تمر علينا في هذه الايام الذكرى السنوية لثورة تموز الخالدة وهي بحق ثورة الشعب بكافة فئاته ويرى الباحثون والمؤرخين بأن قيام ثورة 14 من تموز واسقاط الملكية – جاء نتيجة نضال جيل كامل من الطبقة الوسطى والفلاحين والعمال ، وأنها الوريث الشعبي لوثبة كانون وانتفاضة تشرين وحركات الفلاحين المسلحة في الغدارة والرميثة .
و ثورة 14 تموز من الحوادث المهمة التي كادت تقلب ميزان القوى في الداخل والخارج لصالح حركة التحرر الوطني ، لو قدر لهذه الثورة وحكومتها بالاستمرار لكان العراق اليوم في مصاف الدول المتقدمة ويمكن لها ان تطور الى جمهورية ديمقراطية. لولا المخططات الاستعمارية الداخلية والخارجية التي اسقطتها، وقد عادتها جميع الدول الاستعمارية ، وأعضاء حلف بغداد –تركيا وايران والباكستان وبريطانيا منذ الساعات ألأولى لقيامها. ولم تكن ثورة تموز مجرد تغييرا في الحكم فهي لم تدمر الملكية وحسب ،بل ان مستقبل طبقات بأسرها ومصيرها تأثر بعمق ، لقد دمرت الى حد كبير السلطة الاجتماعية لأكبر مشايخ مالكي الارض ، وتعزز نوعا ما موقع العمال والشرائح الوسطى والدنيا من المجتمع.
 قامت ثورة 14 من تموز نتيجة تراكمات من الفقر والاستبداد السياسي ولمعرفة اسباب قيامها لا بد من دراسة الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قبل الثورة.

 كانت طبقة الفلاحين تمثل النسبة الكبيرة من سكان العراق واكثرهم من سكنة الأرياف ، وكانت الاراضي للزراعة تقدر ب32،1 مليون دونم وكانت هذه الاراضي الزراعية يسيطر عليها 253،254 عائلة من الملاكين ، ويختلف حجم ملكية مساحة الارض الزراعية من عائلة اقطاعية الى اخرى ، فمثلا هناك -8- عوائل اقطاعية تملك 1،434،825 دونما من هذه الأراضي الزراعية ومن كبار الملاكين الاقطاعين كان احمد عجيل الياور يملك ما يقاريب509 الف دونم ، ومحمد الحبيب شيخ ربيعة يملك ما يقارب 207 الف دونم ، وبلاسم محمد الياسين احد شيوخ المياح ما يقارب 200 الف دونم وبيت السعدون 765 الف دونم والشيخ موحان الخير الله ما يقارب المليون دونم وهكذا بقية الأقطاعيين امثال محمد العربي ، ومجيد الخليفة وشواي الفهد ، وفالح الصيهود......
وهنا نورد نماذج لما ملكه رؤساء الوزراء الذين حكموا العراق بالتعاون مع العائلة المالكة:
رشيد عالي الكيلااني—2453 دونم، ..... رئيس الوزراء جميل المدفعي—3976،... رئيس الوزراء علي جودت الأيوبي6366 دونم، رئيس الوزراء حكمت سليمان16676 دونم ، رئيس الوزراء مزاحم الباججي 1941 دونم ، رئيس الوزراء مصطفى العمري 12732 -*دونم عبد الوهاب مرجان 9170 دونم احمد مختار ببان – 3958 دونم.

وهكذا نلاحظ وبأختصار بأن رؤساء العشائر واغنياء المدن ورجال الحكم تمكنوا وبأساليب مختلفة من السيطرة على الأراضي الصالحة للزراعة. بعد تكوين الحكم الملكي في العراق 
ولتثبيت الأقطاع في العراق اصدر مجلس النواب الذي كان اكثريته من الأقطاعيين عدة تشريعات قانونية ساهمت بتثبيت النظام الأقطاعي، ومن اشهر هذه القوانين قانون حقوق وواجبات الزراع الذي اشترط في احدى مواده بمنع الفلاحين بمغادرة الأراضي التي يسكنونها ألا بعد تسديد جميع ما بذمتهم من ديون لأقطاعي ويحق للأقطاعي ان يأخذ الرهائن من الفلاحين المطلوبين كأولادهم وزوجاتهم.
واصبح انتاج الفلاح في نهاية الموسم الزراعي لا يسد معيشتهم اليومية وكانوا يعيشون في اكواخ من القصب هم وحيواناتهم في
كوخ واحد ، ويعاملهم الاقطاعي معاملة العبيد يطيعون ما يأمر به. وقد اسس حراسا خاصين به يطلق عليهم ---الحوشية—يقومون بمعاقبة الفلاحين بأساليب وحشيه وانتشرت بينهم الكثير من الامراض المستعصية مثل السل والتراخوما وكانت هذه الأمراض تترك بدون علاج حتى وفاة المصاب ، وما يستلمه الفلاح من اتعابه لا يقدر بربع من انتاجه، والتعليم شبه معدوم في قراهم ، مما اضطر الكثير منهم للهروب والسكن في مناطق حول المدن وخاصة في البصرة كمحلة الرباط الكبير والصغير ومحلة الساعي والحسينية وعلى ضفاف الخندق وجميع محلات سكناهم معدومة الكهرباء والماء والصر ف الصحي وينامون على الأرض ايام
الشتاء ويستعملون سعف النخيل كغطاء ايام الشتاء القارص، وفي بغداد انتشرت اكواخهم في الشاكرية وغيرها .
 
اما الطبقة الوسطى من المثقفين خريجي المدارس العراقية والأجنبية فكانوا مبعدين عن الحكم مما دفع هذه الفئة اللجوء الى التنظيمات السرية كأحزاب وجمعيات .

يذكر الباحث الاستاذ حليم احمد –موجز تاريخ العراق الحديث ص 128 --.-لم تزد المصروفات الحكومية على شؤون التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية عن عشرة ملايين دينار ، أي سدس مجموع المصروفات العامة. واصبح العراق وموارده الطبيعية تدار من قبل حلف بغداد، وخير وصف لنظام العراق قبل الثورة كما جاء في قصيده الشاعر معروف الرصافي نختار منها الابيات التالية:

علم ودستور ومجلس امة كل عن المعنى الصحيح محرف
اسماء ليس لها مسمى سوى الفظها اما معانيها فليست تعرف
من يقرأ الدستور يعلم انه وفقآ لصك الانتداب مصنف .
دخول العائلة المالكة الى العراق ، وحكم الملك فيصل الاول

في البداية علينا ان نعرف جيدا لا توجد اي روابط تاريخية او اجتماعية تربط بين عائلة الملك فيصل الاول اول ملكا توج على العراق وبين الشعب العراقي حيث يرجع الملك المتوج الى الحجاز والذي جاء به الإنكليز، ووقف بجانبه الضباط الذين يطلق عليه اسم الضباط الشريفين الذين كانوا في الجيش العثماني وتحت ادارة الدولة العثمانية قبل سقوطها وقد خدموا السلطان العثماني تحت ستار الخلافة الأسلامية واطاعة خليفة المسلمين .و كان عددهم يربوا على ثلاثمائة ضابط عربي خدموا في الجيش العثماني،

وقد اختار فيصل الأول المشهور بذكائه، وكان دائما يتصرف بحنكه ودهاء ، وقد وصف المستشار الأنكليزي الملك فيصل الأول  "كان غاية في البراعة وغاية في التعقيد وغاية في النزوع الى المناورة" لقد اختار من الضباط الشريفيين لتنظيم نظام الحكم شلة منهم جعفر العسكري ، ونوري السعيد ، وعلي جودت الأيوبي .
توفى الملك فيصل الأول او قتل مسموما في سويسرا كما اشيع، وجاء من بعدة ولي العهد:

 الملك غازي ابن الملك فيصل الأول

ولد في الحجاز ، تزوج من بنت عمه عالية التي انجبت له ولي عهده الوحيد فيصل الثاني ثم انفصل عنها.
ينظر السياسيون والأنكليز الى الملك غازي بأنه لم يخلق للتاج ، متهور، اتهمته زوجته عالية بالمجون، والفجور والانحراف. تسلم زمام الحكم بعد وفاة والده عام 1933 وكان عمره 23 سنة، طالب بضم الكويت الى العراق، اسس إذاعة خاصة كان يشرف عليها في قصر الزهور، كانت تنقصه الخبرة السياسية ، توفي في حادث سيارة في عام 1939 حيث كان يسوقها بسرعة فائقة فأصطدمت بأحد اعمدة الكهرباء ، ونسجت القصص الكثيرة حول حادث وفاته ومن كان معه في السيارة ، وتشير معظم التقارير بأن حادث الوفاة كان مدبرا من قبل الأنكليز وقسم من الساسة العراقيين.

جاء بعده الأمير عبد الإله الذي عين وصيا على العرش بعد مقتل الملك غازي.

كان عبد الإله الذي اصبح وصيا على ابن اخته الملك فيصل الثاني ابن غازي احد المتهمين بقتل الملك غازي. يقول حنا بطاطو في كتابه العراق الجزء الأول صفحة 379: مما يثير الدهشة ، ان نوري السعيد اخبر مستشار السفارة البريطانية ان الملكة عالية اقسمت انها ستعلن وثيقه تعبر عن رغبة غازي في ان يصبح اخوها عبد الأله وصيا على العرش اذا ما تعرض الى اي حادث، نظرا لأن ابنه ما يزال قاصرا وقد قوبل بيان عالية بأستنكار من قبل الشعب العراق واتهامها بأنها لها علم بمؤامرة قتل غازي لأنها كانت مطلقته وتكن له الكره والحقد وتميل الى اخيها عبد الأله.

عبد الأله لم يكن قد تلقى الكثير من التعليم بل كان تلميذا فاشلا عاش في مكة وقد اشرفت على تربيته امه الشركسية نفيسة التي قضت ايام صباها في واحد من قصور عبد الحميد السلطان العثماني، يحدثنا الكاتب عبد الرحمن منيف عن عبد الأله كان ميالا للعزلة والانطواء وتعلق منذ وقت مبكر بالخيل وأنه تربى في جو غالبيته من النساء مع والدته ، فقد اكتسب بعض صفاتهن واثر ذلك على سلوكه يمكن القول انه كان اقرب الى التخنث ، وليست اخلاقه فوق الشبهات وخصوصا ما يتعلق برفقته الدائمة والمبالغ بها للشاب الجوكي --- فارس ــ من الدليم
وعندما تسلم الوصي البالغ ال27 من عمره والعديم الخبرة اصبح خاضعا كليا لنوري السعيد، دعمه البريطانيون الى ابعد الحدود ، يضيف المؤرخ حنا بطاطا----- اصبح النظام الملكي الذي اوجده الأحتلال الأنكليزي بعد عام 1941 يتخذ لنفسه اكثر فأكثر سمات الحكم القسري وقت اعلنت الأحكام العرفية بين عام 1941 وعام 1958 اربع مرات. قتل مع ابن اخته الملك فيصل الثاني بعد قيام ثورة 14 من تموز.

الملك فيصل الثاني

ولد عام 1935 بعد وفاة والده اصبح ملكا تحت وصاية خاله عبد الأله حتى بلغ سن الرشد ، اشرفت على تربيته والدته عالية المطلقة من زوجها الملك غازي لكثرة الخلافات وألأتهامات بينهما
تساعدها في تربيته المربية الإنكليزية مس ريموس درس في بغداد ثم في لندن ،خطب الأميرة التركية فاضلة كان قليل التجربة في الحكم لصغر سنه سيطر خاله على سياسة الدولة مع نوري السعيد، حتى مقتله في يوم ا4 تموز.

القسم الثاني قيام ثورة 14 تموز المباركة
قيام ثورة 14 من تموز --- ومقتل العائلة المالكة

كيف تم قتل الملك فيصل الثاني؟ 


 في البدء لا بد من القول انه لا توجد اي وثيقة او تعليمات رسمية تقر بتصفية العائلة المالكة ميدانيا حتى وان قاومت الثوار، كما لا يوجد اي توجيه حزبي من قبل جميع الأحزاب المشتركة بالجبهة الوطنية التي ساهمت بقيام ثورة تموز تشير الى ضرورة تصفية العائلة المالكة ، وتنص جميع الدراسات والوثائق حول مقتل الملك فيصل الثاني وعائلته كان تصرفا فرديا.
 ارخ المؤرخ البرفسور حنا بطاطو في كتابه الشهير – العراق – الجزء الثالث الصفحة 110 حول مقتل الملك فيصل الثاني ملك العراق السابق: عند الساعة الرابعة والصف صباحا ، دخل لواء العشرين الى بغداد... وقد عبرت كتيبة عارف نفسه الثالثة الى الكرخ وكان عليها ان تضع يدها على محطة الإذاعة وبيت نوري السعيد والقصر الملكي وتم كل شيء على ما يرام وحسب ما خطط له و يبدو ان اعدام افراد العائلة المالكة بأطلاق النار عليهم لم يكن أمرآ مقررا واستنادا الى الملازم فالح حنظل من الحرس الملكي. يقول ظهر الرئيس عبد الستار سبع العبوسي ، واطلق النار فجأة ومن وراء الظهور على العائلة المالكة فسقط الملك فيصل الثاني مصابا، وقد اعترف الرئيس العبوسي ، الذي لم يكن عضوا في العصيان من الأساس والذي جاء الى المكان بعد ان سمع نداء عارف الموجه من الإذاعة، وجاء في كتاب الملازم فالح اسرار مقتل العائلة المالكة في العراق --- صفحه 93 ما يلي ، في تلك
 اللحظة انه كان يمر بنوبه وشعور وكآن غمامة سوداء تغطي رؤيته، وانه ضغط على زناد الرشاشة بلا وعي ومن دون معرفه بما يدور حوله-- فأنفجر سيل من الرصاص الذي جاء من كل ناحية ومن كل من يحمل سلاحا هذا الذي دفع الرئيس العبوسي بأطلاق الرصاص على العائلة المالكة.

وهكذا انتهى الحكم الملكي في العراق وأقيم النظام الجمهوري
وما أن أذيع البيان الاول بالثورة حتى احتلت الجماهير من شمال العراق الى جنوبه جميع الشوارع والساحات مؤيدة الحدث الثوري الكبير وكان شعارهم عاش تضامن الجيش مع الشعب.

انجازات ثورة 14 من تموز

لقد حققت المنجزات الكبيرة بالرغم من عمرها لا يتجاوز اربعة سنوات والنصف وهو ضف ما حققه الحكم الملكي خلال 38 سنة وما حققه الحكم الصدامي البعثي طيلة فترة حكمه وما حققه الحكم الطائفي الذي لايزال متربعا على سدة الحكم باسم الاسلام السياسي،
نختصر اهم الانجاز التي انجزتها ثورة 14 تموز خلال اربع سنوات ونصف السنة

في المجال السياسي
اطلقت سراح جميع السجناء السياسيين المعتقلين ،وارجعتهم الى وظائفهم،.. سمحت بالحياة الحزبية فأجازت الاحزاب الديمقراطية والوطنية ،..اجيزت الصحف على مختلف اتجاهاتها وحرية الرأي ، اجيزت جميع النقابات العمالية واتحدها العام ، اصدرت دستورا مؤقتا ديمقراطيا اكد في مواده على ضمان حقوق جميع مكونات الشعب،، ساندت حركات التحرر العربية والعالمية، الغت جميع المعاهدات الاستعمارية التي عقدها الحكومة مع الدول الاستعمارية، كحلف بغداد ،والمعاهدات الدفاعية مع الولايات الأمريكية والبريطانية،،كما قررت تحرير العملة العراقية من الاسترليني فقررت الخروج منه والتعامل مع جميع العملات.

اصدرت قانون الاصلاح الزراعي وتم تحرير الفلاحين حيث وزعت عليهم الاراضي الزراعية.

الغت قانون حكم العشائر ، واصبحت القوانين المدنية لوحدها هي التي تفصل بين المواطنين في مشاكلهم.

اصدرت قانون الاحوال الشخصية فساوت بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.

اصدرت قانون 80 وبموجبه جرى تحرير جميع الأراضي من الشركات النفطية التي لم تستغلها.

بناء عشرات الاحياء السكنية للفقراء كمدينة الثورة والشاكرية وغيرها.

فتحت المدارس ذات الصف الواحد في جميع القرى والارياف
اسست شركة النفط الوطنية التي اخت على عاتقها التنقيب وبيع المنتجات النفطية.

مد الخط العريض بين بغداد والبصرة.
عقدت المعاهدات الاقتصادية مع جميع دول المعسكر الاشتراكي فتم بناء المصانع والمعامل الإنتاجية ومنها

انشاء معمل الأدوية في سامراء ، معمل الزجاج في الرمادي ، معمل الجلود وانتاج الأحذية في الكوفة ….معمل التعليب والالبان في كربلاء....معمل الورق في البصرة.

بناء الميناء التجاري العميق في ام قصر.
وهناك المئات من الانجازات يمكن الاطلاع عليها
اهم مصادر البحث 
كتاب –العراق للباحث البرفسور حنا بطاطو
عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق للاستاذ عزيز سباهي
كتاب سلام عادل، للمناضلة ثمينة ناجي
ومقالات مختلفة اخرى