انتقلت الرأسمالية من مرحلتها الاحتكارية الى مرحلتها المعولمة بعد انهيار النظم السياسية للدول الاشتراكية  وبهذا الانتقال  عززت الرأسمالية مرحلتها الكسموبولتية  المتسمة بأممية راس المال حيث سجلت  تراجعاً تاريخيا قياسا للفكر الأممي الاشتراكي الذي كافح من اجل سيادة اممية انسانية تدافع عن الانسان وازدهار  حياته المادية والروحية.  وبهذا المنحى فان التباينات بين مفهمي الاممية الاشتراكية والنزعة الكسموبولتية تتأتى  من اختلاف الاسس الايديولوجية بين المنظومتين الفكرتين ففي الوقت الذي يدعو الفكر الاشتراكي الى الاممية وما يعنيه بالمساواة بين الامم ودولها وطبقاتها الاجتماعية المنتجة نرى ان أممية راس المال تعمل على انكار المساواة الفعلية بين الامم وتهدف الى  فرض سياسة  التبعية والتهميش .

استنادا الى تلك الموضوعات الفكرية نتعرض الى التباينات النظرية والاجتماعية في كلا المفهومين كمدخل نظري للبحث الموسوم الرأسمالية المعولمة ومناهضة التبعية والتهميش .

1 ــ النزعتان الكسموبولوتية  والأممية البرولتارية

يعيش عالمنا المعاصر تناقضات اجتماعية ـ سياسية دولية عديدة  وذلك بسبب نزعات الهيمنة والتسيد التي تعتمدها الدول الكبرى في نزاعاتها الدولية المتسمة بميول القرصنة والتسلط على البلدان الوطنية الاخرى وقد اتخذت تلك التناقضات اشكالا عديدة منها التدخلات العسكرية ومنها الحصارات الاقتصادية التي طالت الكثير من دول  التشكيلة الرأسمالية العالمية  وقواها الوطنية السائدة . وبهذا المسار فان مفهومي الاممية البرولتارية والنزعة الكسموبولوتية  يتسمان بالموضوعات التالية ـ

الموضوعة الاولى ــ أكدت الاممية البرولتاريا في الفكر الاشتراكي على وحدة  المصالح الطبقية للطبقة العاملة وما نتج عن ذلك من تبني الفكر الاشتراكي  إنشاء سلطة سياسية تتمتع فيها الطبقة العاملة وحلفائها الطبقيين   بمركز السيادة السياسية ويتقارب الجذر الطبقي للكسموبولتية المتمثل بتدويل مصالح الشركات الاحتكارية الكبرى وسيادتها في التشكيلة الرأسمالية العالمية مع الاممية البرولتاريا الهادفة الى سيادة الطبقة العاملة العالمية بغض النظر عن أطرها الوطنية .

الموضوعة الثانية ــ ـ تتباين الاممية البرولتاريا عن النزعة الكسموبولوتية في تمثيل المصالح الوطنية لتشكيلة البلاد الاجتماعية   ففي الوقت الذي تخلت الطبقة البرجوازية عن الوطنية في مرحلتها المعولمة أكدت التجربة الاشتراكية  على ان  الوحدة الاجتماعية ــ السياسية للطبقة العاملة  تنبع من وطنيتها المتشحة بالأممية المناهضة للتبعية والتهميش .

الموضوعة الثالثة ـ تشترط  العولمة الرأسمالية التبعية  والتهميش للبلدان الملحقة بهدف تفتيت تشكيلاتها الاجتماعية والاستيلاء على ثرواتها  الوطنية بينما الاممية الاشتراكية تعمل على ازدهار الحياة المادية والروحية لتشكيلاتها الاجتماعية المستندة الى المساواة والتعاون الدولي بين شعوب المعمورة ودولها .

استناداً الى التباينات المثارة نحاول اكسابها ملموسية  فكرية عبر التوقف عند دول التشكيلة الرأسمالية العالمية  وسماتها الفعلية في الظروف التاريخية المعاصرة عبر  المفاصل السياسية والفكرية  التالية ـ

ــ الرأسمالية المعولمة والنزاعات الوطنية والدولية .

