للمواطنين رجال ونساء، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح. (المادة 20 من الدستور). والوصول الى المشاركة في الشؤون العامة يتحقق من خلال نظم الاقتراع السياسي المتضمنة: نظم الانتخاب، نظم التصويت، نظم توزيع المقاعد الانتخابية ونظم الادارة الانتخابية. لذا يعد الاقتراع السياسي صيغة من الصيغ التي يمارس بها الشعب السلطة من خلال انتخاب مرشحيه للمقاعد التمثيلية. ولكي تكون نظم الاقتراع ناجعة، فيشترط فيها ان تكون متاحة ومتساوية لكل المواطنين وبموجبها يذهب صوت الناخب الى مرشحه المنصرفة ارادته اليه، ولا يجوز بأية حال من الاحوال ان يذهب صوته خلافا لتلك الارادة الى غيره.

والاقتراع السياسي يتضمن النظم التالية: اولا - نظم الانتخاب التي تتضمن نظام الاغلبية، ونظام التمثيل النسبي بشقيه الكامل والتقريبي. ثانيا - نظم التصويت فتتضمن نظام التصويت الفردي ونظام التصويت بالقائمة سواء كانت مغلقة ام مفتوحة. ثالثا - نظم توزيع المقاعد والاصوات جاءت بطرق عدة: كطريقة القاسم الانتخابي، طريقة المعامل الوطني، البعد الواحد. وفي المرحلة الثانية: طريقة الباقي الاقوى، المعدل الاقوى، حد العتبة، هوندت، سانت ليغو وسواها من الطرق الاخرى التي ابتدعتها العقول الكبيرة في علوم الرياضيات. واخيرا الادارة الانتخابية، اذ ان الانتخابات قد تجرى في بعض البلدان بواسطة السلطة التنفيذية، او اشراف السلطة القضائية، او التوجه نحو تأسيس كيان مستقل يأخذ على عاتقه انجاز المهام الانتخابية وفي الغالب يسمى هذا الكيان المستقل بـ (مفوضية الانتخابات).

نظم الاقتراع هذه هي المنجز البشري الذي يتمكن من خلاله المرشحون من الوصول الى المقاعد التمثيلية، الذي يعرفه العالم اجمع، والتي من خلالها تتمكن الدول من ان تنهل وتنتقي من معينه البعض من قواعده واحكامه ومبادئه لكي تصوغها على شكل تشريعات (قوانين) يتمكن من خلالها المصوتون من اختيار مرشحيهم لتلك المقاعد في هذا البلد او ذاك بغية المشاركة في الشأن العام. ولكن الملاحظ ان الغالب من الماسكين بالسلطة وفي عديد البلدان، هم من يقوموا بوضع تشريعات نظم الاقتراع السياسي، بحيث تأتي نصوصهم التشريعية منسجمة مع توجه هؤلاء السياسيين ومرسومة على وفق مقاساتهم بحيث تمكنهم من تجليس انفسهم واتباعهم ومريديهم في المقاعد التمثيلية تلك . مع محاولات الاصرار على ديمومة البقاء في هذه المقاعد لدورات انتخابية عدة، وبذلك تكون نظم الاقتراع السياسي منتجة لذات الوجوه مع تكرر الدورات الانتخابية. وهذا يعني ان الماسكين بالسلطة ومن خلال نظم الاقتراع السياسي ومن معينه بإمكانهم وضع تشريعات تؤسس لدولة مستبدة او لدولة توتاليتارية، وفي المقابل يمكن انتقاء ما يلزم من نظم الاقتراع السياسي لتأسيس دولة ديمقراطية.

بعد وجيز الكلام هذا، نجد من الواجب الوقوف على التجربة العراقية بغية الوقوف على ما تم اختياره من نظم الاقتراع السياسي منذ 2003 وحتى انتخابات مجلس النواب الاخيرة 2018، وما افرزته التشريعات على نشاطات السلطة التشريعية المنعكس اثره على بقية السلطات.

اولا – ابتداء ان المشرع العراقي اخذ من نظم الانتخاب: التمثيل النسبي - الذي قد يكون كاملا الذي يعتمد العدد الانتخابي في الحصول على المقاعد الانتخابية. ولكن التمثيل النسبي قد يكون بشكل تقريبي ايضا: والمتمثل بتوزيع المقاعد النيابية على المناطق الانتخابية. لذا فقد رجح المشرع العراقي هذا النظام على نظام الاغلبية وأسس تشريعه على وفق هذا الاعتبار. وفي التصويت اختار التصويت بالقائمة، وبذلك فقد فضل التصويت بهذا النظام وشرع الاحكام المطلوبة له ووضعه موضع التنفيذ مبتعدا عن نظام التصويت الفردي.

مما لا شك فيه ان للتمثيل النسبي ايجابياته العديدة، لعل اهمها هو انه يعطي للحزب او التشكيل السياسي مقاعد تمثيلة حسب نسبة الاصوات الحاصل عليها، مما جعله محل تطبيق في العديد من دول العالم. لكن خصومه يكيلون اليه تهم عدة ويطعنوا بنجاعته قائلين على سبيل المثال: ان التمثيل النسبي مقترن بالقائمة، والقائمة مقيدة لحرية الناخب خاصة اذا كانت مغلقة مع التقييد النسبي اذا كانت مفتوحة لأنه يقيد خيارات المصوت بالأسماء الواردة فيها. اما اتباع النسبي فيردون ان هذا النظام يعتمد البرامج والمبادئ السياسية وأما اشخاص القائمة فمجرد منفذين لتلك البرامج. وان الناخب هنا – حسب قولهم – ينتخب البرامج والمبادئ السياسية وليس اشخاص القائمة. ونقول ان هذا الرد يصح في الدولة المتقدمة المعروفة برامجها، ولكنه لا ينال الصحة لدينا لان الاحزاب هنا تتقدم للانتخابات من دون برامج او مبادئ سياسية او اية رؤى وطنية، وبذلك يفقد التمثيل النسبي احد اهم اعمدته التي بني عليها. ولخلو الاحزاب من البرامج والمبادئ فأنه يجعل اعضاء القائمة من دون مهام سياسية، ويصبح النائب مجرد موظف في حزبه معطلا عن صفته التمثيلية . لذا تراه يعمل جاهدا لتمكين حزبه او طائفته او قوميته من الحصول على اكبر قدر من المنافع والمكاسب، وهذا ما تم العمل به منذ انتخابات 2005 حتى يومنا هذا.

ثانيا – ان تطبيق التمثيل النسبي في الانتخابات ادى الى كثرة تزاحم الاحزاب السياسية في المؤسسة التشريعية، مع عجز أي حزب بمفرده عن تشكيل الحكومة، وكأثر لهذا العجز وانعكاسا له، كثرت التكتلات والائتلافات تحت قبة مجلس النواب بغية تشكيل الحكومة، وهذا ما حصل فعلا منذ اول انتخابات حتى يومنا هذا . ولكن العقبة التي واجهت ديمومة تلك الائتلافات والتكتلات واستمرارها هو ان الاحزاب المنضوية تحتها متناشزة طائفيا وأثنيا وفكريا وأيديولوجيا وسلوكا ورؤى مع طغيان الاختلاف الفاضح مع الاخر، وهذا الطغيان مدعاة للابتعاد عن بعضهم البعض والذي قد يكون سببا لانفراط عقد التكتلات والائتلافات والحيلولة دون الاستمرار لهذه الاسباب ولغيرها من أمور اخرى، فضلا عن ان الحاجة تدعوهم الى البقاء مؤتلفين، وما من سبيل لحفظ العقد من الانفراط والبقاء على ديمومته والسير سوية رغم التناشز المذكور سوى تبادل المصالح والمنافع وحتى التنازلات، وفي هذا المفصل بالذات، ومن رحم هذه الوقائع، ولدت (الحصة) لكل واحد من الشركاء، والحصة هذه هي التي افضت الى مفهوم المحاصصة. وبموجبها ساروا سوية الى نهاية الدورة الانتخابية مع العزم على تجديد الائتلاف للدورة المقبلة وبذات المعطيات وبذات الاهداف.

ثالثا – الدائرة الانتخابية – قسم المشرع العراق الى عدة دوائر انتخابية معتبرا المحافظة دائرة انتخابية (ثماني عشرة دائرة انتخابية) وفي كل الانتخابات السابقة – باستثناء انتخابات 2005 – التي جرت حينئذ باعتبار العراق منطقة انتخابية واحدة -، أي ان المشرع هجر المنطقة الانتخابية الواحدة منذ ذلك التاريخ رغم فيض الايجابيات المحسوبة للعراق منطقة انتخابية واحدة والتي منها: 1 – انه يتخطى الواقع والرؤية الطائفية لان الانتخابات تجرى على اساس المواطنة. 2 – عبور مسألة التغييرات الديموغرافية لأن الناخبين يدلون بأصواتهم باعتبارهم مواطنين عراقيين وليسوا اصحاب الهويات الجزئية. 3 – تخطي موضوع المناطق المتنازع عليها لأن كركوك مثلا تستطيع ان تنتخب رغم عدم حسم الموضوع الوارد في المادة 140 من الدستور. 5 - تعكس الواقع الفعلي لحجم مشاركة المواطنين والمساهمة في الشأن العام ولو تم ذلك عن طريق البطاقة التموينية وليس التعداد السكاني  6 – سهولة ادارة العملية الانتخابية واجراءاتها والتقليل من الكلفة المالية وسرعة الوصول الى النتائج. وحيث ان المشرع ذهب الى الدوائر الانتخابية المتعددة وكأثر لهذا التشريع اصبحنا نسمع وعلى رؤوس الاشهاد وفي العديد من الفضائيات ان المحافظة الفلانية تطالب بحصتها من الحقائب الوزارية، وان المكون الفلاني يطالب بحصته من الهيئات المستقلة، والطائفة الفلانية تتحدث عن استحقاقها في المحافظة الفلانية، وهذا يعني ان التشريع المؤسس للدوائر المتعددة وحسب التوزيع الجغرافي للمحافظات كان تشريعا منتجا للمحاصصة.

رابعا – الادارة الانتخابية – أوكلت مهمة الانتخابات الى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات المشكلة بموجب القانون رقم 11 لسنة 2007 المعدل. الا ان المادة 2 من القانون أخضعتها لرقابة مجلس النواب، وهنا تكمن المشكلة، اذ ان تشكيلتها ومنذ التأسيس الاول لها تعد انعكاسا للواقع السائد في مجلس النواب ما دام هو الرقيب عليها. اذ سرعان ما اصابها ذات الامراض المستوطنة فيه، وبدلا من تنقل ارادة الناخب ضمن معايير المساواة والاستقلال والحيدة والمهنية، ارادها المشرع ان ترزح تحت وطأة توزيع المنافع والمكاسب والحصص.

خامسا – نظم توزيع المقاعد الانتخابية - الاختيار المقصود للنصوص القانونية الذي اعتمده المشرع العراقي والمتعلقة بتوزيع اصوات الناخبين على المقاعد الانتخابية في المنطقة الانتخابية المعنية، هي تلك النصوص الحاكمة التي انتجت الوجوه ذاتها والمتكررة لأكثر من دورة انتخابية والمعبأة والمتأقلمة والمستفيدة والحاضنة لموضوع المحاصصة والمتمسكة بالنصوص ذاتها التي اجلستهم في المقاعد النيابية، وكمثال لتلك النصوص نورده على سبيل المقال لا الحصر هو نص الفقرة رابعا من المادة 3 من القانون رقم 26 لسنة 2009 والتي تنص على: (تمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة التي حصلت على عدد من المقاعد بحسب ما حصلت عليه من الاصوات) هذا النص الذي جاء بأشخاص محدودي الاصوات اضيفت اليهم اصوات الاخرين الذين لم يتمكن مرشحوهم من الوصول الى قبة البرلمان، حتى ادركته المحكمة الاتحادية العليا بالحكم بعدم دستوريته بقرارها المرقم 12 / اتحادية / 2010 لمخالفته لنص الدستور، فضلا عن الاحتساب بطريقة هوندت، وسانت ليغو الممسوخ تشريعيا والتي افضت الى وجود برلمانيين غير مؤهلين للعمل التشريعي والعمل الرقابي داخل مجلس النواب، ولكنهم من جانب آخر حازوا على مؤهل آخر حمل وصف (السدنة)، فكانوا سدنة التحاصص فعلا.

لذا وبالمحصلة فان بقاء سريان تشريعات نظم الاقتراع السياسي هذه تعني تأصيل الانغلاق السياسي المانع من التغيير والمنتج للوجوه ذاتها الحاضنة لموضوع المحاصصة. وتبقى الدورات الانتخابية منتجة ومكررة للعملية السياسية ذاتها.

فضلا عن عدم وجود تعداد سكاني وعدم وضوح حدود المناطق الانتخابية خاصة المتنازع عليها وقانون استبدال اعضاء مجلس النواب وعدم اضافة النساء الفائزات بالانتخابات الى نسبة الكوتا النسائية وعدم دقة المعلومات عن أعداد العراقيين في المهجر، وعدم النص عل عد الاصوات في القانون وترك الامر لتعليمات المفوضية وتراخي الاجراءات العقابية في النزاعات الانتخابية

الا ان المشكلة تكمن في القوانين الانتخابية وسواها التي تعتمدها الدول التي تنهل لنصوصها القانونية من هذا المعين الواسع، اذ يعمد الماسكون للسلطة الى انتقاء الاحكام من هذا المعين بما يمكنهم من الوصول الى المقاعد التمثيلية والبقاء فيها وزيادتها من اجل اتباعهم ومريديهم. ومن خلال هذا الانتقاء تظهر الحكومات المستبدة او النفعية او المشوهة لإرادة الناخب، او المهمشة لمصالح الفئات المسحوقة وسواها من الحالات الاخرى.

السؤال – كيف اختار العراق نظم اقتراعه السياسي في الدورات الانتخابية الثلاث الاخيرة ؟ وهل لهذا الاختيار دخل في الوضع السياسي الذي نحن عليه ؟

يعد نظام التمثيل النسبي الاكثر شيوعا في العالم ويتمتع بايجابيات عديدة خاصة وأنه تمكن من معالجة السلبيات التي تضمنها نظام الاغلبية، وهو يعطي كل حزب عددا من المقاعد يتناسب وعدد الاصوات. ومعلوم ان هذا النظام يقترن فيه التصويت بالقائمة لأنه يتطلب فيه عددا من المقاعد الانتخابية في المنطقة الانتخابية وهو يرد بطريقة التمثيل النسبي الكامل او طريقة التمثيل النسبي التقريبي. ويرد انصار هذا النظام على من يقول ان هذا النظام يقيد حرية الناخب بالاقتصار على الاسماء الواردة في القائمة، بالقول كون هذا النظام يرد على المبادئ والبرامج السياسية.

التطبيق العراقي للتمثيل النسبي -ابتدأ فقد اعتمد المشرع العراقي نظام التمثيل النسبي المقترن بالقائمة، وهو النظام الاكثر شيوعا في العالم ويتمتع بإيجابيات عديدة ومعروفة الا ان إيجابياته تلك لم تستطع الغاء عيوبه التي منها: ان الناخبين مقيدون بقوائم الاحزاب او الكتل السياسية وبالتالي فان اختيار الناخب سيقتصر على الاسماء المحددة بالقائمة وهو ليس حرا في تشكيل بطاقة تصويته. وقد رد انصار التمثيل النسبي على هذا التقييد كون الانتخاب في هذا النظام يرد على المبادئ والبرامج السياسية للأحزاب، واذا كان هذا التبرير يصح في البلدان المتقدمة لكن لا وجود له في الحالة العراقية فلم نتلمس او نرى اية مبادئ او برامج سياسية للأحزاب او الكتل السياسية الكبيرة بل انها تدفع جاهدة بالاعتماد على اشخاص القائمة.

ويقال ايضا ان قوائم المرشحين – في هذا النظام – أن الاسماء تعدها اللجان المحلية للأحزاب او كما يقول البعض (" هيئة اركان الحزب " ضمن معايير القدم والانضباط الحزبي والحماس النضالي وبذلك يصعد للترشيح المحظيين على رأس القائمة، فالكوادر الحزبية ضمن المعايير تلك هي التي تصنع الانتخابات. فالناخب والحالة هذه يصوت الى مرشحي الحزب موضوع اختياره الفاقد لقابيلية تعديل تلك الاسماء في القائمة وكأننا والحالة هذه اقرب للقائمة المغلقة منه للقائمة المفتوحة ما دامت النتيجة التي تخلص اليها الانتخابات فوز القائمة وما الاشخاص الذين تضمنتهم القائمة فهم مجرد وسيلة لفوز القائمة . لذا يعد أشخاص المرشحين والحالة هذه مجرد موظفين في الحزب وليس ممثلين عن الشعب الذي تتطلبه النصوص التشريعية، وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح خلال الدورات الانتخابية الثلاثة المنصرمة.

عرض مقالات: