خرج ملايين السودانيين في مظاهرات عارمة تجوب شوارع وساحات المدن السودانية ، كان أوجها وأكثرها تنظيما وتماسكا في العاصمة الخرطوم .
في 12/19 /2018 م خرجت هذه الملايين نتيجة لما تعانيه من ارتفاع أسعار الغذاء ورغيف الخبز ، مطالبة بتحسين ظروف حياتها المعاشية والخدمية ، وتوفير المواد الأساسية للأسرة السودانية وفي مقدمتها رغيف الخبز ، وما تعانيه الطبقات الدنيا من صعوبات في حصولها على تلك المواد وبأسعار مناسبة ، لتتمكن هذه الطبقات المسحوقة للبقاء على قيد الحياة .
نظام البشير الذي تنكر لتلك المطالب ، وقام بحملة اعتقالات واسعة في صفوف قوى الشعب السوداني المعارضة لحكمه ، بممارسته القمع والإرهاب ضد المتظاهرين والمعتصمين ، وسقط نتيجة ذلك شهداء وجرحى كثيرين .
ولم يدر في خلد هذا النظام ومن هم في دائرته من ( الاخوان المسلمين وحزب السلطة وميليشيات النظام ومرتزقته وبعض من ضباط القوات المسلحة ) الذين ساهموا بشكل مباشر في الممارسات القمعية ضد الجماهير ، التي تقاسي من الجوع والبؤس والحرمان ، في بلد يمتلك من الخيرات الزراعية الكبيرة ، وما تحت الأرض من معادن كان أعظم ، لو يصار لاستغلالها بشكل إيجابي ومن دون فساد وسرقات ، الذي ينعكس إيجابا على الشعب السوداني ، في الرخاء والنماء والتقدم .
السودان وما يزيد على خمسة عقود تتحكم بمصيره القوى الأكثر رجعية وظلامية وتخلف ودكتاتورية .
بدءا من نظام جعفر النميري ، الذي مارس كل أنواع القمع والإرهاب ومصادرة الحقوق والحريات ، وإجهاض الثورة السودانية التي قامت يوم 19 يوليو 1971 ضد النظام القاتل ، نظام جعفر النميري، على أثر فشل الثورة بدعم من نظام القذافي ، تم إعدام قادة الحزب الشيوعي السوداني وقادة الثورة ، الشهداء الخالدين جوزيف قرنق وعبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وهاشم العطا وفاروق حمد الله وغيرهم ، وحكم السودان نظام عسكري دموي دكتاتوري رجعي .
جعفر محمد النميري المولود في (26 أبريل 1930 - وتوفي في 30 مايو 2009)، الرئيس الرابع لجمهورية السودان ، الذي حكم من الفترة من 25 مايو 1969 إلى 6 أبريل 1985.
يوم 25 مايو 1969م بثت إذاعة أم درمان بياناُ للعقيد أركان حرب جعفر محمد النميري معلناً استيلاء القوات المسلحة السودانية على السلطة في البلاد .
سافر نميري في رحلة علاج إلى واشنطن في الأسبوع الأخير من مارس عام 1985، فبلغت مسببات الغضب على نظامه درجاتها العليا.
خرج الناس إلى الشارع تقودهم النقابات والاتحادات والأحزاب بصورة أعيت حيل أعتى نظام أمني بناه نميري في سنوات حكمه ، فأعلن وزير دفاع النظام آنذاك، الفريق عبد الرحمن سوار الذهب، انحياز القوات المسلحة للشعب ، حين كان نميري في الجو عائداً إلى الخرطوم ليحبط الانتفاضة الشعبية، ولكن معاونيه نصحوه بتغيير وجهته إلى القاهرة.
كان ذلك في 6أبريل من عام 1985م تم الإطاحة بالرئيس الأسبق جعفر نميري إثر ما يسمى بانتفاضة أبريل .
أصدر الرئيس السوداني الأسبق جعفر محمد نميري في سبتمبر 1983، قرارا بإعلان الشريعة الإسلامية كنظام حكم في السودان ، وتنصيب نفسه إماما على المسلمين.
وساعده في صياغة هذا القانون وتنفيذه مجموعة من الإسلاميين على رأسهم الدكتور حسن الترابي ( زعيم جبهة الميثاق سابقا ، ورئيس الجبهة الإسلامية القومية لا حقا ).
لجأ سياسياً إلى مصر عام 1985 إلى عام 2000 حيث عاد إلى السودان، وأعلن عن تشكيل حزب سياسي جديد يحمل اسم تحالف قوى الشعب العاملة . توفي يوم السبت الموافق 30 مايو 2009 بعد صراع طويل مع المرض .
المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب (1934 / 18 أكتوبر 2018)، خامس رئيس للجمهورية السودانية منذ عام 1985، عندما تسلّم السلطة أثناء انتفاضة أبريل 1985 بصفته أعلى قادة الجيش وبتنسيق مع قادة الانتفاضة من أحزاب ونقابات، وحتى تسليمه السلطة عام 1986.
سلم سوار الذهب مقاليد السلطة للحكومة الجديدة المنتخبة برئاسة رئيس وزرائها / الصادق المهدي - ورئيس مجلس سيادتها / أحمد الميرغني .
الرئيس أحمد الميرغني (16 أغسطس 1941 - 2 نوفمبر 2008)، رئيس السودان في الفترة من 6 مايو 1986 وحتى 30 يونيو 1989 عندما أسقطت الحكومة المنتخبة ديموقراطيا على يد الرئيس المخلوع عمر البشير. المصدر : ويكيبيديا .
نلاحظ بأن السودان حكمه العسكر وفي نظام دكتاتوري قمعي من منتصف ستينات القرن الماضي ، باستثناء فترة قصيرة من 1986م وحتى 6/5/1989 ، عندما قاد انقلاب عسكري ، محمد أحمد البشير وعدد من الضباط انقلابهم العسكري .
السودان وموقعه الجغرافي ومساحته الشاسعة التي تبلغ 1,886,068كم مربع ، ونفوسه التي يقرب عدد سكانها الأربعين مليون نسمة .
هذا البلد الغني بثرواته وغزارة منتجاته ، والذي يمر فيه نهر النيل العظيم ، ووفرة وغزارة مياهه وخصوبة تربته ، يطمع به البعيد والقريب ، تدفعهم مصالحهم ومحاولاتهم الاستحواذ على ما ليس لهم حق فيه !..
هذا جانب .. والجانب الأخر الذي لا يقل أهمية عن الذي بيناه !..
خوف الأنظمة المتهالكة والرجعية والدكتاتورية من التغيير المرتقب في السودان ، هذه الشعوب التي تعاني من تسلط الأنظمة المتعاقبة الدكتاتورية القمعية ، والتي حكمت السودان بالحديد والنار .
هذه الأنظمة في عالمنا العربي والأفريقي ، غالبيتها أنظمة رجعية دكتاتورية ، تعمل للحفاظ على مواقعها في حكم هذه الشعوب والسطو على ثرواتهم ، والإبقاء على الملايين التي تتضور جوعا وتعيش الفاقة والبؤس والحرمان ، والحكام يعيشون في أبراج عاجية ، وفي جنات عدن من تحتها الأنهار .
لهذه الأسباب وغيرها ، وفي عرف الأنظمة المعادية لتطلعات شعوبها ونزوع هذه الشعوب ، نحو الانعتاق والتحرر من عبوديتهم وطغيانهم وفسادهم .
تعمل هذه الأنظمة وما تمتلك من قوة وتأثير وسلطة ومال ، وبالتعاون فيما بين هذه الأنظمة ، لإجهاض أي انتفاضة أو ثورة أو هبة ، باعتبار ذلك يشكل خطر على عروشهم وينتزع منهم سلطانهم وامتيازاتهم .
الثورة السودانية تتعرض من نيسان الماضي وحتى الساعة ، الى تدخلات سافرة من دول عديدة ومعروفة ، لحرف مسار الثورة وإعاقة عملية الانتقال السلمي لسلطة الشعب ، لسلطة مدنية ولفترة انتقالية يتم تحديدها ، بعد أن تمت إزاحة رأس النظام ( محمد أحمد البشير ) ، وإعلان الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير ، على أغلب العقد التي كانت تحول دون الانتقال السلس والسلمي لحكومة مدنية ، ليصار الى قيام دولة ديمقراطية تمثل إرادة الشعب السوداني .
وبقدرة قادر !!.. تراجع المجلس العسكري عن الاتفاق وممانعته تسليم السلطة لقوى الحرية والتغيير ، وقيامه وبشكل بربري وإرهابي مقيت ، بفظ الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة ، بالرصاص والهراوات وقتل ما يربو على الأربعين من الضحايا المعتصمين وعشرات الجرحى والمفقودين والمصابين .
يدلل هذا بأن المجلس العسكري كان يضمر لهذه الملايين الشر ولم تكن في نيته تسليم السلطة ، كان يأمل بأن يخلق اختراق في صفوف قوى الحرية والتغيير ، ليجد المبرر في عدم تسليم السلطة لحكومة مدنية ، بالرغم من مواقف الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة المساند لمطالب قوى الحرية والتغيير .
السبب في ممانعة العسكر ، ليكونوا وريثي لنظام البشير ، ولتدور العجلة الى الوراء ، ويجثموا سنوات أُخر على رقاء وصدور الشعب السوداني !!..
هذا الموقف ليس ببعيد عن الدعم الذي حصل عليه المجلس العسكري من قبل الدول الإقليمية والدولية، ودعمهم بالمال وفي المحافل الدولية ، وكان التدخل سافرا ومكشوفا وفي وضح النهار وأمام العالم .
التغيير في السودان سيحدث نقلة نوعية في تطور وسائل النضال الجماهيري السلمي في المنطقة ، وسينعكس إيجابا وبشكل جلي وواضح ، على نضال شعوبنا العربية والأفريقية ، وستكون له تداعيات كبيرة .. وكبيرة جدا .
وهنا لابد من التنبيه بأن شرط انتصار الثورة وقطع الطريق أمام قوى الردة ، وعدم تمكين العسكر من سرقة الثورة وإعاقة تحقيق أهدافها في قيام نظام ديمقراطي حر مستقل ، وفي دولة مواطنة حقيقي .
هذا وغيره لا يتحقق إلا بوحدة وإرادة قوى الحرية والتغيير وشحذ همم كل القوى التي لها مصلحة حقيقية في استلام السلطة كاملة وغير منقوصة لقوى الحرية والتغيير ، وإقامة العدل والمساواة بين الجميع .
والمسألة الأُخرى ، يجب أن تكون لدى هذه القوى رؤيا واضحة وشفافة في تحديد الأولويات والمهمات الملقاة على عاتق قوى التغيير ، ورسم الطريق والسبيل الأسلم لتحقيق تلك الأهداف .
العمل على تحشيد وتجييش وتعبئة لأوسع الفئات والشرائح الاجتماعية ، وزجها في النضال اليومي ، ومشاركتها الواسعة لإنجاز مهمات الانتقال السلمي للسلطة ، باستخدام كل الوسائل المتاحة والمتيسرة ، أو التي يجب استحداثها بما يخدم ويطور أشكال النضال والكفاح والمواجهة .
لا يجوز بأي حال من الأحوال التراجع والمراوحة مهما غلت التضحيات ، ويجب السير الى الأمام وبخطى ثابتة ، لتحقيق هذا الانتصار بالتأكيد له ثمنه واستحقاقه .
يجب تشخيص وبوعي وتبصر ، اصطفاف القوى التي تقف مع الثورة ولديها الاستعداد للمضي لأخر الطريق ، وتحديد القوى الممانعة أو التي ما زالت لم تحسم أمرها ، ويجب بذل قصارا جهدكم لكسبهم الى جانبكم أو تحيدهم على أقل تقدير .
المسألة الأخرى والأهم ، عدم التعويل على العون الخارجي في تحقيق أهداف الثورة ، فهذا له ثمن .. وثمن باهض ، ولا يساعد على تحقيق الاستقلال الوطني والخلاص من الدكتاتورية والقمع والتخلف والظلام .
عاشت ثورة الشعب السوداني وقيادتها المناضلة الثورية الواعية .
النصر حليف الشعوب المكافحة لنيل حريتها واستقلالها وكرامتها
الهزيمة المنكرة للأنظمة الدكتاتورية الشمولية ، وللقوى الرجعية وللتخلف والظلام والفساد ، أعداء المرأة والسلام والتحرر من العبودية .