امتازت التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية ولا زالت بنزاعاتها الوطنية ــ الطبقية وأنتجت البشرية في مسار تطورها التاريخي اسلوبين للإنتاج احدهما اسلوب الانتاج الرأسمالي وثانيهما اسلوب الانتاج الاشتراكي وانطلاقاً من ذلك تباينت اساليب الكفاح الاجتماعي والاقتصادي  في النظامين الاجتماعيين وتنوعت اساليب كفاح الطبقات الاجتماعية  فيهما لهذا دعونا نلاحق النزاعات الطبقية والوطنية في النظم الرأسمالية ارتكازاً على مستوى تطورها التاريخي  حيث مرت الرأسمالية في تطورها بمراحل مختلفة نتوقف عند اهمها ـ

أولا ـ مرحلة المنافسة الرأسمالية التي رفعت الطبقة البرجوازية فيها موضوعتي الوطنية والقومية الى مستويات متطورة هادفة بذلك الدفاع عن مصالحها الطبقية المرفوعة الى مستوى مصالح الامة , وبهذا المسار خاضت الطبقة البرجوازية نزاعاتها العسكرية والاقتصادية مع البرجوازيات الاخرى بهدف هيمنتها السياسية وصيانة مصالحها الطبقية والوطنية  .

ثانيا ـ ادى تطور الرأسمالية الى المرحلة الاحتكارية  في المراكز الدولية الكبرى وتنامي دور الشركات الدولية الى اضعاف روحها الوطنية وما أفرزه ذلك من تنامي نزعتها الكسموبولوتية  .

ثالثاً ـ بسبب تشابك مصالحها الدولية  استطاعت الرأسمالية الاحتكارية عبر مساوماتها الطبقية ان تحرر طبقتها العاملة من نزعتي الثورة الاجتماعية والهيمنة السياسية .

رابعاً ـ ادى انهيار اسلوب الانتاج الاشتراكي الى تحول الدول الرأسمالية الكبرى ذات النزعات الكسموبولوتية الى مقرر لاتجاه تطور العلاقات الدولية  وأعطت شحنة جديدة للنزاعات الدولية تميزت بمؤشرات كثيرة منها ــ

1 ـ أفضى دخول المراكز الرأسمالية الكبرى  المرحلة الكسموبولوتية الى اشتداد الروح الوطنية عند  الطبقات المختلفة في الدول الوطنية  .

2 ــ ساهم اشتداد حدة التناقضات الدولية  بين المراكز الرأسمالية الكبرى وبين الدول الوطنية في اندماج الروح القومية بالقضية الوطنية واتساع ساحة القوى المناهضة للرأسمالية المعولمة وروحها التسلطية .

ـ التعارضات بين الأيدلوجيتين الوطنية والكسموبوليتية  .

ادى نمو وتطور العولمة الرأسمالية الى انحسار الأيديولوجية القومية وتنامي الروح الوطنية الديمقراطية المناهضة للنزعة الكسموبولوتية التي تحملها الرأسمالية المعولمة  في علاقاتها الدولية .

ـــ تكمن شرعية الاطروحة الفكرية  المتمثلة بانحسار الفكر القومي وتنامي الوطنية  الديمقراطية في  الموضوعات الفكرية التالية  ــ

ــ افضى انهيار نموذج اسلوب الانتاج الاشتراكي المتمثل بسيادة الطبقة العاملة في النظم السياسية  الاشتراكية الى سيادة  اسلوب الانتاج الرأسمالي وسيادته في العلاقات الدولية .

ــ السيادة الدولية لاسلوب الانتاج الرأسمالي تلازمت ونزعتي التبعية والإلحاق للدول الوطنية  فضلا عن اشتداد  النزاعات الطبقية في التشكيلات الاجتماعية  الرأسمالية .

ــ أفضىت التناقضات الدولية بين النزعة الكسموبولتية التي يحملها الرأسمال الدولي وبين النزعات الوطنية في الدول الرأسمالية الاخرى الى تنامي  حدة الصراعات الطبقية في التشكيلات الرأسمالية .

ــ حفزت النزعات الكسموبولتية التي تعتمدها الدول الكبرى  الاحزاب والقوى المناهضة لميول التبعية والالحاق الى اعلاء شأن الوطنية في العلاقات الدولية .

ــ ازاحت الوطنية الديمقراطية  مفهوم القومية بسبب عجزه عن مناهضة النزعات الكسموبولوتية التي يحملها الرأسمال العالمي .

أخيرا وانطلاقا من مضامين  ا لبحث لابد من   ايراد الاستنتاج التالي ــ

يتحدد التناقض الاساسي العالمي في الظروف التاريخية المعاصرة بين  الوطنية الديمقراطية كنزعة أممية بديلة  عن برنامج الثورة الاشتراكية وبين عولمة رأس المال الكسموبولوتية في حقبته المعاصرة.

الاستنتاج المشار اليه يكتسب شرعيته الفكرية ـ والسياسية من  الموضوعات التالية ـ

1 ــ تهدف الوطنية الديمقراطية الى صيانة المصالح الاساسية للقوى الفاعلة في الاطار الوطني بينما تهدف النزعة الكسموبولوتية الى اقصاء وإبعاد القوى الوطنية الديمقراطية والتنكر لمصالحها الطبقية.

2 ـ ـ توفر سمات الالحاق والتهميش الارضية الاساسية لنشوء تحالفات وطنية وإقليمية  لبناء انظمة سياسية وطنية ــ ديمقراطية ترعى مصالح طبقات وفئات تشكيلتها الاجتماعية

3 ـ تمارس الرأسمالية الكسموبولتية تأثيراتها على  مختلف الدول  الامر الذي يتيح الفرصة امام القوى الوطنية ـ الديمقراطية لتشكيل الجبهات الوطنية المناهضة للتبعية والتهميش .

4 ــ تنتج الراسمالية الكسموبولوتية في تطورها المتواصل دولا فقيرة  وأخرى ثرية الامر الذي يضفي على الكفاح الوطني الديمقراطي طابعاً ثوريا  يتمثل بمكافحة الاستقطاب  الدولي التي تفرزه الرأسمالية  المعولمة .

ـ الكفاح الوطني ومناهضة التبعية والتهميش .

ــ  السمات الملازمة للرأسمالية المعولمة المتسمة بضيق قاعدتها الاجتماعية والعاملة على الالحاق والتهميش تمهد الارضية الاقتصادية والاجتماعية لنشوء تحالفات وطنية بين القوى والطبقات الاجتماعية ، وبهذا المسار تسعى التحالفات الوطنية والطبقية الى مكافحة  المنتجات الفكرية والسياسية  للرأسمالية المعولمة المتمثلة  بتخريب التشكيلات الاجتماعية ودولها الوطنية .

تتركز التحالفات الوطنية ــ الطبقية على برنامج سياسية ــ وطنية  تتحدد اعمدتها كما أرى بالعناوين التالية ــ

العنوان الاول ــ صيانة الدولة الوطنية من التبعية والتهميش عبر اقامة علاقات وطنية ــ دولية تستند الى مصالح التشكيلات الاجتماعية الوطنية .

العنوان الثاني ــ الكفاح المشترك لقوى التشكيلة الاجتماعية الوطنية لبناء  أنظمة ــ سياسية  وطنية على قاعدة الديمقراطية السياسية .

العنوان الثالث ــ ضمان المصالح الطبقية للطبقات الاجتماعية الفاعلة في التشكيلة الاجتماعية  على اساس تلبية وصيانة مصالحها الطبقية .

العنوان الرابع ــ التركيز على الشرعية الانتخابية الديمقراطية وفق برامج وطنية تهدف الى صيانة الدولة الوطنية من التبعية والتهميش .

استنادا الى ما جرى تناوله في البحث المركز ارى التأكيد على الاستنتاجات التالية ــ

أولا ــ تتسم المرحلة الجديدة من التطور الرأسمالي باغترابها الوطني وما يرافقه من ضيق قاعدتها الاجتماعية وما تفرزه من ميول  التبعية والتهميش للدول الاخرى  .

ثانيا ـ تتيح نهوج الرأسمالية المعولمة المتسمة بالتهميش والتبعية للقوى والطبقات الاجتماعية امكانية التحالفات السياسية وفق برامج وطنية ديمقراطية تعني بصيانة الدولة الوطنية ومصالح تشكيلتها الاجتماعية .

ثالثا ـ يشجع ضيق القاعدة الاجتماعية للرأسمالية المعولمة وميول التبعية والالحاق  الدول الوطنية على بناء تحالفات اقليمية لمكافحة الافقار والتهميش  .

رابعا ـ تشكل التحالفات الوطنية ـ الاقليمية جدارا عازلا ضد عمليات الاستقطاب والتهميش الى تعممها الرأسمالية المعولمة في علاقاتها الدولية  .

عرض مقالات: