لقد دل التخبط السياسي لأطراف قوى إحتلال العراق ومن جيء بهم لإستلام سلطة ما بعد أسقاط الدكتاتورية ، على انهم وخصوصا الأحزاب الإسلامية ، لم تكن تمتلك برنامجا  ليستوي به حكمها ، حتى أن مسار العملية السياسية خلى من أي تصور عُرض على الشعب ، مما جعل الكثير من الناس ، ينكرون تواجدها في فكر القائمين على مواقع القرار ، إذ منذ الوهلة الأولى لتسلمهم السلطة بدأوا يتخبطون في إدارة الحكم ، فهم لا يريدوا للماضي أن يموت ولا المستقبل أن يأتي كما يقول الشاعر أودونيس ، مثلهم مثل ذلك التائه بالبحر بدون بوصلة.

لقد طغت على مجمل ممارسات الأغلبية العظمى منهم موضوعة كلمن إيحيد النار لكرصته ، حيث بدأوا التراكض والتنافس فيما بينهم لتجيير مردودات إسقاط النظام لصالح أحزابهم ومحسوبيهم ،  تاركين وضع الخطط والبرامج لمسار حكمهم ، وتصفية موروثات الحكومات الرجعية والدكتاتورية خلف ظهورهم ، متناسين ما وعدوا الشعب به عند تصديهم  للدكتاتورية ، وبذلك لم تتحقق لهفة العراقيين ولا حلمهم بما سيأتي عليهم إسقاط الدكتاتورية. 

كلا الطرفين (الغزاة والأحزاب الإسلامية) كانوا منشغلون بكيفية تحقيق أطماعهم الإقتصادية والجيوسياسية ، وكيفية إستغلال ثروات العراق المتعددة الجوانب ، فكلاهما كان يسعى ولا يزال ،لأن يكون العراق مركزا لتحقيق أطماعهم الإقليمية ، على أساس التعايش  بعقلية الماضوية رغم مرور قرون عليها . سيما وإن الأحزاب الإسلامية والقومية دعت لنصرة طوائفهم.

 أدرك المحتل مطامعهم تلك ، فإقترح عليهم تبني نهج المحاصصة الطائفية والإثنية ، ليكون نهج مسار عمليتهم السياسية   فتشكلت حكومة من نفس الوجوه ومن الذين تشيعوا من رجالات البعث المتلونين ليترأسوا المواقع التنفيذية الإدارية وبعض المناصب الامنية  ، مما سهل أنتشار وتعميم المحسوبية والفساد فيها ، موفرين فرص نهب ثروات البلد ، وتنفيذ أجندات دول الجوار لصالحهم. لم يُقدم كلا الطرفين لا الغزاة ولا الأحزاب الإسلامية على ما كان ينتظره الفقراء من الشعب سوى إزديادهم فقرا ،بسد  ابواب رزقهم ، بعدم أحياء حركة المصانع التي دمرتها قنابل الغزاة ، فضاعت فرص العمل وحقوق الناس الوطنية والإجتماعية ، مصاحبين ذلك بتجييش وبهرجة  إستذكار أحداث مضى عليها قرون.

لقد تواصلت ميزة خلو أجتماعات الأحزاب المتحاصصة من وضع الخطط والبرامج ليومنا هذا . اذ لم يشاهد الشارع العراقي ما يفيد التنمية النهضوية ، مما يدل أن أغلب تلك الاحزاب لم تكن باي حال صانعة قرار لتدبير أمورها وصبها في صالح الجماهير والوطن ، ومن تلك الاجتماعات ما عقد مؤخرا بين الرئاسات الثلاث ، الذي أراد البعض منهم أن يكون كسابقيه خالي من خطط عملية تحقق مطاليب الجماهير ، ويأتي دون معرفة الشعب به ، إذ لم يتطرق لمكافحة الفقر المدقع وإيجاد فرص عمل ولا حتى  لمحاربة الفساد وإنهاء تواجد داعش . لكنه لم يخلُ من وجبة عشاء دسمة (غابت حتى عن أحلام عامة الناس) مصحوبة بتوزيع الصفقات السياسية والمالية ، ومع هذا لسد الرماد في العيون ختموه ببيان ختامي ، لم يأتي بجديد سوى الكلام المنمق وسيادة العبارات العمومية الخالية من المنطق والدالة ، وهكذا بقيَ الوضع منقادا تحت رحمة نهج المحاصصة السياسية والطائفية بفاسديها ومحسوبيها ، فإزداد إزدراء الدعوة لمعالجة الاوضاع الشاذة وسوء الخدمات ومحاسبة المقصرين والفاسدين والإصغاء لنداءات الجماهير الشعبية التي بات المسؤولون يجابهونها بإيجاد المبررات والتضليل كما ظهر مؤخرا من تصريح البعض مبرئا أيران من تسويق المخدرات التي تصل إلى  لبنان وعبر عرسال تدخل سوريا ومن ثم إلينا ، رغم معرفة عموم الشعب ومسؤولي أمن المعابر الحدودية بأن 80% منها يأتي من إيران والدليل على ذلك ما تضمه سجون المحافظات الجنوبية والوسطى من مواطنين إيرانيين ألقي القبض عليهم بتهمة تهريب المخدرات عبر الحدود الشرقية

من كل ذلك يتراءى للمراقبين أن كلا الطرفين الأمريكان والإسلاميين لن يضعوا برامج تنموية لصالح الشعب والوطن إلا ما تعلق في كيفية نهب خيرات الوطن وتحقيق مصالحهم الذاتية والإقليمية ،  وتكوين هجين من السياسيين بفكر إيراني _أمريكي ، لا يقبل النقد ، على امل أن يتحول المواطن لمجرد سائر في سراط مستقيم ، مع وضع غطاء على عينيه ليكون تركيزه على المسار الذي وضع فيه ، حتى لا ينظر لما يدور حوله وما يحصل في البلد من خراب وتدمير لشخصيته وروح مواطنته التي إتصف بها على مر العصور ، محذريه بأن ذلك سيتفادى به رصاصة تدخل رأسه المليء بالأفكار   الوطنية النيرة ، ولتبقى إجتماعاتهم كما يريد البعض من السياسيين أن تسير بدون إزعاج ليتواصل فيها التخادم المتبادل ، ولا يهمهم نداء الجماهير المستمر في ساحات التظاهر المطالبين  بتحسين أوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية ومحاسبة الفاسدين ، وإسترجاع ما نهب من البلاد.     

عرض مقالات: