كتب "هيرالد نيوبيرت":"لقد أسس لينين الحزب البلشفي كحزب صفوه وكادر سري، من أجل الإعداد والعمل للاستيلاء على السلطة في روسيا. وهذا الهدف حدد هيكلة الحزب التنظيمية ووظائفه. ولم يتغير هذا الحال كثيرا، عندما اصبح الحزب حزبا حاكما علنيا وجماهيريا. ومع بلشفة  الأحزاب الشيوعية الشابة في الغرب ، التي مارستها الأممية الشيوعية ، اكتسب مفهوم الحزب هذا انتشارا عالميا".

 لقد كانت رؤية الحزب اللينيني في فترة ما بعد عام 1905 ، وهي مرحلة صعود ثوري، وجد خلالها الكثير من  العمال طريقهم إلى الحزب، جعلت العمل السياسي العلني ممكنًا ، الذي كان  مختلفا تمامًا عن مستحقات العمل السري والقمع، تنظيم ضيق و شديد المركزية  لثوار محترفين. في مقالته "حول إعادة تنظيم الحزب" لعام 1905 وفي القرارات الحزبية اللاحقة ، أصبح واضحًا لأول مرة أن مقاربة لينين لمسألة تنظيم الحزب لم تكن أبدًا مذهبًا عقائديًا ، بل كانت دائمًا ملموسة تاريخًا ، ومنطلقة من الشروط والمتطلبات موضوعية. ، وليس من حسابات شخصية.

في هذه المرحلة ، "رأى لينين بوضوح الحزب الشيوعي كحزب جماعي له هياكل فعالة ، ينظم شؤونه بطريقة ديمقراطية ، في تعاون فعال مع النقابات والمنظمات الجماهيرية الأخرى وربط وثيق بين العمل البرلماني والعمل خارج البرلمان. ان جوهر وجهة نظر لينين حول الحزب الماركسي الثوري ، تعكس ايضا تقديره "لقد جاءت الاجتماعية الديمقراطية  الألمانية الثورية، باعتبارها الأقرب إلى الحزب ، الذي تحتاجه البروليتاريا الثورية إلى الانتصار".

بعد عام 1905 ، كان البلاشفة يعملون في حزب العمال الاجتماعي الديمقراطي الروسي كحزب موحد يضم  عدة تيارات مختلفة ولا يهيمن عليه دائما البلاشفة. وفي هذا الوضع دعا لينين، بالتوافق مع مطالبة الكثير من اعضاء الحزب، العمال الى مؤتمر توحيد مع المناشفة. نعم ، لقد ذهب لينين بعيدا الى الموافقة على امكانية اجراء استفتاء عام لاعضاء الحزب عند اتخاذ قرار بشأن القضايا المهمة. ان هذا المفهوم للحزب يتطابق قليلا او كثيرا مع حزب اشتراكي مضاد للراسمالية، ومتعدد التيارات، كما هو اليوم حزب اليسار الالماني.

   كانت رؤية لينين للطابع ووظيفة الحزب الشيوعي واضحة  في قرار المؤتمر العاشر  للحزب  في عام 1921، والذي نص على مايلي:"الحزب الماركسي الثوري يرفض شكلا تنظيميا مطلقا وصحيحا تماما مناسبا لجميع مراحل العملية الثورية. وعلى العكس ، يتم تحديد شكل التنظيم وأساليب العمل بالكامل من خلال خصوصيات الوضع التاريخي الملموس والمهام المباشرة الناتجة عنه".  بعبارة اخرى لم يكن لينين يوما مع شكل واليات عمل تنظيمية ابدية صالحة لكل زمان ومكان. وبهذا الصدد يقول عضوا اللجنة التاريخية للحزب الشيوعي الألماني يودبيك وشتاينهاوس:"لفد تم ثبيت مصطلح "اللينينية" و "اللينيني" بشكل رئيس في زمن ستالين، كجزء من مساعيه لاعتبار نفسه خليفة لينين النظري. وهذه المصطحات كانت غطاء للتفسير الستاليني لارث لينين، ذلك التفسيرالذي اتسم بعيوب فاضحة كالشكلية والدوغمائية.". 

