حول ما يجري اليوم بين الكتل السياسية المتصارعة على السلطة ، لتحقيق المكاسب على حساب الأخر ، لتشكيل الكتلة الأكبر والدفع برئيس الوزراء القادم من كتلتهم ، لإدارة البلاد لأربع سنوات قادمة !..
هذا إذا قدر للقوى السياسية ( المتقاطعة ! ) بأن تُسَيٍر الأُمور على علاتها وتمسك العصى من المنتصف !..
بالرغم من الشك في صعوبة أن تسير الأُمور بما يشتهون وبخط بياني واضح ، أعتقد بأن هناك معوقات كثيرة ، وسيعتري هذه المسيرة فيض من العراقيل والموانع ، ووضع العصي في عجلة هذه المسيرة ، المتعثرة أصلا .
الاتفاق بين الفتح وسائرون يسير في شد وجذب !..
والغاية من كل هذي التجاذبات وما استغرقته من وقت وجهد ، وما تخفي وراءه ( كتلة الفتح ! ) لتضمن حصولها على وزارة او وزارتين بما فيها الداخلية !.. وهي وجهة نظر ليس إلا، وهذه من استحقاقات المحاصصة المقيتة وسلوك للنظام القائم المبني على المحاصصة !..
هذه التجاذبات التي تعودنا عليها أثناء تشكيل الحكومات التي تعاقبت على العراق بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2003 م ، والمشاورات المكوكية والخلافات حول شكل الحكومة ، فهي جميعها لا ترقى الى مستوى التحالف والتوافق ، ولأسباب كثيرة ، كون التقاطعات غير قليلة بين أطراف تحالف البناء من جهة ، وتحالف الإعمار والإصلاح من جهة أخرى ، وبين السيد مقتدى الصدر وتقاطعه مع بعض أطراف البناء ، ونعتقد بأن هذا المزمع قيامه ليس بتحالف طويل الأمد ، بمعنى ،أنها لا تعدوا كونها تفاهمات تكتيكية للمرحلة القادمة ، لتشكيل الكتلة الأكبر على أقل تقدير .
ونتيجة للتقاطعات بين دولة القانون وحلفائهم من جهة ، وبين التيار الصدري من الجانب الأخر خلافات ، وهي عصية على الحل في الوقت الحاضر على أقل تقدير ، ولهذا السبب ولغيره ، وبعد أن فقدوا منصب رئيس الوزراء للفترة القادمة ( دولة القانون وحزب الدعوة ! ) أو هكذا أعتقد ، وبعد أن استحوذوا على منصب رئيس مجلس الوزراء لثلاث دورات انتخابية ، وعلى امتداد اثنتا عشرة سنة متواصلة ، وقد فشلوا في إدارة البلاد فشلا ذريعا وصادما ، وما حل في العراق وشعبه من دمار وموت وخراب وتهجير وغير ذلك ، فأعتقد بأنهم ذاهبون للإبحار في مركب مهزوز ومتهالك ، وسط بحر هائج ، تلاطمه الريح والأمواج العاتية ، والأيام ستكشف الكثير من المستور في الغرف المظلمة وما وراء الكواليس !..
جميع التفاهمات القائمة والتي تجري على قدم وساق اليوم أو ستجري مستقبلا ، فهي تجاذبات وحوارات طرشان !.. ولا ترقى الى تحالفات تقوم على قواعد رصينة وثابتة ، من شأنها أن تنتج عملية سياسية ناضجة ، وتلبي طموح السواد الأعظم من الناس .
فجميع هذه المشاورات والمباحثات ، من أجل المباحثات !.. وهي مضيعة للجهد والوقت ، وذلك نتيجة عدم الانسجام بين الأطراف المتحاورة ، وغياب الثقة المتبادلة ، وغياب المصلحة المشترك والتفكير المشترك بالشعب والوطن ، وجميع الأطراف تجدها متحركة يمينا وشمالا ، شرقا وغربا ، حركتها أشبه بالرمال المتحركة تذروها الرياح ، وما يؤثر عليها من عوامل داخلية وإقليمية ودولية ، لتغير المسار والخيارات حسب أهواء هذه الدولة أو تلك الجهة ، والذي تسبب في تأخير تشكيل الحكومة كل هذه الفترة الطويلة .
في كل الأحوال ومع شديد الأسف ، ليس هناك في الأفق ما يشير الى تحول نوعي في فكر وفلسفة القوى المؤثرة والفاعلة في المشهد السياسي العراقي، وبما يشير الى بروز شذرات وأمال بسطوع الضوء في أخر النفق ، والذهاب نحو عملية متكاملة ، لبناء نظام مختلف عما سبقه ( نظام المحاصصة والطائفية السياسية والعرقية ) وليتبلور نهج مختلف لبناء الدولة الناجحة .
فأغلب هذه القوى المتصارعة ، ما زالت تدور في نفس الدائرة المغلقة ، بالرغم من محاولات تضليل وخداع الجماهير ، بتسويقهم شيء مختلف وبعيد عن الحقيقة لهذه الملايين من الناس ، بارتدائهم عباءة التغيير والبناء والمدنية والتحضر !!.. لكن الحقيقة تقول عكس ذلك [ ما زاد حنون في الإسلام خردلة !.. ولا النصارى لهم شغل بحنون ] .
هناك فرص عديدة لوضع العراق على السكة الصحيحة !..
بأن تقوم سائرون وحلفائهم في هذا الائتلاف ، بالاتفاق مع الوطنية وقسم من جناح العبادي والقوى الكردية ، ومن ينضوي معهم في هذا التحالف ، ووفق برنامج عمل واضح المعالم في جوهره وفحواه ، يقوم هذا الائتلاف على العراق أولا ، بعيد عن المحاصصة والطائفية السياسية والعرقية والتمييز والمحسوبية ، وتكليف رئيس وزراء جديد ، من الأكفاء والنزيهين والوطنيين ، لقيام حكومة إعمار وخدمات ، والتصدي لحيتان الفساد وللجريمة المنظمة وتجار السلاح والمخدرات ، والعمل لحل الميليشيات العابثة بأمن الناس والمروعة لهم ، وحصر السلاح بيد المؤسسة الأمنية ، بعد إجراء إصلاح شامل لهذه المؤسسة وعلى أساس المهنية والوطنية والاستقلالية وعدم التحزب ، وتكريس مبدأ الوطنية والمواطنة في العراق الواحد ، في نظام اتحادي ديمقراطي علماني واحد ومستقل .
وهي الخطوة الأولى والمهمة للسير قدما في الاتجاه الصحيح ، لوضع العراق على السكة السليمة ، وكل حديث خارج هذا الإطار، فهو لغو لفضي وتجميل للوجه القبيح للنظام القائم منذ عقد ونصف !..
والخيار الأخر إذا لم يجري العمل بهذا الاتجاه ، وهو أهون الشرين ( التناحر والذهاب الى المجهول ، أو العودة الى المربع الأول ، المحاصصة والفساد والطائفية والتمييز والعنصرية ومصادرة الحقوق والحريات ! ) !..
الخيار الأخر هو حكومة طوارئ وإيقاف العمل بالدستور وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، تأخذ على عاتقها إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية ، وإعادة النظر بالدستور والقيام بتوفير الخدمات والبدء بدوران عجلة الاقتصاد ، عندها تدور الحياة دورتها ويتحقق الأمن والسلام والتعايش ، وتحديد فترة انتقالية لإنجاز هذه المهام ، وخلال أربع سنوات على سبيل المثال ، وبعدها تجري انتخابات عامة وديمقراطية ونزيهة .
أما موقف القوى الكردية ، ومن خلال ما أفرزته الحياة السياسية على امتداد السنوات الخمس عشرة الماضية ، وموقفها وما سارت عليه ، فلا فرق عندهم !..
ليأتي من يأتي ( من الراديكالي المتدين السلفي !.. مرورا باليمين ويمين الوسط !.. او حتى لو قيظ لليسار ان يتصدر إدارة البلد وهذا بعيد جدا عن الواقع ، في ظل هكذا ظروف والعداء المرير من قبل المتنفذين من قوى أحزاب الإسلام السياسي المعادين للديمقراطية وللمرأة وللحريات وللحقوق .
القوى الكردية ، لا فرق عندها من الذي سيتربع على كرسي السلطة من هذه القوى ، فالجميع عندهم سواء ( لا فرق بين عامر وعمران ، وكل من يأخذ أمي ينادوه عمي ) الشيء المهم عندهم ، المحافظة على ما كسبوه بعد عام ٢٠٠٣ م ، وأعتقد بأنه موقف صحيح بمبدأ الربح والخسارة .
وما حصلوا عليه من مكاسب بعد إسقاط النظام المقبور ، فهو غير قليل ، وهو حق مشروع من وجهة نظري ، فهم اليوم يتمتعون بحكم شبه كونفدرالي لإقليم كردستان العراق ، وبعيد عن الصراع العراقي بين القوى السياسية ، او العراقي الإقليمي والدولي ، وهذه حقيقة عاشها العراق من فترة ما بعد الاحتلال في ٢٠٠٣ م وحتى اليوم .
وتحقق لهم نتيجة ذلك ، الأمن والاستقرار النسبي وهو مكسب كبير، والغائب عن الوسط والجنوب ، فهم لا يريدون إقحام أنفسهم في هذا الصراع العقيم والطائفي والصراع بين المناطق ، وبعيدين بعض الشيء عما تعرض اليه العراق من حروب ودمار ، فهم لا يريدون أكثر من ذلك !..
ولو خيروا بين الاستقلال والبقاء في العراق الفدرالي ؟..
سيختارون البقاء مع العراق الواحد ، لأنهم يدركون وبشكل قاطع ، بأن وضعهم الداخلي لا يساعد في خلق رؤيا واضحة وموحدة لدى الشارع الكردي ، ولا يملكون القدرة على جمع القوى والشرائح السياسية والمجتمعية لرسم سياسة مغايرة لإرادة القوى الدولية والإقليمية ، ولم يتمكن المتحكمين بالقرار الكردي الى الوصول الى قواسم مشتركة لتحقيق هدفهم التاريخي لتقرير المصير !..
والحياة هي من يتحدث عن تلك الحقيقة ، والتجربة الكردية من عام ١٩٩٤ م وحتى يومنا ، لم تتمكن القوى الكردية من قيام حكومة موحدة فعليا على أرض الواقع في الإقليم ، والصراع على السلطة وما نتج عنه من تشظي وانقسام وما نتج من ضحايا ، ناهيك عن الوضع الإقليمي والدولي الممانع لمبدأ تقرير المصير !..
وهناك عداء مستحكم من دول جوار الإقليم ، والتعصب القومي ، والتي تغذيه هذه الأنظمة المعادية للديمقراطية ، والسياسات العنصرية التي تمارسها هذه الأنظمة المعادية لحق تقرير المصير للشعوب في المحيط الإقليمي ، والأنظمة الرجعية القائمة في العالم العربي ، وحتى الأنظمة المتعاقبة في العراق ، والنظام القائم اليوم ، وأغلب القوى السياسية العراقية الممسكة بالقرار ، والتي تتحكم بمصير العراق ، فهي ما زالت بعيدة في رؤيتها لهذا الحق المشروع ، ولا تقر بحق الكرد في تقرير المصير .
والأفضل والأصوب للقوى الكردية وللشعب الكردي في العراق خاصة ، وللعراقيين بشكل عام ، بأن يعود الكرد الى موقعهم الطبيعي والمهم ، كونهم مكون رئيس وأساسي وفاعل ومؤثر في الحياة العراقية بكل مفاصلها .
وهذا يَصْب في صالح الجميع ، ويساهم في إنقاذ العراق من التمزق والتشرذم ، ويساهم بخلق بيئة مناسبة لعملية التغيير ، ولصنع السلام والتعايش وقيام دولة ديمقراطية وطنية علمانية اتحادية قابلة للحياة ، ولتحقيق التنمية ولإرساء مبدأ العدل والمساواة ، وتحقيق الأمن والسلام والتعايش بين الجميع .