تدخل ثورة شعب السودان شهرها الثاني، وهي أكثر قوة وعنفوانا  واتساعا، وتزداد قوتها ومتانتها وسلميتها ووحدتها، مقابل تفكك وتراجع النظام الفاسد، وفي كل يوم تنضم لها مدن وفئات اجتماعية جديدة. فقد خرجت يوم الجمعة 11 /1 مظاهرات في أحياء الخرطوم المختلفة " بيت المال، ود نوباوي، الحلفايا ، الملازمين، الحاج يوسف ..الخ " ، إضافة للجيلي وربك، ودلقو المحس، وبارا..الخ. وتصدت لها أجهزة الأمن بالقمع المفرط باستخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع حتي في المساجد !!، واطلاق الرصاص الحي، وحملة الاعتقالات مع الضرب المبرح للمعتقلين، إضافة لخروج المصلين في مظاهرات من مسجد ود نوباوي، و مسجد عبد الحي يوسف في جبرة، رغم اعتراض عبد الحي علي الموكب، كما قصر إمام جامع في بحري خطبة الجمعة وختمها ب "تسقط بس"، ودعا المصلين للخروج في مظاهرة نصرة للحق وضد الظلم.

   وجاء موكب الرحيل الخامس الذي دعا له تحالف المعارضة السياسية والمهنية في الخرطوم بحري الذي خرج فيه الالاف تهدر في الشوارع كالسيول في عدة مواكب باغتت ترسانة النظام العسكرية الضخمة التي حشدتها في المحطة الوسطى بحري بعد أن أغلقت كل الشوارع المؤدية اليها ، لتخرج المواكب القوية من كل فج عميق من أحياء وأزقة وحواري المدينة ، استمرت المظاهرات لساعات ابدي فيها المتظاهرون بطولة وبسالة وشهامة نادرة هزت أجهزة النظام القمعية، وأعطت الجماهير الثقة في مواصلة المقاومة والمظاهرات، وتمهيد الطريق لإعلان الاضراب العام والعصيان المدني حتي اسقاط النظام.

  كما خرجت مواكب مطالبة بالرحيل في 7  مدن أخرى هي : الفاشر ونيالا ومدني والفاو والدويم وبورتسودان وأمري، والتي تعرضت للقمع المفرط  بالهراوات والغاز المسيل للدموع واطلاق الرصاص الحي ، إضافة لحملة اعتقالات واسعة لمتظاهرين وصحفيين.

 كما وجد الهجوم علي المستشفيات بالغاز المسيل للدموع استنكارا أدى لإضراب الأطباء  والصيادلة في بعض المدن ، وصعدت جمعية الجراحين مواجهتها للنظام .

 من الجانب الآخر رفضت الجماهير أكاذيب النظام بأن المظاهرات وراءها الشيوعيون والبعثيون ، ومؤامرة خارجية يقودها أبناء من دارفور، وكان الرد في مظاهرات عطبرة " يا العنصري المغرور .. كل البلد دارفور "، وجاءت مظاهرات نيالا والفاشر لتهتف " يا عطبرة الطيبة .. يا منجم الثورات.. كل البلاد أم در والشعب حي ما مات " ، لتؤكد وحدة وتنوع شعب السودان ورفض العنصرية .

   تعرض النظام لانتقادات وادانات واسعة كما حدث من منظمة العفو الدولية التي استنكرت مواجهة الحكومة لأكثر من 380 مظاهرة سلمية بإطلاق الرصاص الحي والذي أدي لاستشهاد أكثر من 45 شخص، كما أصدر أكثر من 45 حزب شيوعي واشتراكي وعمالي بيانا مشتركا أدان فيه قمع المظاهرات السلمية بالرصاص الحي وطالب بالإفراج عن كل المعتقلين السياسيين ، كما استنكرت دول الترويكا وكندا وأمريكا ايضا ضرب المتظاهرين السلميين.

