هناك مبالغة في متابعة تصريحات صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير، وكذلك جيسون غرينبلات مبعوث ومستشار الرئيس ترامب للقضايا الدولية، اللذين يعدان او يترأسان الطاقم الذي يعد ما تُسمى "صفقة القرن".

فما ان يدلي أحدهما بتصريح حتى تتسارع تصريحات الشجب والادانة والاستنكار الى درجة أن هذين المسؤولين الأميركيين أصبحا نجمين من النجوم التي تُلفت أنظار وسائل الاعلام الى حد كبير.

ليس المطلوب اهمال هذه التصريحات، ولكن المطلوب ان يكون رد فعلنا عملياً ومنطقياً وفعالاً، وأن لا يقتصر فقط على الشجب والاستنكار، وان يكون أيضاً مدروساً الى حد كبير.

ويجب الأخذ بعين الاعتبار حقيقتين مهمتين، أولهما ان الادارات الاميركية السابقة او الحالية أو القادمة منحازة باستمرار لاسرائيل، حليفتها الاستراتيجية في المنطقة، وكذلك فان المسؤولين الأميركيين ليسوا صادقين مع انفسهم او مع تعهداتهم لأن السياسة الأميركية العامة تسيّرهم، وتجبرهم على ان يكونوا خاضعين لها، ولن يدلوا بآرائهم الصادقة الا بعد ان يتركوا مناصبهم الرفيعة، وخير مثال على ذلك ان وزير خارجية اميركا جون كيري في عهد الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما توسل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وضغط عليه، لاجراء مفاوضات مع الجانب الاسرائيلي لمدة تسعة شهور مقابل قبول شروط وطلبات ورغبات القيادة الفلسطينية. وكذلك وعد بأن يعلن في نهاية المفاوضات عن المسؤول عن فشلها. ولكن هذا الوزير فشل في اجبار اسرائيل على تنفيذ كل ما وعدت به ، وبخاصة اطلاق الدفعة الاخيرة من أسرانا القدامى، وكذلك لم يستطع ان يعلن ان اسرائيل هي التي أفشلت المفاوضات لأنها لا تريد نجاحاً لها، ولا تريد أي اختراق للجمود  السياسي خشية اجبارها على دفع مستحقات وأهمها انهاء الاحتلال لأراضينا العربية. وقد عبر كيري عن موقفه الصادق بصورة غير مباشرة عبر امتناع المندوب الاميركي في الامم المتحدة عن التصويت لصالح قرار يدين الاستيطان في شهر كانون الاول 2016. أي ان الرئيس اوباما وكذلك وزير خارجيته لم يستطيعا دفع المسيرة السلمية الى الامام لأن السياسة العامة في اميركا تمنع ذلك لأسباب عديدة، وأهمها الدور الفعال المؤثر للوبي الصهيوني في اميركا.

وانطلاقاً مما ذكر فان الرهان على أي دور أميركي هو غير مجد، وليس مطلوباً،، لذلك يجب ان تتعدى المقاطعة الفلسطينية للادارة الاميركية الى اهمال تصريحات كوشنير وغرينبلات المواليين لاسرائيل، وعدم اعطاء تصريحاتهما أي اهمية، وبالمقابل يجب ان نضع خطة فلسطينية لمواجهة الضغوطات الممارسة حالياً، والآتية في الاسابيع والأشهر القادمة.. وأن نعمل جدياً وبصمت وهدوء لإفشال أي مخطط صهيو/أميركي، وان نتكل على قدراتنا المتواضعة، وعلى ارادتنا الصلبة في الدفاع عن حقوقنا المشروعة، وأن نعمل مع الأصدقاء في محاصرة هذه السياسة الأميركية المعادية لشعبنا الفلسطيني عبر كشفها، وعبر تحجيم الدور الاميركي قدر الامكان، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بل في كل ما يتعلق بقضايا منطقة الشرق الأوسط بأسرها..

القدس 15/6/2019

عرض مقالات: