السيدات والسادة الضيوف والحضور الكرام
الرفيقات والرفاق الأعزاء
تسع وثمانون شمعة نوقدها اليوم، ونؤشر بها الشوط المديد لمسيرة حزبنا الشيوعي العراقي؛ المسيرةِ الوضاءة المعطاء، بمحطات سفر شعبنا النضالي من اجل التحرر والخلاص من الاستعمار والاستبداد والفقر والتخلف.
تسعة وثمانون عاماً مضت، قدم فيها الشيوعيون العراقيون جليل التضحيات والمآثر، دفاعاً عن حق الإنسان في العيش الكريم، في كنف وطن حر ديمقراطي كامل السيادة؛ وطنٍ متحضرٍ مزدهرْ تتمتع بناتُه وأبناؤه بخيراته الوفيرة.
تسعة وثمانون عاماً منذ ذلك الاجتماع التأسيسي، الذي عقده جمع من المناضلين الوطنيين المتنورين، يتصدرهم مؤسس الحزب وبانيه الرفيق يوسف سلمان يوسف – فهد، ومعهم ثُلة من الفتية المتحمسين، ووحدوا الخلايا والحلقات الماركسية المتناثرة في الناصرية والبصرة وبغداد، في تنظيم واحد. فكان ظهوره الأول في 31 آذار 1934 باسم “لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار”، ثم تحول الاسم بعد سنة من ذلك إلى “الحزب الشيوعي العراقي”.
آنذاك، كان للإعلان عن تأسيس الحزب، وانغماره على الفور في النضال دفاعاً عن مصالح الفقراء والمحرومين والكادحين، وقع الزلزال في الحياة السياسية العراقية، المحتكَرة من قبل بعض الأحزاب التقليدية. وتبعا لذلك تعاملت السلطات الرجعية مع الوليد الجديد بالعنف الهمجي، وهو ما صار نهجاً ثابتاً لكل الأنظمة الشمولية التي تعاقبت على حكم العراق.
وفيما سقطت تلك الأنظمة تباعاً وانتهت في مزبلة التاريخ، بقيت راية الحزب الشيوعي ترفرف خفاقة حتى يومنا هذا، بجهود وتضحيات مناضلين صمدوا أمام موجات القمع الدموي، وفي وجه رياح الأزمات العاصفة، بصلابة الواثق من قضيته وعدالتها، وبفضل احتضان شعبنا له وللتضامن الأممي الواسع معه.
والوعد أن تبقى الراية خفاقة على الدوام!
ضيوفنا الكرام
نجتمع اليوم لإحياء ذكرى تأسيس حزبنا فيما الاحتفالات بعيد نوروز، عيد الربيع والفرح والنضال، تعم اقليم كردستان والكثير من بلاد المنطقة والعالم الاخرى، وينغمر فيها كذلك كثيرون من بنات وابناء القوميات الاخرى المتنوعة في عراقنا العزيز. ويطيب لنا ونحن ندشن احتفالنا هذا ان نعبر عن ابتهاجنا نحن ايضا بعيد انبعاث وتجدد الحياة هذا، وان نقدم التهاني للجميع في مناسبة حلوله، ونشاركهم إحياءه والاحتفال به.
وفي الوقت ذاته يلتئم احتفالنا والوطن العزيز يمر بظروف عصيبة، ويعيش أوضاعا شديدة التعقيد، هي بالتأكيد نتاج نظام المحاصصة المقيت، الذي فُرض على بلدنا وشعبنا في اعقاب الحرب والغزو والاحتلال الامريكي قبل عشرين عاما، والذي حرف مسار التحول الديمقراطي وبناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، صوب كيان مشوه ضعيف تحكمه منظومة الفساد والأجندات الخارجية والسلاح والمنفلت. صوب نظامٍ منهجُه السياسيُ اتفاقاتُ المصالح الضيقة والأعراف المختلقة، لا الدستور والقوانين النافذة، ومُحرك نهجه الاقتصادي صفقاتُ الاقتصادات الحزبية، لا خطط التنمية والإعمار.. نظامٍ منعزلٍ عن مجتمعه ومتصارعٍ معه.
ولهذا أضحى التغيير الشامل لمنظومة المحاصصة والفساد حاجة ماسة، بل وضرورة لتخليص شعبنا من محنته ومعاناته. ومن المؤكد، أن هذا لن يتحقق إلا بإرادة سياسية قوية، وفعل جماهيري واسع ومنظم، ووحدة كل القوى المدنية والديمقراطية والوطنية المؤمنة بالتغيير الديمقراطي.
ونحن على كبير ثقة بأننا وحلفاءنا في التيار الديمقراطي ومن قوى التغيير الديمقراطية، ومن جميع القوى الوطنية الخيرة، الذين نقف وإياهم في صف واحد، ونتحاور معهم من أجل بناء مشروع البديل السياسي.. نؤمن أننا وإياهم قادرون على انتزاع نصر سياسي، يشكل انعطافة تعزز آمال وتطلعات شعبنا الى مستقبل عراقي، آفاقه التنمية والتطور والتقدم والرخاء، وتدشين عهد دولة المواطنة، المدنية الديمقراطية.
الرفيقات والرفاق الأعزاء
جدير بنا ونحن نخوض النضال سوياً، ونجتاز الصعاب معاً، متمسكين بثوابتنا ومبادئنا ومنهجنا الفكري المتجدد، ان نتأكد دوماً من مواصلة تجديد حزبنا وتطويره، وتحديث أساليب نشاطنا بما يمكّننا من تحقيق الأهداف المنشودة.
وهذا لا يعني، بأي شكل من الأشكال، إهمال الإرث النضالي لقادتنا الأماجد، ونسيان أمثولة سلام عادل وهو يقطع المسافات الطويلة بين الحواضر المتباعدة، ليحضر لقاءً هنا ويشارك في اجتماع هناك. او أمثولة الأمهات الشيوعيات اللواتي كنّ يخبئن تحت عباءاتهن المنشورات والجريدة وهم ينقلنها للرفاق. او أمثولة الشبان الشيوعيين الذين كانوا ينشرون شعارات الحزب في أغلفة الحلوى أيام العيد.. وغير ذلك الكثير من المبادرات الخلاقة والمبتكرة في الظروف المختلفة.
ان من حقنا أن نفخر بهذا الإرث النضالي المشرف، فيما تبقى أذهاننا منشغلة بالحاضر، وأعيننا على المستقبل.
وعلينا في الوقت ذاته الا نتوهم، مثلما لم يتوهم من سبقونا على هذا الدرب، أنه سيكون مفروشاً بالورود. فمن يجعل من خدمة شعبه، وعلى وجه الخصوص الكادحون منه والفقراء والمحرومون، غايةً له، ويناضل بعزيمة لا تلين، وبروحٍ متوثبة لتحريرهم من البؤس والسقم والجهل والهوان.. لن يواجه في سعيه المتجرد والمتفاني سوى المصاعب والمخاطر والآلام، ولن يخرج من امتحان إلا الى امتحان آخر أكثر قسوة ربما..
وما أشد المحن والامتحانات التي توجب علينا، نحن الشيوعيين، ان نخوضها على طول مسيرة حزبنا الممتدة عقودا من السنين. وما أكثر التضحيات العظمى التي قدمها رفاقنا المناضلون، أعضاء وكوادر وقادةْ، أحبتنا الأقرب الى قلوبنا، الذين سكنوها لا يبرحون منذ تساموا شهداء خالدين شامخين، أبطالا جادوا بأنفسهم من أجل استقلال الوطن وسعادة الشعب.. نجوما تتلألأ على الدوام في سماء العراق.
نعم، ما أقساها تلك الامتحانات.. وقد خرج منها حزبنا امتحانا بعد امتحان، مرفوع الرأس، أكثر صلابة وأشد عزما على مواصلة المشوار المشرف، مسلحا بمزيد من القدرة على الوفاء بمستحقاته الفكرية والسياسية والنضالية.
وذلك هو حاله اليوم أيضا، وهو يدشن عامه التاسع والثمانين..
ليعش حزبنا الشيوعي العراقي!
وكل نوروز وأنتم بألف ألف خير
والسلام عليكم
*ألقاها الرفيق ياسر السالم عضو المكتب السياسي للحزب.