تحل اليوم، التاسع من نيسان، الذكرى الحادية والعشرون لانهيار أعتى دكتاتورية عرفها العراق والمنطقة خلال عقود. ويظل هذا اليوم محاطا باللبس والنظرة إليه موضع جدل، لأن التغيير جاء عبر الحرب والاحتلال. وقد انعكست هذه الطبيعة المزدوجة لما حصل في الموقف الشعبي، إذ لم يستقبل شعبنا القوات الغازية التي اجتاحت بلادنا بالورود، فيما عبرت عن فرحتها الغامرة بزوال الحكم الاستبدادي.

إن شعبنا يستذكر هذا اليوم الفارق في تاريخ الدولة العراقية الحديثة وفي النظام السياسي للبلاد، بمشاعر تطغي عليها خيبة الأمل، كما تسلل الإحباط في نفوس الكثيرين، فلم يأت سقوط النظام الدكتاتوري بالبديل الوطني الديمقراطي الحقيقي الذي كان يعول عليه لتحقيق أمل شعبنا وما يتطلع إليه.

فحصيلة العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والأثنية التي انطلقت بعد التغيير في ظل الاحتلال، والتي هدفها انجاز عملية الانتقال من دولة يحكمها نظام دكتاتوري شمولي  إلى دولة دستورية ديمقراطية اتحادية، قيام نظام سياسي يعاني من أزمة بنيوية تتجلى في الطبيعة الزبائنية المتضخمة للدولة بفعل التعامل معها كغنيمة تتقاسمها قوى المحاصصة واستشراء الفساد في مفاصلها والفشل في تقديم الخدمات الأساسية وحماية استقلالية القرار الوطني وسيادة العراق من التدخلات الخارجية، والابتعاد عن مبدأ المواطنة والهوية العراقية، إلى جانب تكريس الطابع الريعي الاستهلاكي للاقتصاد العراقي وتعميق التفاوت في الدخل والثروة في المجتمع وظهور القلة من أصحاب  الثروات الطائلة بجوار الفقر الذي اتسع ليشمل ما بين ربع وثلث سكان العراق.

فهل كان هذا المسار لتطور الأوضاع خلال العقدين الأخيرين محتمًا نتيجة طريقة التغيير وآثار وتداعيات الاحتلال، أم أنه جاء كنتيجة لخيارات ومواقف ونهج قوى الطائفية السياسية التي تصدرت قيادة العملية السياسية؟

وفي سياق التعامل مع هذه التساؤلات واستخلاص الاستنتاجات لتحديد مسارات المستقبل لانتشال العراق من أزماته ووضعه على سكة الحلول الجذرية المفضية إلى بناء دولة مواطنة، مدنية ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية، نذكر بمواقف حزبنا وتحذيراته من التعويل على التدخل الخارجي والحرب في عملية التغيير، ومواقفه اللاحقة بعد التغيير.

إن حزبنا كان يعي جيدا مخاطر التعويل على الحرب والعامل الخارجي في التغيير، فقد رفض الحرب وساهم في حركات الاحتجاج العالمية ضد الحرب تحت شعار الحركة العالمية ضد الحرب" لا للحرب.. لا للدكتاتورية".

وحذر بوضوح قبل الحرب كما جاء في التقرير الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية في شباط 2002، بأن للحرب تداعيات ونتائج وخيمة على أوضاع البلد وحياة الشعب، ولا تأتي بالديمقراطية الحقيقية، ودعونا إلى وحدة عمل القوى المعارضة للدكتاتورية والتأكيد على العامل الداخلي مع حشد الدعم والتضامن العالميين لنضالنا. ونرى في التطورات الني شهدها بلدنا خلال العقدين الأخيرين ما يؤكد إلى حد كبير صحة هذه التقديرات والمواقف.

لقد وضعت الحرب ونتائجها، والحقائق الجديدة بعد ٩ نيسان ٢٠٠٣، شعبنا وقواه وأحزابه الوطنية ومنها حزبنا الشيوعي العراقي أمام مهام يتلازم فيها الوطني مع الديمقراطي، والسياسي مع الاجتماعي، أي إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة، وإعادة بناء الدولة العراقية على أسس دستورية ديمقراطية اتحادية، وتحقيق تنمية اقتصادية – اجتماعية، وضمان تحقيق الحياة الحرة الكريمة الآمنة للمواطنين العراقيين.

فبعد سقوط النظام الدكتاتوري وانهيار مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وظهور فراغ سياسي، بادر حزبنا إلى دعوة أحزاب وقوى المعارضة إلى اللقاء وعقد مؤتمر وطني تنبثق عنه حكومة مؤقتة لإدارة أوضاع البلاد التي تعيش حالة فوضى عارمة، ولكن الحسابات الضيقة للقوى الأساسية حالت دون ذلك ما يَسّر على الولايات المتحدة وحلفائها إعلان حالة الاحتلال. وكان غياب المشروع الوطني لدى معظم قوى المعارضة وتبنيها للطائفية السياسية عاملا مهما في إطلاق المحتل، بالتوافق مع قوى سياسية عراقية، عملية سياسية تقوم على التقاسم المحاصصي الطائفي والإثني للدولة، عملنا على خوض الصراع من أجل إنهاء الاحتلال، وحول المستقبل وشكل الدولة والنظام السياسي- الاقتصادي والاجتماعي، من داخلها، ومن خلال الضغط الشعبي.

ومع إصرار قوى الطائفية السياسية على نهج المحاصصة الطائفية – الأثنية في الإدارة، وفي بناء مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وتشبثها بامتيازات ومنافع السلطة والاستحواذ على مواردها، وتفشي الفساد في الدولة والمجتمع، الذي صار منظومة متكاملة، متعشقة مع المتنفذين في مؤسسات الدولة وأصحاب القرار، توالت أزمات البلاد وتعمقت وبات واضحا بأن منظومة الحكم عصية على الإصلاح بسبب المصالح الفئوية الضيقة للقوى المتحكمة بالعملية السياسية، أصبح التغيير نحو دولة المواطنة الديمقراطية  ضروريا لإخراج البلاد من أزماتها ووضعها على طريق الأمن والسلام والاستقرار والتنمية المستدامة.

إن أوضاع بلدنا ما تزال تعاني من الأسباب  التي أدت إلى اندلاع انتفاضة تشرين الباسلة، من فقر وسوء خدمات وفساد يضاف إليها انخفاض في القدرة الشرائية لشرائح متزايدة من المجتمع وتضييق على حرية التعبير والحريات العامة ما يتطلب المزيد من التنسيق والتعاون بين قوى التغيير، والتوجه الجاد نحو توسيع قاعدة القوى المعارضة لنهج المحاصصة ومنظومته السياسية وتنظيم صفوفها بما يتيح تعديل موازين القوى لصالح عملية التغيير والتداول السلمي للسلطة، والسير على طريق الإعمار والبناء وإقامة دول المواطنة والقانون، الدولة المدنية والديمقراطية كاملة السيادة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي

٩ نيسان ٢٠٢٤