات متعددة الجنسيات بتركيبتها الحالية ، ونظامها القانوني القائم ، مصدرا لعديد من المشاكل العمالية ولاسباب عدة ، وفي مقدمتها وجود مركز القرارات المتعلقة بسير العمل في المشروع بعيدا عن المنشأت التي تمارس فيها علاقات العمل اليومية . فالشركة الأم هي التي تتولى بالفعل إصدار كافة القرارات الهامة التي تمس وجود ونشاط الوحدات الأنتاجية المنتشرة في كافة انحاء العالم . اما الشركات الوليدة القائمة على ادارة  هذه الوحدات الانتاجية فلا حول  لها ولاقوة في هذا الشأن ، ويؤدي هذا الوضع في الكثير من الأحيان الى تعقد المنازعات العمالية التي تثور داخل الشركات الوليدة  نظرا لعدم وجود السلطة الحقيقية التي يمكن للنقابات العمالية التفاوض معها من اجل الوصول الى حلول لمثل هذه النزاعات.                        

  من المتعارف عليه أن تعبير التنمية الأقتصادية  يعني تطوير أوضاع الدول النامية حتى تلحق بركب المتفوقين . وظهرت في لغة السياسة والاقتصاد بعد الحرب العالمية الثانية , وأنشئ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أوائل الستينات, وعرفت الدول مايسمى مساعدات التنمية التي تقدمها الحكومات الغنية الى دول العالم النامية, وظهرت قروض التنمية من الدول الغنية والمؤسسات المتعددة الأطراف وأشهرها البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وبنك التنمية الأسيوي وبنك التنمية للدول الأمريكية والصندوق العربي للأنماء الاقتصادي والاجتماعي الخ.   ان الشركات متعددة الجنسيات تسعى دائما الى أسواق متنامية لتصريف ماتقدمه من سلع او خدمات ، ويسعدها انسياب منتجاتها بين عشرات الملايين وعبر مساحات شاسعة دون اجراءات تصدير أو استيراد أو مرور بالجمارك أو ضرورة جواز سفر عليه تأشيرة دخول ، ومن هنا يأتي اهمالها الكامل للأقطار الصغيرة الفقيرة التي تشهد الانقلابات العسكرية أو أعمال عنف سياسية أو حرب أهلية  .                                     الرأسمالية منذ نشأتها الأولى في القرن السادس عشر ، ومن ثم في سياق تطورها اللاحق ، لم تكن في صيرورة فعلها حركة محدودة بإطار وطني أو قومي معين ضمن بُعد جغرافي يحتوي ذلك الوطن أو يعبّر عن تلك القومية ، فالإنتاج السلعي وفائض القيمة وتراكم رأس المال لدى البورجوازية الصاعدة منذ القرن الخامس عشر التي استطاعت تحطيم إمارات وممالك النظام الإقطاعي القديم في أوروبا، وتوحيدها في أطر قومية حديثة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها ، لم تكن هذه الدول القومية الحديثة والمعاصرة سوى محطة لتمركز الإنتاج الصناعي ورأس المال على قاعدة المنافسة وحرية السوق، للانطلاق نحو التوسع العالمي اللا محدود. عندما نحلل تكوين الطبقة عن طريق الدولة القومية في الحقب الأولى ، تتكشف لنا صراعات الطبقة عالميا عن طريق المنطق المؤسسي والتنظيمي لنظام الدولة – الأمة . أثناء مرحلة الدولة – الأمة للرأسمالية المتصفة بدوائر الإنتاج القومية المرتبطة بالنظام الأكبر عن طريق السوق العالمي والتدفقات المالية . تمتعت الدول القومية بدرجة متباينة ولكنها مهمة من الاستقلال لتدخل في مرحلة التوزيع والفائض يمكن تحويله خلال مؤسسات الدولة – القومية.                           

لقد تصارعت الطبقات المهيمنة والتابعة في مواجهة بعضها البعض على الفائض الاجتماعي من خلال هذه المؤسسات وحاربت لاستغلال الدول القومية للحصول على أسهم الفائض . ونتيجة لذلك ، كي يستثار التحليل الطبقي حدثت " حركة مزدوجة " مؤخرا ، ففي القرن الأخير ، ومع تطور الرأسمالية أطلق السوق غير المنتظم العنان لغضبه على الروابط الاجتماعية والمؤسسات التي سمحت للبقاء الفردي والتكاثر الاجتماعي ، إن الثروة الاجتماعية التي نشأت فرضت إجراء للتنظيم الاجتماعي على النظام الذي قلّص بعض الآثار الأكثر تدميرية للرأسمالية . وقد كانت هذه  " الحركة المزدوجة " ممكنة لأن رأس المال الذي فرضت عليه قيود منطقية ومؤسسية وقيود أخرى ارتبطت بنظام الدولة – ألأمة ، واجه مجموعة من المحددات فرضت عليه التوصل الى حل وسط تأريخي مع الطبقات العاملة  والشعبية . وقد تفرض هذه الطبقات على الدول القومية متطلبات إعادة توزيع وتفرض قيودا على قوة رأس المال ( كما ساهمت هذه الاحتمالات في انشقاق الحركة الاجتماعية العالمية وظهور الديمقرطية الاجتماعية ) . ويمكن للطبقات الشعبية أن تحقق ذلك لأن الدول القومية كانت لديها القدرة على القبض وإعادة توجيه الفائض عن طريق آليات التدخل . وكانت نتيجة صراعات الطبقة عالميا في هذه الفترة وجود دول  " العقد الجديد "  في مركز الاقتصاد العالمي والدول النامية  متعددة الطبقات المتباينة والمشروعات الشعبية في طائفة بعيدة عن مركز السلطة والتي أطلق عليه البعض  الحل التوفيقي

للطبقة ( 1 ) . في كل من هذه الحالات ، حققت الطبقات التابعة علاقتها برأس المال عن طريق الدولة – الأمة . تطورت الطبقات الرأسمالية في ظل الشرنقة الواقية للدول القومية وطورت الاهتمامات في مواجهة رأس المال القومي المنافس . ولايوجد شيء عبر تأريخي أو محدد سلفا عن هذه لتكوين الطبقة على مستوى العالم . وتقوم العولمة الآن بإلغائها . إن ما يحدث هو عملية تكوين طبقي عبر قومي يتم فيه تعديل عنصر الدولة القومية الوسيطة . يتم عولمة الجماعات الاجتماعية سواء أكانت مهيمنة أم تابعة عن طريق بنى ومؤسسات وعلم وصف الظواهر لعالم الدولة – الأمة ، البنية التحتية التأريخية الموروثة و التي تقيم الرأسمالية عليها مؤسسة عبر قومية . ومع صيرورة البنى الانتاجية القومية متكاملة الآن عبر قومية ، تعاصر الآن الطبقات العمالية التي تحدث تنميتها العضوية عن طريق الدولة – الأمة تكاملا مع الطبقات القومية الأخرى . لقد انطوى تكوين الطبقة العالمية على انقسام متسارع للعالم الى البرجوازية العالمية والبروليتارية العالمية – وعلى الرغم من ذلك تبقى قوة العمل العالمية مجزأة بشكل كبير عبر التسلسلات الاجتماعية القديمة والجديدة التي قطعت طريقها عبرالحدود القومية وجلبت تغيرات في العلاقة بين الطبقات المهيمنة التابعة . عن طريق الاستحالة التركيبية التي فرضتها العولمة على الأمم فردية في المحافظة على استقلالها أوحتى سيادة اقتصادها وأنظمتها السياسية والبنى الأجتماعية ، تعيد العولمة تشكيل القوى الاجتماعية العالمية ، وتحديدا عن طريق إعادة تعريف مرحلة التوزيع في تراكم رأس المال في علاقته بالدول – الأمة.                              

وأذا كانت اهداف العولمة ، تشكيل وبناء عالم جديد ، يكون للشركات متعددة   الجنسية العملاقة ، حق اتخاذ القرار وأملاء شروطها وفق شروط المنظمات المالية الدولية – صندوق النقد والبنك الدولي – فأن ذلك يعمق حالة التبادل غير المتكافئ بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية.                        

تعد الدولة التي تزيد عليها الأعباء أحد الموضوعات الرئيسية المنبثقة  عن دراسات سبعينيات القرن العشرين وبداية ثمانينياته ، وعقب الازدهار الكبير في الستينيات من القرن العشرين في أوروبا الغربية  والتوسع في البرامج والانفاق العام فقد أدى بعض ذلك الى التضخم الاقتصادي الذي برز في سبعينيات القرن العشرين والذي تزامن مع الاعتقاد بأن المجموعة الواسعة لضغوط الإنفاق على الحكومات يمكن أن توجد بواسطة منطق هذه الارتباطات المتسعة وكذلك الميول الديموغرافية التي تستحث الطلب على المنح المساعدة والرعاية الطبية .أما وصف الدولة في سياق وظائف الانتاج يساعدنا على التركيز على مواردها وامكانياتها ومشكلات السيولة . كما يمكن أن يقودنا الى التركيز على كيفية تنظيم وسائل الإنتاج هذه حتى نتمكن من فهم أوضح للدولة سواء باعتبارها كيان قراري أو وسيطة مع المجتمع . ويرتبط تنظيم هذه الوظائف الإنتاجية بشدة البناء القراري للدولة وتنظيم المجتمع . وترتبط عقلانية الوظيفة الانتاجية بالتحكم المركزي الذي يمثل وسيلة حيوية لبناء سلطة الدولة . اليوم  يبدو أن وظيفة الادارة المالية هي التي تستحوذ على القمة ، كما تشير عقلانيتها الى مركزية متنامية في ظل جهاز الدولة وترحيب متنامي من جانب الجماعات المجتمعية الموجهة ناحية الطلب . أن وضيفة الطلب تتشتت لأن الدولة تجتاحها مجموعة أهتمامات خاصة وكل منها تدّعي جزءا خاصا لسلطة الدولة . وتؤكد مجموعة أخرى من الاداء على القدرات المتدنية للحكومة طالما أكتسبت السياسة العامة المساندة ، وحيثما تؤكد نظرية الدعم الزائد على العلاقة التكافلية ( الناشئة عن الدوافع المتوازية ) بين الصفوة الحكومية الفرعية وصفوة مجموعة الأهتمام ، فإن متلازمة تفسيرات العبء الزائد تركز على دور الطلب العام .. وقد نشأ منطق سياسات الطلب ,لإمداد السلع العامة التي ستقدم على قدرة الحكومات على ايجاد سياسات ذات تكاليف قصيرة المدى . ان الافتراض الذي يكمن وراء هذا  الاهتمام الذي يعبّر عنه شرعية السلطة يتمثل في أن مزيد من المتطلبات تفرض على الحكومات . وبشكل أكثر تحديدا ، فإن معوقات السياسات الديمقراطية وكثير من متطلبات الإنفاق مفروضة على الحكومات بما لاتستطيع الوفاء به هذا بسبب أن المواطنين يسعون الى رفع الضرائب أما السياسيين فيسعون الى رفع الأصوات وهناك تأكيد أخر على "دولة العبء الزائد " على الرغم من أنه لايتفق بالضرورة مع التأكيديين الآخرين.               

------------------------------------------------------------------------------------------------------

  وليم روبنسن : العولمة والمجتمع ، الطبعة الثانية  نيسان  2001 . ص 161