  كان لضغط الرأي العام المحلي والعالمي أثره علي النظام الذي أعلن تكوين لجنة لتقصي الحقائق حول اطلاق النار علي المتظاهرين السلميين، ومداهمة  المستشفيات بالغاز المسيل للدموع، ونزع الحصانة عن الفاتح عز الدين لتقديمه لمحاكمة  في تصريحه بقطع الرؤوس، ولكن الجماهير لا تثق في النظام وأكاذيبه كما حدث في لجنة التقصي في شهداء سبتمبر 2013 ، إضافة للاستنكار والدليل العملي الذي جاء من تصريحات علي عثمان محمد طه والفاتح عز الدين بقتل المتظاهرين السلميين ، فلا يمكن أن يكون " حاميها حراميها" ، وكان رد الجماهير" يسقط .. بس ".

   كما بدأ يحدث تصدع  وتآكل أخر في جبهة حلفاء النظام مثل : استقالات شباب من المؤتمر الشعبي رفضا للمشاركة في نظام يقتل المتظاهرين السلميين ، والاستنكار الواسع وسط قواعد الاتحادي الديمقراطي الأصل لمشاركة حاتم السر في لقاء الساحة الخضراء في الوقت الذي يقتل فيه النظام المتظاهرين السلميين ، والاستقالات الفردية من البرلمان، واستنكار عدد من الاسلاميين لفساد النظام وقمعه بالرصاص الحي للتعبير السلمي في المظاهرات. مما يتطلب تشديد المقاومة وتوسيع دائرة المظاهرات والمزيد من محاصرة النظام حتي اسقاطه وقيام البديل الديمقراطي.

 إن ضمان نجاح ثورة شعب السودان في الظروف الإقليمية والعالمية غير المواتية  يكمن في خطها السلمي ووحدة قوى المعارضة السياسية والمهنية والمطلبية والمدنية وتوسيع قاعدة هذه القوي، بتمتين التحالفات القاعدية التي ترسخ التغيير الجذري وتصعيد المقاومة بمختلف الأشكال لجذب أوسع كتل جماهيرية للمظاهرات، واليقظة ضد مخطط السلطة  لشق قوي التحالف الواسع، ورفع المطالب وقضايا الجماهير في كل منطقة ومجال عمل ودراسة، إضافة لأهداف الثورة العامة، وخلق أوسع تضامن عالمي مع شعب السودان الذي ضرب مثلا في مواجهة ترسانة عسكرية ضخمة سلميا بثبات، وقدم تجربة سودانية فريدة في شعارات وأهازيج وأناشيد الثورة التي عبرت عن تقاليد شعب السودان البطولية والنضالية التي راكمها في ثوراته السابقة " المهدية – ثورة 1924 – ثورة الاستقلال 1956 – ثورة أكتوبر 1964 – انتفاضة أبريل 1985، تراكم المقاومة ضد هذا النظام الدموي الارهابي حتي انفجار الثورة الحالية "، وتصعيد المظاهرات في الأحياء والقرى  والمدن ومجالات العمل والدراسة حتي الانتفاضة الشعبية الشاملة والاضراب السياسي العام والعصيان المدني لإسقاط النظام وقيام البديل الديمقراطي الذي ينتزع فيه شعبنا الديمقراطية وإلغاء القوانين المقيد ة للحريات ووقف الحرب وعودة النازحين لقراهم ، وعقد المؤتمر الدستوري القومي الجامع، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية بدعم الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي ، وتوفير مجانية التعليم والعلاج ، ورد المظالم ، واستعادة ممتلكات وأراضي شعب السودان المنهوبة والمحاسبة، وتوفير العمل للعاطلين ، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة أو العرق، وتحسين علاقاتنا مع دول الجوار ، وأن يلعب السودان دوره في حفظ الأمن الإقليمي والعالمي بتصفية البلاد من أوكار الإرهاب ، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية التي لا تقل عن أربع سنوات.

 هذا هو البديل أمام أي محاولات لانقلاب عسكري، أو تسوية تطيل معاناة شعبنا، ولا تحل قضايا شعبنا الجوهرية التي قامت الثورة من أجلها.

عرض مقالات: