نحتفل اليوم، نحن الشيوعيين، ومعنا كل العراقيين الطيبين، بعيد ميلاد حزبنا. فقبل 90 عاماً وفي الحادي والثلاثين من آذار، تجمعت الحلقات الماركسية الأولى لتؤسس حزب الطبقة العاملة والفلاحين وكل شغيلة اليد والفكر في بلادنا، فحلّ ربيع الحركة الوطنية زاهياً وعصّياً على الذبول، وبزغ فجر ليبدد عتمة الجهل والتخلف، وارتفعت راية الكفاح الوطني والطبقي لتمنح مقاومة الشعب ضد المستعمرين والمستغلين والمستبدين، ما كان يعوزها من جذوة الفعل التي لا تخبو والروح الثورية التي لا تموت.

وعلى مدى تسعة عقود، سرت قيم الحزب بين فقراء العراق المتعبين، كالنور والهواء. وبقي الحزب وفياً للأفكار التي ولد من اجلها، حرية الوطن وسعادة الشعب، فقاوم كل المعاهدات التي أراد الإمبرياليون تكبيل العراق بها، من معاهدتي ١٩٣٠ وبورتسموث، وحلف بغداد وكل العقود والاتفاقيات اللصوصية التي نهبت بها الشركات الاحتكارية ثروات بلادنا. وألهمت شعاراته وتضحياته العراقيين وعبأتهم في نضال متواصل لنيل الاستقلال وحمايته، والذود عن سيادة وكرامة البلاد، في الوقت ذاته الذي قاد فيه الحزب مئات المعارك الطبقية ضد الجور والظلم الاقطاعيين في الريف، ومن أجل حقوق الفلاحين في الأرض والعيش الكريم، ونظّم عشرات الإضرابات والاعتصامات العمالية ضد الاستغلال، ودفاعاً عن حقوق الشغيلة وفي مقدمتها التوزيع العادل للثروة.

كذلك نشطت منظمات الحزب في صفوف الطلبة والشبيبة من أجل ضمان تعليمهم المجاني، وتطوير المؤسسات والمراكز التعليمية والتربوية التي تنمي قدراتهم ومواهبهم وتوظف طاقاتهم لخدمة البلد، ومعالجة مشاكل البطالة والفقر وتحسين مستوى معيشة العاطلين والفقراء. وساعدتهم على تنظيم صفوفهم في اتحادات مهنية تدافع عن حقوقهم، وتنمي الوعي الوطني والديمقراطي فيهم.

وأولى الحزب قضية المرأة اهتماما خاصاً، فناضل من أجل تحقيق مساواتها مع الرجل وتمكينها من القيام بدورها في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وفي مراكز صنع القرار، ومعالجة آثار التخلف الاجتماعي والعنف المسلط عليها، وإلغاء أية تشريعات تنتهك حقوقها وكرامتها. كما ساعد النسوة على تنظيم صفوفهن في رابطة للدفاع عن حقوقهن، وفي العديد من المحافل والمؤسسات الاجتماعية والثقافية.

واقامت منظمات الحزب اقوى الصلات مع مبدعي شعبنا، حتى بات نادراً أن لا تكون لأحد منهم صلة ما بالحزب، وذلك على ضوء ما وفره مشروعه النهضوي التنويري من أدوات للدفاع عن حرية الفكر والتعبير والابداع، ومن تعزيز لدور المثقفين وإطلاق قدراتهم الإبداعية، ومن قدرة على التصدي لمساعي تخريب الثقافة الوطنية وحماية التعددية فيها. وكان للحزب دور مهم في تبني مصالح بقية فئات الشعب، والمساهمة في بناء منظماتها النقابية والمهنية، وفي دعم وتوجيه نضالاتها المطلبية العادلة.

ولهذا سجل تاريخ العراق المعاصر أروع صور التمازج بين حزبنا وجماهير غفيرة من الشعب، شكلت له دوماً سياجاً واقياً ورفدته بدماء زكية ومناضلين أشداء، وفاءً لتضحياته ودفاعه عن قضاياها ومصالحها.

واليوم ونحن نحتفل بالعيد التسعين، يواصل الحزب ومنظماته ورفيقاته ورفاقه المسار العذب ذاته رغم صعوباته، وصولا الى التغيير الشامل. فبعد أن بات جلياً فشل المتنفذين في حل الأزمة البنيوية التي تعيشها البلاد، جراء هيمنة منظومة المحاصصة والفساد، واعتماد نهج الليبرالية الجديدة في الاقتصاد وما يسبب من فقر وبطالة وتداعيات سلبية وخيمة على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والحياتية والخدمية للمواطنين، وتفاقم التفاوت الطبقي والاجتماعي، تبنى الحزب في مؤتمره الوطني الحادي عشر مشروع التغيير الشامل، سبيلاً للخلاص من منظومة الأقلية الحاكمة وسياساتها ونهجها الفاشلين وشخوصها، ومن التدخلات الخارجية في شؤون بلادنا.

وإذ تنهمك منظماته اليوم في تنفيذ هذه السياسة، يدعو الحزب الى إقامة تحالف واسع، سياسي وشعبي، من التيار الديمقراطي والقوى المدنية الديمقراطية ومن الوطنيين ومختلف الفاعليات السياسية والاجتماعية، لفرض إرادة الشعب في التغيير، والسير على طريق بناء الدولة المدنية والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية، دولة المواطنة والمؤسسات.

ويرى الحزب أن لا تنميةَ حقيقية ولا استقرارَ او أمانَ للمواطنين، من دون استعادة هيبة الدولة وقدرة مؤسساتها على انفاذ القانون على الجميع، ومن دون حصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الدستورية، واتخاذ إجراءات فعلية للحد من الفساد المستشري، والعملَ الجاد على مكافحة البيروقراطية والخلاص من الفساد والفاسدين والفاشلين، واسنادِ الوظيفة العامة الى ذوي القدرة والكفاءة والنزاهة، بعيدا عن التخادم المحاصصاتي والتوظيف الزبائني.

في العيد التسعين نقف إجلالا لذكرى شهدائنا، أولئك الذين قهروا بصدقهم الموت فصاروا رموزاً مقيمة في الأرض أبدا.

وفي العيد التسعين نحيي ذكرى رفيقاتنا ورفاقنا الذين زج بهم الطغاة في الزنازين وعرضوهم لأبشع أنواع التعذيب والملاحقة والفصل واسقاط الجنسية والابعاد خارج الوطن، دون أن ينتزعوا من قلوبهم الوفاء للحزب وللشعب.

وفي العيد التسعين نحيّي الأنصار البواسل الذين دافعوا عن راية الحزب ورفعوها خفاقة، ونحيي جميع أبطال العمل الحزبي، السري منه والعلني، داخل الوطن وفي المنافي، ونقول لهم: لم ولن تذهب تضحياتكم سدى، بل أثمرت بقاء الحزب حقيقة من حقائق العراق، ونبعاً دافقا يروي ظمأ الشعب التوّاق للحرية والعدالة الاجتماعية والأمان والسلام.

في العيد التسعين نحيّي آخر صبيّة وفتىً انضما لصفوف الحزب، ونهنئهما على صواب الاختيار، حيث يمتزج مذاق الوطن بشيم الصدق والتضحية والإيثار.

 

عهدا على المواصلة والعطاء

ومجدا للعيد التسعين لميلاد

الحزب الشيوعي العراقي

عرض مقالات: