في التاسع من أيار العام 1945، دكت جحافل الجيش الأحمر السوفيتي ومعها عشرات الآلاف من متطوعي المقاومة، ومن الشيوعيين والديمقراطيين، وبدعم كل الشعوب المحبة للحرية والسلام، معاقل الوحش النازي في المانيا، فقضت عليه ورفعت راية العمال والفلاحين الحمراء فوق مبنى الرايخشتاغ في برلين، مؤذنة بانبلاج فجر جديد للبشرية، كان من أبرز معالمه تحرر شعوب كاملة في العالم من رتق العبودية والاستغلال الرأسمالي، وخلاص الملايين من نير الاستعمار، وانتصار حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ونجاح العديد من الحكومات في انتهاج سياسات تنموية تخدم تقدم شعوبها وحماية ثرواتها الوطنية، إلى جانب المكانة المتميزة التي تبوأتها حركات السلام والدفاع عن حقوق الانسان ولاسيما حقه في الحياة الكريمة.

ولم يكن ليتحقق هذا النصر، وما أفضى إليه من تغيرات كبيرة لصالح القيم الإنسانية وضد الرأسمالية المتوحشة، لولا التضحيات الكبيرة التي قدمتها البشرية، والتي فاقت 52 مليون قتيل وملايين الجرحى وتخريب هائل لكبريات المدن والمزارع والمصانع والمستشفيات ومؤسسات التعليم وغيرها. وجاء في مقدمة الشعوب التي قدمت التضحيات، شعوب الاتحاد السوفيتي، وريثة ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، التي قدمت بقيادة حزبها الشيوعي أكثر من 20 مليون قتيل و17 مليون معوق و32 ألف منشأة صناعية مدمرة وغير ذلك الكثير، مما يسجل لها مأثرة خالدة تستحق الوفاء دوماً، مهما حاولت القوى الرجعية والإمبريالية تزوير حقائق التاريخ.

واليوم، إذ تحتفل كل قوى الخير والحرية بالذكرى الثمانين للانتصار على الفاشية، وتنحني إجلالاً لتلك التضحيات الغوالي، يراقب العالم النمو السريع لليمين الرجعي الاستبدادي وللقوى الفاشية، في ظل اشتداد الأزمة البنيوية للدول الرأسمالية المتطورة، وبدعم وتكافل الليبرالية الجديدة المتناغم مع تخلي البرجوازية عن ادعاءاتها الكاذبة في الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان، وتحويلها مؤسسات الدولة، كالبرلمان والقضاء، إلى سوق مقايضات ومساومات. فيشتد القلق من السياسات التي يتبعها هذا اليمين المتطرف، لاسيما في تأجيج سباق التسلح وإشعال الحروب وحروب الإنابة، والنهب العلني الوقح لخيرات الشعوب النامية، والاستهتار بالقانون والشرعية الدولية وتطويعهما لصالح خططه العدوانية، والتبني الصارخ لكل الافكار العنصرية والسعي لإضفاء قدسية عليها، والهجوم على مكتسبات دولة الرفاه وما انتزعته الشعوب من حقوقها في العدالة والحرية والعيش الكريم.

إننا، في الوقت الذي نحتفل فيه بهذا العيد الانساني الكبير ونشاطر العالم قلقه من عودة الفاشية ونحمّل الإمبريالية مسؤولية هذا الخطر، ندعو للتمعن في الاشتراطات التي أفضت إلى الانتصار، وفي مقدمتها الدفاع عن حرية واستقلال الوطن، وتوحيد قوى الحرية والسلام وتغليب خلافها الرئيسي مع المستعبدين والمستغِلين على خلافاتها الثانوية، ورفض أي شكل للتعايش مع الاستبداد، وعدم التهاون مع أي انتهاك للحريات مهما كان مصدره وشكله ومستواه، والدفاع الحازم عن الترابط الوثيق بين الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية، وتبني مصالح شغيلة اليد والفكر، وتعبئتها في النضال باعتبارها عماد التغيير الشامل نحو عراق ديمقراطي حر ومزدهر.

كما يسعدنا في هذه الذكرى، أن نستذكر الدور المشرف لشعبنا وقواه الوطنية وفي المقدمة منها حزبنا الشيوعي العراقي، في دعم نضال البشرية ضد النازية والفاشية حينئذٍ، هذا النضال الذي تواصل بعد النصر من أجل الخلاص من الاستعمار، وتحقيق الاستقلالين السياسي والاقتصادي وبناء دولة الحرية والعدالة الاجتماعية.

ليبقَ عيد التاسع من أيار مشرقاً وبهّياً، وصرخة تشلّ الفاشيين كافة.