تشير التطورات الأخيرة في العالم وبالتحديد منذ تسنم ترامب منصبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية الى تزايد مستوى المواجهة بشكل يصفه البعض بأنه أسوأ مما كان عليه الحال خلال الحرب الباردة، حيث عادت امريكا بسياستها الجديدة الجميع بمن فيهم حلفاؤها.

العلاقة مع روسيا

حدثت تغييرات جذرية في العلاقات بين روسيا وامريكا حيث اشار وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) الى أن اجراءات واشنطن تضر بالأمن القومي الروسي. وترى روسيا أن الاجراءات العقابية المفروضة ضدها وتوسيع حلف الناتو لا يمكنهما اجبار موسكو على تغيير سياستها. ومنذ تسلم الرئيس الأمريكي ترامب السلطة في الولايات المتحدة تغيرت السياسة الخارجية للولايات المتحدة كثيرا خاصة في التعامل مع الأزمات والخلافات الإقليمية خلافا لسياسة اوباما السابقة.

العلاقة مع الصين

كما توترت العلاقة كثيرا بين امريكا والصين اذ قام ترامب بفرض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية التي تنافس المنتجات الأمريكية وتتسبب بانخفاض اسعارها وتراجع التصنيع وارتفاع معدلات البطالة. لقد فرضت السلطات الأمريكية مزيدا من الرسوم على المنتجات الصينية الواردة اليها مما اضطر الصين الى الرد بإجراءات مماثلة. وقال ترامب إن بلاده لا تخوض حربا تجارية مع الصين لأنها خسرت تلك الحرب منذ سنوات بسبب ((حمقى)) غير مؤهلين لتمثيل الولايات المتحدة حسب تعبيره. وفي المقابل قال (وانغ شو فين) نائب وزير التجارة الصيني إن بلاده لا تريد حربا تجارية مع الولايات المتحدة لكنها مستعدة لها اذا ارادت واشنطن ذلك.

توتر العلاقات مع دول اخرى

وادت سياسة ترامب الى توتر الأوضاع مع ايران وكوريا الشمالية ومنطقة الخليج العربي وسوريا والعراق واليمن وفلسطين وفنزويلا وغيرها اضافة الى توتر علاقاته مع حلفائه في الاتحاد الاوروبي التي دخلت في حرب تجارية حيث كانت هناك مفاوضات منفردة مع عدة دول اوروبية اعتبرتها المانيا تهديدا لوحدة اوروبا ككتلة اقتصادية متماسكة بهدف انهاء الاتحاد الاوروبي باعتباره منافسا اقتصاديا بارزا.

ان تصاعد الحرب التجارية التي تخوضها الولايات المتحدة قد سبب آثارا اقتصادية وسياسية عالمية كبيرة الأمر الذي يهدد بوقف النمو الاقتصادي في العالم.

ويلاحظ ايضا انه منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008 وما نتج عنها من اعلان مؤسسات دولية افلاسها ما زال العديد من الاقتصادات يعاني اثرها حتى اليوم حيث اصيب العديد من الدول بحالة من عدم الاستقرار. ونجد اليوم ان العديد من الدول مثل تركيا والبرازيل وجنوب افريقيا والأرجنتين واندونيسيا وايران وغيرها تعاني انخفاضا في عملتها بنسب تفوق 40 في المائة وبطءا ملحوظا في حجم التدفقات الخارجية والاستثمارات الأجنبية الواردة.

من الأخطار الأخرى التي تهدد استقرار الاقتصاد العالمي هو ارتفاع حجم الديون الخارجية الذي تعاني منه معظم دول العالم حيث بلغ اجمالي نسبتها مؤخرا   225 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي بقيمة اجمالية تصل الى 164 تريليون دولار. وتكمن الخطورة في ارتفاع حجم تأثير تلك الديون على الدول في حال مواجهة اي تراجع اقتصادي ومن هنا جاءت ضرورة تطبيق اصلاحات اقتصادية تضمن تخفيض العجز وتحسين مخزونات رأس المال المصرفي وزيادة مرونة سعر الصرف.

انخفاض العملة

 يعاني العديد من دول العالم على الصعيد الاقتصادي على الرغم من الاختلاف الكبير فيما بينها من انخفاض عملتها بنسب تفوق 40 في المائة وبطء ملحوظ في حجم التدفقات الخارجية والاستثمارات الأجنبية الواردة حيث انخفضت التدفقات الى هذه البلدان الى (2,2) مليار دولار مقارنة بارتفاع قدره   13,7  مليار دولار سابقا.

البنوك

انتقلت البنوك الكبرى في العالم من الاعتماد على الاقتراض قصير الأجل الى بناء مخازن رأسمالية اكبر لمساعدتها على مواجهة ازمة ائتمان اخرى. وعلى الرغم من ذلك فإن العديد من البنوك الاخرى لا تزال تبدو ضعيفة خاصة بعد الأزمات المصرفية اليونانية والاسبانية والايطالية في السنوات الأخيرة وهذه اشارة قوية الى ان اللوائح لا تزال غير كافية لحماية النظام بشكل عام.

المخاطر السيبرانية

السيبرانية عبارة تستخدم في مجال حوكمة الانترنت لوصف رغبة الحكومات في ممارسة السيطرة على الانترنت داخل الحدود الوطنية التابعة لها، وهي عبارة عن ترابط حواسيب مع انظمة اوتوماتيكية. اما الأمن السيبراني فعبارة عن مجموع الوسائل التقنية والتنظيمية والادارية التي تستخدم لمنع الاستغلال والاستخدام غير المصرح به بهدف ضمان توافر واستمرارية عمل نظم المعلومات وتعزيز حماية البيانات الشخصية بسريتها واصبح ضعف الأمن السيبراني يشكل قلقا للمحللين يتمثل بالأزمة المالية القادمة حيث يمكن ان تنطلق من الهجمات السيبرانية على النظام المالي الرقمي (المترابط بشكل كامل).

يمكن القول ان هناك ضعفا في النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وافغانستان وباكستان ولكنه لا يزال مستقرا بوجه عام في القوقاز وآسيا الوسطى حسب تقارير المنظمات الدولية المختصة. وان ارتفاع الدين العام في البلدان المستوردة يؤدي الى الحد من قدرتها على تلبية احتياجاتها الأساسية المتعلقة بالبنية التحتية والانفاق الاجتماعي كما يؤدي الى كبح النمو وتعريض الاقتصادات للصدمات الخارجية. وفي تقرير للأمم المتحدة حذر من ان التجارة بين بلدان العالم قد تمر بانتكاسة في حالة تزايد الاتجاهات المنغلقة على ذاتها التي شهدها العالم في دول كبرى في اوربا والأميريكيتين. كما حذر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للتنمية الاقتصادية (اليوت هاريس) من ان العالم قد يشهد (مخاطر متزايدة في الأفق) ومن ان بعض هذه المخاطر قد يصبح واقعا بالفعل وان اتساع التوترات في التجارة العالمية له تأثير فعلي عليها وعلى سوق العمل واذا استمرت هذه التوترات في التسارع واستمر الوضع في التدهور فسيكون لكل ذلك تأثير سلبي حقيقي على احتمالات تقدم الاقتصاد العالمي برمته خصوصا اذا ما قوبلت بتدابير انتقامية من جانب بلدان اخرى.

يتوقع البنك الدولي أن ينخفض معدل نمو الاقتصاد العالمي الى 2,9 في المائة عام 2019 مقارنة بعام 2018 الذي كان 3 في المائة وذلك مع تنامي المخاطر التي تواجه هذه التوقعات، فقد تراجعت معدلات التجارة والتصنيع على الصعيد العالمي وما زالت التوترات التجارية مرتفعة. وبما ان التوقعات للاقتصاد العالمي قد اصبحت قاتمة فإن تعزيز التخطيط لحالات الطوارئ وتيسير التجارة وتحسين امكانية الحصول على التمويل سيكون أمراً حاسما للتغلب على اوجه عدم اليقين الحالية وتنشيط النمو وان النمو الاقتصادي القوي امر ضروري للحد من الفقر وتعزيز الرخاء.

اما التقرير الصادر عن منتدى الاقتصاد الدولي فيرى ان التوترات الجيوسياسية والجيواقتصادية تزداد بين القوى العظمى وانها تمثل المخاطر العالمية الأكثر الحاحا في الوقت الحالي.

اما بالنسبة للعراق فاين يقع بالنسبة للتحديات الاقتصادية في العالم؟

يعاني الاقتصاد العراقي من الاحادية حيث يشكل الريع النفطي المصدر الرئيس لاقتصاد البلاد ويعاني العراق من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وطائفية وامنية وبيئية وغيرها والاقتصاد العراقي اقتصاد متخلف بعيد عن التنوع وتلبية حاجات المجتمع ويعتمد كليا على الاستيراد فهو غير منتج بامتياز ويواجه تحديات داخلية وخارجية.

التحديات الداخلية وتتمثل في

1) هيمنة الدولة والريع النفطي على الاقتصاد حيث لا تزال الدولة تهيمن على اهم عناصر الانتاج المتمثلة بالأرض اذ تستحوذ على اكثر من 80 في المائة من الأراضي والمتبقي 20 في المائة مملوك من قبل الأهالي ويتكون جزؤه الأعظم من الأراضي السكنية. كذلك تهيمن الدولة على القطاع النفطي وتوجه ايراداته لخدمة الطبقة الحاكمة وطموحها بعيدا عن طموح الشعب واحتياجاته. كما يلاحظ انخفاض مساهمة قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية التي لم تتجاوز نسبهما 5 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي في حين ترتفع نسبة مساهمة النفط الى اكثر من 40 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي.

2) غياب المناخ الاستثماري: وهو احد التحديات الرئيسة التي تواجه عملية التنوع الاقتصادي في العراق كونه يسهم في طرد الاستثمارات الوطنية والأجنبية، اذ أن ضعف المناخ الاستثماري يعني مزيدا من الفساد وهذا ما يرفع من تكاليف الانتاج ومن ثم انخفاض القدرة التنافسية فتكون عملية التنويع الاقتصادي عملية شاقة.

التحديات الخارجية

1) تذبذب أسعار النفط الذي يعد احد تحديات التنوع الاقتصادي في العراق لأنه ماليا واقتصاديا يعتمد على الريع النفطي وبشكل كبير جدا فأي تذبذب في اسعار النفط لمختلف الأسباب سينعكس بشكل مباشر على الريع النفطي الذي يمثل ركيزة المالية العامة ايرادا وانفاقا وينعكس بشكل غير مباشر على الاقتصاد حيث ستنخفض العوائد المالية وستؤثر على مشاريع العراق الاستثمارية (ان كانت هناك مشاريع استثمارية حقيقية وليست وهمية يشوبها الفساد !!!). وان غياب الاستقرار المالي كنتيجة لأحادية الايراد وتذبذبه سينعكس بلا شك على التخصيصات الاستثمارية، كما ان توجه العراق نحو اقتصاد السوق يفرض على الدولة الانسحاب من الاقتصاد ويترتب على هذا تقليص اهمية الدولة في القطاعات الانتاجية. وفي الوقت الذي سحبت الدولة يدها من الاقتصاد وخاصة القطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة التحويلية لا يزال اقتصاد السوق لم يأخذ دوره الفعال وذلك لأسباب ذاتية تتعلق بضعف القطاع الخاص العراقي من جانب واخرى موضوعية تتعلق بغياب المناخ الاستثماري.

2) المنافسة الأجنبية: منذ 2003 اصبحت حدود العراق مفتوحة على مصراعيها أمام السلع الأجنبية دون رقابة وتدقيق مما جعل هذه السلع المستوردة تنافس السلع المنتجة محليا في ظل سياسة الاغراق هذه، وعدم قدرة السلع المحلية على منافسة السلع الأجنبية المستوردة مما اضطرها الى اغلاق ابوابها او تخفيض انتاجها. كذلك ساهم عامل آخر في ضعف تنافسية المنتجات المحلية الا وهو سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي فكلما يرتفع سعر صرف الدينار كلما يعني ارتفاع اسعار السلع المنتجة محليا امام المستورد الأجنبي فينخفض الطلب عليها وهذا ما يسهم في تراجع الانتاج وانخفاض تنوعه.

ان ضعف التخصيصات المتعلقة بالاستثمار واعادة اعمار المدن التي دمرها داعش وتدني مستوى الخدمات والبنى التحتية وازمة المياه وعدم استثمار الامدادات المائية الأخيرة وعجز الدولة عن استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية واستشراء الفساد في مفاصل الدولة المدنية والعسكرية وبقاء الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا وحيد الجانب وعدم تفعيل القطاعات الانتاجية الاخرى من زراعة وصناعة وغيرها وازدياد مديونية العراق الخارجية التي بلغت اكثر من 130 مليار دولار وهي مرشحة للزيادة وعدم قدرة الحكومة على تنفيذ برنامجها الاقتصادي وخطة التنمية وخاصة في قطاع الخدمات والصحة والتعليم وغيرها والحد من نسب الفقر المرتفعة والبطالة المتفشية بين الشباب والخرجين وغيرها كلها تحديات ما زالت قائمة في العراق في عام 2019 تنتظر الارادة السياسية الجادة لحلها.

عموما وفي ظل الصراعات والتوترات التي يشهدها العالم اليوم تبرز الى الساحة اهمية تعزيز عملية تطوير العلاقات بين الأحزاب الشيوعية واليسارية في العالم وتبادل الخبرة والعمل المشترك لفتح النقاش اكثر حول ضرورة الاستراتيجية الثورية المتجاوبة مع الاحتياجات المتزايدة للصراع الطبقي والغاء الاستغلال الرأسمالي وبناء المجتمع الاشتراكي مع تقوية النشاط المستقل للأحزاب الشيوعية وجبهتها الأيدولوجية والسياسية ومواجهة شعارات (اشتراكية) ليس لها اي بعد علمي بهدف اسر قوى شعبية. وان خوض الصراع الأيديولوجي الحاسم ضد القوى المعادية على اختلافها هو المعيار لتقدم الحركة الشيوعية، ومن الضروري التحشيد وسياسة التحالفات واتجاه العمل الأيديولوجي السياسي ضمن صفوف الطبقة العاملة.