عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي يومي الخميس والجمعة 1 و2 كانون الأول 2022 اجتماعها الاعتيادي الدوري.
بدأ الاجتماع اعماله بالوقوف دقيقة صمت تكريما لشهداء شعبنا العراقي، ولرفاق وأصدقاء الحزب الذين رحلوا عنا خلال الأشهر الأخيرة.
درس المجتمعون ورقة تنظيمية عن التحديات التي تواجه الحزب في عمله وسبل الارتقاء بدوره المنشود في الحياة السياسية، وفي الدفاع عن مصالح شعبنا ووطننا، وتبنّي قضايا الفقراء والكادحين وذوي الدخل المحدود. وتوقفت اللجنة المركزية عند الآليات والأساليب التي تمكن الحزب من بناء منظمات حزبية قوية جماهيرية فاعلة، وتعزيز علاقاتها مع العمال والشغيلة والشرائح الاجتماعية التي تعاني التهميش والبطالة في سوق العمل غير المنظم، وكذلك عملها بين الفلاحين والمزارعين وفي اوساط النساء والشباب والطلبة، وتفعيل دورها على صعيد النشاط الثقافي والادبي والابداعي.
واكد الاجتماع أهمية استنهاض طاقات الحزب ومنظماته ورفاقه، ورفع كفاءة العمل القيادي على مختلف المستويات، وضرورة إطلاق المبادرات وتجاوز النواقص والثغرات ورفع الوعي عبر توجه منهجي، وتتويج العمل الحزبي في المجالات كافة بتحقيق نجاحات واهداف ملموسة سياسية وتنظيمية وجماهيرية.
ودرست اللجنة المركزية ورقة عمل عن الانتخابات، وجرى التوقف عند مستلزمات اجراء انتخابات نزيهة وعادلة لمجلس النواب ولمجالس المحافظات، تجسد إرادة العراقيين الحرة. وتبنّى الاجتماع عددا من التوجهات ذات العلاقة، داعيا منظمات الحزب ورفاقه الى التهيئة والاستعداد للانتخابات، بما يضمن مشاركة فاعلة فيها.
واطلع الاجتماع على تقرير عن الوضع المالي والإداري للحزب، وشدد الحاضرون على أهمية هذا الجانب في عمل الحزب، وعلى ديمومة واستمرارية نشاطه وفعالياته، وان تقوم اللجنة المركزية وقيادات المنظمات الحزبية باتخاذ الخطوات الكفيلة بتعزيز الوضع المالي للحزب وتنويع مصادر موارده. وفي هذا السياق توقف الحضور عند الحملة الوطنية لبناء المقر المركزي الجديد للحزب في بغداد، معبرين عن الشكر والتقدير لكل المساهمين في دعمها وتقديم التبرعات السخية. ودعا الاجتماع الى استمرار الحملة ومضاعفة الجهود من اجل المضي قدما في انجاز المشروع وبناء بيت الحزب.. بيت العراقيين.
وعند دراسته تقريرا عن عمل مختصات الحزب المركزية، وفي منظماته، أكد الاجتماع ضرورة الارتقاء بادائها لمهامها الاختصاصية، ودورها في تطوير قدرات التنظيم الحزبي، واتخذ عددا من القرارات في هذا الشأن.
ودرست اللجنة المركزية باستفاضة واهتمام التطورات السياسية في بلادنا منذ اجتماعها السابق (2 - 3 حزيران 2022)، وتوصلت الى ان وطننا شهد تغيرات وتطورات واحداثا وضعته امام تحديات جسيمة، وإن الأزمات المتتالية المصاحبة لحكم منظومة المحاصصة والفساد ما تزال تطحن شعبنا، ومعها ترتفع معدلات الفقر والبطالة والمرض والتخلف ونقص الخدمات، ويتواصل عجز المتنفذين عن إيجاد الحلول والمعالجات.
وإذ انتهت حالة الاستعصاء السياسي المتعلقة بتشكيل الحكومة، فان ذلك لا يعني نهاية الازمة الشاملة، المرشحة للتفاقم على صعد مختلفة، حيث تستمر أوضاع البلد الاقتصادية- الاجتماعية والمعيشية في التدهور مع غياب السياسات الاقتصادية التنموية السليمة، وتغوّل منظومة الفساد، التي لم تعد تخشى إظهار فضائحها إلى العلن! وراح يتعزز دور الفئات البيروقراطية والطفيلية والكمبرادورية، التي شكلت تحالفات وتفاهمات مع العديد من المتنفذين من صناع القرار السياسي والاقتصادي والمالي. وارتباطا بذلك اتسعت الهوة وغدت سحيقة بين ذوي الثراء الفاحش، والغالبية الساحقة من المواطنين، وتفاقمت حالة التفاوت الاجتماعي والفرز الطبقي في البلاد، نتيجة للنهج الفاشل الذي اتبعته قوى المحاصصة والفساد في إدارة البلد وموارده وثرواته.
وفي الظروف الراهنة يتوجب الضغط لاستثمار الوفرة المالية، المتحققة أساسا بفضل ارتفاع اسعار النفط، بما يغير على نحو سليم تركيبة الدخل الوطني وايرادات الدولة لصالح المتأتية من القطاعات الإنتاجية، لاسيما الزراعة والصناعة، والتوجه نحو إيجاد ركائز تنمية متوازنة ومستدامة تحسّن المستوى المعيشي وتوفر الخدمات للمواطنين وتوجد فرص عمل لهم، وذلك ما يتوجب اعتماده وليس اللجوء الى التوظيف المسيّس والزبائني. وهذا بدوره يستدعي مراجعة شاملة للتعليم في مختلف مراحله، وإعادة بنائه على وفق الحاجة الفعلية، بجانب تنمية الكفاءات والقدرات المهنية الوطنية.
واكد الاجتماع أن الحكومة الجديدة جاءت على وفق آليات التحاصص المعهودة، بل ذهبت إرادة قوى المحاصصة إلى ابعد من تسمية الوزراء، وانتقلت إلى صراع مكشوف على الدرجات الخاصة. ولعبت الارادات الخارجية دوراً مؤثراً في مسار تشكيل الحكومة، وفقاً لحسابات المصالح الدولية والإقليمية للفاعلين الخارجيين ودورهم في الشأن العراقي.
وجدد الاجتماع موقف الحزب الثابت في رفضه لنهج المحاصصة، ولاعتماده كمبدأ في عملية تشكيل الحكومات السابقة، وتشكيل الحكومة الحالية ايضا، التي نراقب خطواتها واجراءاتها وقراراتها، ونتخذ المواقف منها ومن قراراتها وفقا لمصالح شعبنا، فيما اليقين راسخ من أن حكومة تقوم على منهج فاشل، لا يمكن ان تتخطى حدود ما هو مرسوم لها من جانب القوى والكتل السياسية المشاركة فيها والداعمة لها. وهذا ما يؤكد مجددا وبإلحاح حاجة شعبنا الى بديل سياسي يرفض منظومة المحاصصة والفساد، ويؤسس لخطوات واعدة على طريق التغيير الشامل. ويتوجب القول ايضا انه لا يمكن الاكتفاء بالنظر إلى ما هو مكتوب في المنهاج الوزاري، بل أن المعيار لما يتضمنه هو المنجز والمتحقق منه فعلا، ومدى انعكاس ذلك إيجابيا على حياة العراقيين ومعيشتهم والخدمات المقدمة إليهم.
من جانب آخر أكد المجتمعون ان مجمل ظروف البلد ومنهج تشكيل الحكومة والمعطيات الواقعية الراهنة، تجعل من موضوعة الانتخابات البرلمانية المبكرة، العادلة والنزيهة، ضرورة لا يجوز التمهل معها. وان التنصل عن اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، أمر لا يمكن السكوت عنه او تجاهله، بل يجب مواصلة الضغط السياسي والشعبي لتأمين اجراء هذه الانتخابات مثلما جاء في المنهاج الوزاري.
وأكد الاجتماع ان معركة التصدي للفاسدين والمفسدين، بما يملكون من إمكانات وتداخلات مع اصحاب القرار والمتنفذين والمافيات المليشياوية، لن تكون سهلة، وان الحد منها والانتصار فيها يتطلبان حشد قدرات كل العناصر والطاقات الوطنية، الرسمية والشعبية، وإطلاق “الحملة الوطنية لمكافحة الفساد” قولا وفعلا، وان تتضمن هذه الحملة اهدافا محددة معلنة واجراءات وخطوات ملموسة. وهذا يتطلب أيضا ضمان سيادة حكم القانون، وإقامة دولة المؤسسات واحتكارها للسلاح وتفكيك المليشيات.
وأشارت اللجنة المركزية الى ان المجتمع العراقي يشهد حراكا اجتماعيا مستمرا، يتمظهر في شكل احتجاجات سياسية ومطلبية وتذمر واسع، ونقد ساخط على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع استمرار السياسات ذاتها ارتباطاً بالتمسك بنهج المحاصصة وما يسببه من تداعيات، فمن المرجح أن نشهد تفجراً اجتماعيا كبيراً، تتصدره الشرائح الاجتماعية الأشد فقرا والفئات المتضررة من منظومة الحكم.
وأعلن المجتمعون ان الحزب الشيوعي الذي يرفض من حيث المبدأ أي اعتداء او انتهاك لسيادة العراق واستقلاله، تحت اية ذريعة ومن أي طرف، يجدد مطالبته الأطراف كافة باحترام ذلك، ووقف الاعتداءات العسكرية التركية والايرانية، وإزالة ما هو موجود من القواعد. وهو في الوقت نفسه يتضامن مع الشعوب وحقها الطبيعي في النضال وفي العمل لتحقيق طموحاتها وأهدافها، ويشدد على أهمية الاحترام المتبادل لسيادة البلدان وحرمة أراضيها، وان الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم مطالبتان بالعمل على وقف الاعتداءات المتكررة بمختلف الطرق الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية، والدفاع عن البلد وصيانة حدوده واستقلاله، وتوفير الامن والاستقرار للمواطنين.
ومن جانب آخر وارتباطا بشح المياه وبالجفاف والتحديات البيئية التي يواجهها العراق، أكد الاجتماع انه بات ملحا على الجهات الحكومية ومؤسسات الدولة ذات العلاقة، التحرك في اتجاهات عدة لتأمين حصة عادلة للعراق، والتعامل اقتصاديا وتجاريا وسياسيا مع تركيا وإيران في ضوء مواقفهما من قضية المياه. وهذا يتطلب المزيد من الضغط بعيدا عن الحسابات الضيقة، لانتزاع حصة مقبولة للعراق في مياه نهري دجلة والفرات، وان تعيد إيران النظر في إجراءاتها الأحادية الضارة والمؤذية. كما يتوجب في هذه الظروف الحرجة ان تقوم الحكومة بتقديم كل اشكال الدعم والاسناد للمزارعين والفلاحين، ومنهم أيضا من اضطر الى ترك ارضه والهجرة منها تحت ضغط الجفاف.
وخلصت اللجنة المركزية الى ان الظروف الراهنة التي يمر بها بلدنا وانعكاسات التطورات الإقليمية والدولية، والتحديات الجمة التي تواجه شعبنا وبلدنا، تتطلب من الشيوعيين العمل بهمة ونشاط للارتقاء بدور الحزب ومنظماته ورفاقه وجمهرة أصدقائه، والتحرك الفاعل والنشط والدؤوب لبناء منظمات حزبية قوية جماهيرية متماسكة، ومد جسور التعاون والتنسيق مع مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، ولاسيما تلك المتضررة من تسلط منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت.
وان هذه التحديات تلقي أيضا على عاتق الشيوعيين وقوى التيار الديمقراطي وسائر القوى المدنية والديمقراطية، وقوى الحراك التشريني، وجميع المناضلين والعاملين من اجل التغيير الشامل، مهمة العمل المتواصل والحثيث لبناء حركة شعبية معارضة، منظمة وقوية، والتحرك معا بآفاق واضحة المعالم والاهداف لتغيير موازين القوى ودحر منظومة نهج المحاصصة، وكسر احتكار السلطة وبناء اصطفاف وطني وديمقراطي واسع، يغذ السير الى امام على طريق التغيير الشامل وبناء البديل الوطني الديمقراطي ودولة المواطنة والمؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: سيصدر لاحقاً تقرير سياسي شامل عن الاجتماع