بغداد- طريق الشعب

عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي يومي ٤ – ٥ تموز ٢٠٢٤ في بغداد اجتماعها الاعتيادي الكامل.

بدأ الاجتماع أعماله بالوقوف دقيقة صمت تكريماً للرفاق والأصدقاء الذين رحلوا عنا خلال الفترة الماضية، واكراماً للشهداء والضحايا من أبناء شعبنا الفلسطيني. كما استذكر المجتمعون باعتزاز حركة الشهيد حسن سريع ورفاقه في انتفاضة 3 تموز 1963 الباسلة، مشيدا بما اجترحوا من مآثر وقدموا من تضحيات جسام.

ناقش الاجتماع، باستفاضة، التطورات الجارية في العراق والمنطقة، وانعكاساتها على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وأكد المجتمعون، أن بلدنا يواجه أزماتٍ وصعوبات تتعقد مع مرور الوقت، وأن القوى السياسية الماسكة بالحكم والمهيمنة عليه تُظهر عجزاً واضحاً في تقديم الحلول والمعالجات الجذرية، نتيجة تشبثها بمنهج فاشل في إدارة الدولة ومؤسساتها- منهج المحاصصة سيئ الصيت، الذي تُقسّم وفقه السلطة والثروة بين أقلية حاكمة – أولغارشية، موغلة بالفساد، تستميت للحفاظ على سلطتها السياسية ومصالحها ونفوذها بأثمانٍ باهظة يدفعها العراقيون، على اختلاف انتماءاتهم. هذا الفشل المتراكم أدى إلى إضعاف مؤسسات الدولة، وتسيّد المصالح الضيقة، وتماهي الحدود بين السلطات، على حساب إنفاذ القانون والدستور، الذي صار يُفسر وفق أهواء سياسية واضحة.

ودرس الاجتماع التوجهات الاقتصادية والاجتماعية لقوى السلطة، تلك التوجهات، التي بدأت تظهر نتائجها المتوقعة سريعا، ومنها اتساع الفرز الطبقي والاجتماعي، والنمو المتسارع للعلاقات الرأسمالية، في ظل تطور رأسمالي تابع ومشوّه واقتصاد سوق منفلت، وتكريس هيمنة الأقلية الحاكمة على الحياة الاقتصادية وتحكمها بثروات البلاد، في مقابل أغلبية ساحقة منهكة من ظروف المعيشة البائسة والفقر والبطالة، جراء تداعيات الأزمات وسوء الخدمات الأساسية. ويتضح ذلك بشكل جلي في الميل إلى رفع يد الدولة عن قطاعات أساسية وإطلاق العنان للخصخصة، ووقف الدعم للعديد من المجالات الخدمية والإنتاجية.

وأكد الاجتماع أن مظاهر تفشي الفساد والسلاح المنفلت، التي رافقت منهج المحاصصة، صارت تتنامى بشكل خطر، وتتمدد على حساب الدولة والقانون، وتأخذ اشكالا وصيغا مختلفة بعدما تفشت في مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، ووجدت للأسف طريقها إلى المجتمع.

واعتبر المجتمعون أن التصدي لتلك الظواهر التي تهدد بناء الدولة، يحتاج إلى حملة وطنية شاملة. وبدءا يتوجب الاّ تُسيّس أية إجراءات لملاحقتها، وان لا تعرقل تحت أية ذريعة، وأن يلاحق الفاسدون، أيا كانت قومياتهم وطوائفهم وأديانهم وتوجهاتهم السياسية ومواقعهم السياسية والوظيفية في الدولة. وان التصدي الناجع للظاهرة يتطلب التوقف عند عوامل وأسباب انتشارها وتفشيها، وتعرية من يقف وراءها ويديمها، وهو ما يوجب ان تكون له الأولوية من أجل الحد منها وإنقاذ بلدنا من هذه الآفة.

ورأى الاجتماع أن أحد تداعيات الفساد المتنامي قد تجلى في أزمة الكهرباء، التي صارت مفتوحة بلا حدود زمنية، في ظل النكوص عن كل الوعود الحكومية السابقة والحالية. ويؤكد حزبنا الشيوعي أن حل هذه الأزمة ليس مستحيلاً، إنما يتطلب إرادة سياسية حقيقية تنظر إلى معاناة الشعب قبل الاستعراض الإعلامي ومحاولة الكسب السياسي من قبل المسؤولين. كما أن جميع الحلول ستظل معلقة ويصعب تنفيذها إذا استمرت قوى المحاصصة ومافيات الفساد في إدامة هذه الأزمة، مراعاةً لمصالحها ومصالح رعاتها الخارجيين ولزيادة سرقاتها.

وتوقف الاجتماع مليّاً، عند الإجراءات والقرارات والتشريعات التي تُضيّق على الحريات العامة وحق التعبير عن الآراء والمواقف السياسية والفكرية وغيرها من الحقوق والحريات التي نصّ عليها الدستور. كذلك تقييد مجالات عمل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية. وحذر المجتمعون من خطورة استمرار تلك الممارسات الممنهجة على أفق بناء الديمقراطية في العراق واستقرار البلد ورفاه الشعب، معبرين عن ادانتهم لجميع الممارسات القمعية، خاصة تلك التي تستهدف التجمعات الاحتجاجية والمطلبية في مختلف مدن البلاد.

ودعا الاجتماع جميع القوى المؤمنة بالعمل من أجل الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، إلى التضامن والتكاتف من أجل إيقاف الهجوم على مساحة الحريات التي تضيق يوماً بعد آخر.

وأشّر الاجتماع تصاعداً في مستوى التدخلات الخارجية من دون مواقف جادة لحفظ استقلال البلد وسيادته وقراره الوطني المستقل، وبقاء الحديث عن إخراج كافة القوات الأجنبية الموجودة على الأراضي العراقية، مجرد شعارات تطرح للضغط على هذا الطرف وذاك.

وشدد اجتماع اللجنة المركزية، على أن حقيقة الأوضاع السلبية الراهنة تحفز باستمرار عناصر الرفض والمعارضة، والتي وإن تكاد لا تُذكر في مجلس النواب حاليا بفعل تركيبته الراهنة والتخادم المحاصصاتي فيه، فإنها تبقى ماثلة في المجتمع، تكبر وتتسع وتظل بحاجة إلى تعاون وتنسيق ووضوح في المنهج والرؤى والأهداف، وصولا إلى بناء اصطفاف واسع، جماهيري وسياسي من مختلف القوى والشخصيات الوطنية، الحريصة على إنقاذ الوطن ودحر منهج المحاصصة والطائفية والفساد،  وفرض إرادة التغيير والسير إلى امام، نحو بناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقّة والعدالة الاجتماعية.

كما توقف الاجتماع عند قرار مجلس النواب الشهر الماضي بالمصادقة على قانون العطلات الرسمية الذي قدمت الحكومة مشروعه، وعدم إدراج ثورة 14 تموز 1958 المجيدة ضمنها وتجاهل هذا اليوم الوطني الكبير، وهو ما لاقى غضبا واستنكارا واسعين في أوساط شعبنا وقواه الوطنية.

وأكد المجتمعون، ضرورة الضغط والعمل بمختلف الاشكال الجماهيرية والقانونية والدستورية لتصحيح هذا الخطأ المجحف لتظل هذه الثورة مثلا ملهما لتحقيق المنجزات الحقيقية لشعبنا، لعماله وفلاحيه وكادحيه، ومختلف فئاته وأطيافه.

 ودعا الاجتماع إلى إحياء ذكرى هذه الثورة المجيدة التي تحل بعد أيام، بفعاليات كبيرة ومتنوعة لتبقى راسخة في ضمير ووجدان ملايين العراقيين.

وأكد المجتمعون، أن الحزب الشيوعي لا ينتقد مظاهر الأزمة العامة في البلد وتفرعاتها، بل هو ايضاً يقدم المقترحات لمعالجتها والحد من تداعياتها على المواطنين، في بياناته الرسمية والدراسات التي يقدمها عبر صحافته والوسائل الإعلامية المتاحة.

وفي شأن التطورات الإقليمية والدولية، أكدت قيادة الحزب الشيوعي العراقي الموقف الثابت من القضية الفلسطينية، وجددت تضامن الشيوعيين العراقيين مع الشعب الفلسطيني في نضاله العادل وتصديه البطولي لعدوان الاحتلال الصهيوني الغاشم، ومن أجل نيل حقوقه المشروعة وفي مقدمتها إقامة دولته الوطنية المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس.

وحيّا الحزب الموقف الشجاع لجنوب إفريقيا والدعوى التي قدمتها إلى محكمة العدل الدولية، مشددا على ضرورة تنفيذ قرارات المحكمة لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.

كما جدّد الاجتماع تضامن ودعم الحزب الشيوعي العراقي للحزب الشيوعي والوطنيين والديمقراطيين في السودان، مؤكدا وقوفه الثابت معهم من أجل بديل مدني ديمقراطي، وحكم يمثل إرادة الشعب في السلام والديمقراطية الحقة والحياة الحرة الكريمة. كما جدد موقفه المعلن من الحرب الروسية – الأوكرانية والمطالبة بوقفها فورا، والعودة، إلى طاولة الحوار والمفاوضات.

وعلى صعيد النشاط الحزبي، تداول المجتمعون تقارير ضافية عن عمل الحزب وأداء هيئاته القيادية ولجان الاختصاص ومحليات الحزب ونشاط منظماته في داخل الوطن وخارجه.

وناقش الاجتماع ما تحقق خلال الفترة الماضية، وأوْلى اهتماما كبيرا لتحسين العمل القيادي والارتقاء به على مختلف المستويات، والتوجه المبرمج والمخطط لمعالجة الثغرات والنواقص، وتكثيف العمل لبناء منظمات حزبية فاعلة ومتماسكة، ولصيقة بالجماهير وهمومها، ومؤهلة للدفاع عن مصالحها وحقوقها ودعم نضالاتها المطلبية والاحتجاجية.

واتخذ الاجتماع جملة من القرارات التي من شأنها الارتقاء بعمل الحزب ودوره في الحياة السياسية، وتقوية التنظيم الحزبي ونشاطه ومبادراته على الصعيد الجماهيري، وتبني مطالب المواطنين وتعبئتهم للدفاع عنها، وإيلاء اهتمام خاص للنضال من أجل حقوق المرأة، وإنهاء كل اشكال العنف والتمييز ضدها. 

ودرست اللجنة المركزية تقريرا مفصلا عن الوضع الإداري والمالي للحزب، وأكدت ضرورة بذل الجهود وإطلاق مختلف المبادرات والفعاليات لدعم ماليته. وفي هذا الشأن جرى تثمين المساهمات والتبرعات السخية للرفاق والأصدقاء والمواطنين دعما لحملة الحزب الوطنية الرامية إلى بناء مقره المركزي في بغداد. وأقر الاجتماع إطلاق الحملة الثانية من جمع التبرعات وصولا إلى اكتمال بناء بيت الشيوعيين.. بيت العراقيين.

وختم الاجتماع الذي دام يومين، بالتأكيد على دور الحزب الشيوعي في الدفاع عن مصالح العمال والكادحين والفلاحين والمثقفين وسائر بنات وأبناء شعبنا من شغيلة اليد والفكر، مع التشديد على دور الشباب والنساء ومساهمتهم الفعالة في بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية في عراق حر مزدهر، كامل السيادة ويمتلك قراره الوطني المستقل.