لينين والتعددية داخل الحزب 

للوهلة الأولى ، يبدو الأمر  كأنه متناقض، لان المؤتمر العاشر للحزب حظر الكتل داخل الحزب، بعد عام واحد فقط من تأكيد المؤتمر التاسع للحزب بشكل واضح على مقبولية وجودها. لكن هذا التغير في المسار التنظيمي الداخلي كان محصورا بوضع تاريخي خاص، فخلال هذه الأشهر ، كان التحالف مع الفلاحين في خطر شديد. وبهذا كان وجود الدولة السوفياتية حديثة التاسيس على المحك مباشرة. ولا أحد ينكر أن  وجود التعددية في حالات تصاعد الصراع  تضعف قدرة الحزب الثوري على التعامل مع احداث متسارعة. ولكن في عهد ستالين اكتسب هذا المبدأ ديمومة الصحة، وتحول الى حظر شامل للتعددية داخل الحزب.

وبهذا الخصوص يشير هانس كالت** في كتابه الرئيس "في ظل ستالين الطويل": " لقد كان لينين مقتنعا، بان في مراحل وضع استراتيجية ثورية واعدة داخل الحركة العمالية، فان النضال الاديولوجي للتيارات والمنابر والكتل مقبول وضروري. وبالضبط وعلى هذا الطريق طور لينين في اطار حزب العمال الروسي الاجتماعي الديمقراطي، جناح البلاشفة الى حزب شيوعي. أولئك الذين  يشبهون ستالين فقط، افترضوا عدم ضرورة  المزيد من المناقشات حول المتغيرات الاستراتيجية لمسارات المستقبل ، بل  شددو فقط على تجميع  كل القوى لفرض البديل الذي تم اختياره مرة واحدة في السابق والى الابد ،وعلى هذا الاساس تم تأكيد ابدية حظر الكتل الذي فرضه لينين في الوضع حرج جدا". وبالتالي لم يرفع هذا الحظر في الاحزاب الشيوعية الأوربية التي تبنت طريق التجديد، الا في اواخر ثمانينيات القرن العشرين.

الانضباط الحزبي - النظام الداخلي – والتحفظات السياسية

في كتابه" مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية" الصادر  في عام 1920 ، يطرح لينين مقولة جوهرية بشان اشكالية الالتزام بالقرار الحزبي ويطرح السؤال التالي: ": بم يوطد انضباط حزب البروليتاريا الثوري؟ وبم يجري امتحانه؟ وبم يدعم؟ أولاً، بوعي الطليعة البروليتارية ووفائها للثورة وبثباتها ورباطة جأشها وبطولتها وروح التضحية بالذات عندها. وثانيا، ياستطاعتها الترابط والتقارب، وإذا شئتم الاندماج لحد ما، مع أوسع جماهير الكادحين، وفي المقام الأول مع جماهير البروليتاريا، وكذلك مع الجماهير الكادحة غير البروليتارية. وثالثاً، بصواب القيادة السياسية التي تقوم بها هذه الطليعة، وبصحة استراتيجيتها وتكتيكها السياسيين، شرط أن تقتنع أوسع الجماهير الكادحة بهذه الصحة بتجربتها الخاصة. وبدون هذه الشروط لا يمكن تحقيق الانضباط في حزب ثوري كفء حقا ليكون حزب الطبقة المتقدمة المدعوة إلى إسقاط البرجوازية وتحويل المجتمع كله وبدون هذه الشروط تتحول محاولات توفير الانضباط ولا مناص إلى هراء وطنطنة وهذر. ومن جهة أخرى لا يمكن أن تنبثق هذه الشروط فجأة. فهي لا تحصل إلاّ بنتيجة كدح طويل وتجارب شاقة؛ ومما يسهل توفيرها هو النظرية الثورية الصحيحة، التي هي بدورها ليست عقيدة جامدة، ولا تتشكل نهائيا إلاّ بالترابط الوثيق مع نشاط حركة جماهيرية حقاً وثورية حقاً".

*-اعدت هذه المادة عن مقالة بقلم رودي كريستيان من الحزب الشيوعي الالماني

**- هيرالد نيوبيرت: 1932 – 2009 مديراً لمعهد الحركة العمالية في أكاديمية العلوم الاجتماعية في اللجنة المركزية للحزب الاشتركي الالماني الموحد، لاحقا  عضو لجنة السياسات لحزب اليسار الالماني، وعمل في قضايا السلام والسياسة العالمية.

***هانس كالت: (1922 - 2009) عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النمساوي، ورئيس تحرير جريدته المركزية، وخبير اقتصادي

عرض مقالات: