أثنى الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، على ايادي جميع الرفيقات والرفاق، الذين ساهموا من خلال عملهم المتفاني بصورة مباشرة في نجاح فعاليات المؤتمر الوطني  الحادي عشر، والتي شكلت بكل المقاييس حدثا مهما ليس للشيوعيين، فحسب وانما لعموم الواقع السياسي والحركة الوطنية والسياسية والمشهد السياسي العراقي.

جاء ذلك ضمن حوار شامل أجرته معه منابر اعلام الحزب الشيوعي العراقي (طريق الشعب والمركز الإعلامي للحزب). وأداره الإعلامي رشاد الشلاه، لمناسبة انتهاء اعمال المؤتمر الوطني الحادي عشر. 

وقد بثّ الحوار بشكل مباشر يوم السبت الماضي (11 - 12 - 2021)   

ننشر في أدناه  نص الحوار:

سؤال: عقد المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب في الظروف الصعبة المعروفة التي يعاني منها البلد، ولا بد من ان هموم العراق وشعبه كانت حاضرة خلال نقاش المؤتمرين داخل المؤتمر. ما هي أهم التحليلات والاستنتاجات التي توصل لها المؤتمرون؟

جواب: نعم، هذا المؤتمرعقد بعد خمس سنوات من انعقاد المؤتمر الوطني العاشر في عام 2016، وعادة حسب النظام الداخلي للحزب ينعقد المؤتمر كل اربع سنوات، ولكن حصل تمديد اقتضته الظروف وجائحة كورونا وعوامل أخرى. المؤتمرات تتفحص، عادة، عمل الحزب ما بين مؤتمرين، وايضا تتوقف عند الوضع العام ارتباطا بالتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى كل  المستويات. وخلال هذه الفترة حدثت تطورات عديدة  منها؛ انتخابات 2018 وانتخابات 2021، وشهدنا ايضا جائحة كورونا، وكذلك انتفاضة تشرين التي شكلت حدثا فارقا في البلد، وهناك أيضا تنامي حالات الاحتجاج وتزايد فجوة الفقر، والتمايز الطبقي - الاجتماعي والمستوى المعيشي. وبالتالي أصبحت جوانب العدالة الاجتماعية تطرح بقوة والحاح.

هم المواطن حاضر بكثافة في المؤتمر 

الحزب في هذا المؤتمر تناول وتوقف مليا عند مظاهر الازمة التي تعصف بالبلد، وهي ازمة شاملة، وليست سياسية فقط، وتركت آثارا كبيرة ومتزايدة على حياة الناس وارتبطت بها ايضا استعدادات اكبر للناس للتعبير عن رفضهم وتصعيد الاحتجاجات التي تجلت في انتفاضة  تشرين والكم الهائل من الشهداء والضحايا الذين رافقوها، ودخلت ايضا اوساط واسعة للفعل الاجتماعي والسياسي. توصل المؤتمر الى استنتاج بان هذه التطورات لا بد ان تؤدي الى تغيير في النهج السياسي والاقتصادي، وهذا ما وجد صداه في شعار المؤتمر.

المنظومة الحاكمة غير قادرة على تقديم الحلول 

من جانب اخر اثبتت التجربة ان هذه المنظومة الحاكمة غير قادرة على القيام بالإصلاح وتقديم الحلول، لذلك نحن غلبنا مسألة التغيير، وبالتالي تحدثنا عن ضرورة تغيير موازين القوى وهذا الامر يقتضي حشد طيف واسع واصطفافات وتحالفات سياسية واجتماعية، ولذلك الشق الاخر من اهتمام المؤتمر كان يخص الحزب وتطويره وتحسين ادائه وعمله الداخلي وكيفية تعزيز الديمقراطية وتطوير اشكاله التنظيمية، وكذلك كيفية تعزيز وتعميق عملية التجديد على مستوى الشخوص وعلى مستوى اليات العمل، والفكر أيضا، وأيضا محاولة تحريك النظام الداخلي للحزب  باتجاه ادخال فقرات وتعديلات تعزز العملية الديمقراطية الداخلية، وتتناول الظواهر المستجدة مثل التكنولوجيا وكيفية استخدامها والاستفادة منها في بنائنا التنظيمي، وكذلك الموقف من المرأة وضرورة فتح المجال امامها، والعمل اكثر للارتقاء بدورها. 

ونستطيع القول ان هذا المؤتمر همومه هي المواطن، لان المواطن اليوم يجد صعوبة في تأمين قوته اليومي. وان معدلات البطالة والفقر في ارتفاع، والتعليم والصحة في حالة ترد، لذلك نعتقد ان العدالة الاجتماعية يجب ان تشمل هذه القطاعات، اضافة الى ضرورة واهمية تحسين قطاعات الخدمات العامة. 

دور الحزب مهم في تعظيم زخم الضغط  

سؤال: الحزب منذ فترة طرح شعار التغيير، لكنه اليوم يدعو الى التغيير  الشامل؟

جواب: التغيير الشامل الذي ندعو له لا يتحقق الا بتغيير موازين القوى  السياسية، لان الكثير من القوى لها مصلحة في استمرار الوضع، ولاحظنا انها لا تتردد في ممارسة اي شكل من اشكال الفعل السياسي، من اجل الحفاظ على مصالحها. وهذا معناه يجب ان يكون هناك اصطفاف سياسي ونضالي واسع. ونلاحظ ان هناك اوساطا شعبية واسعة جدا متضررة من هذا النهج المعتمد واقسام متزايدة منها تعبر عن رفضها واحتاجها ومشاركتها المباشرة في الاحتجاجات، لذا هي دخلت ساحة الفعل السياسي. والى جانب الاحزاب ظهرت حركات وأحزاب اجتماعية وسياسية جديدة.

 واصبح واضحا أيضا سعة القاعدة التي تحركت ودعمت انتفاضة تشرين سواء بشكل مباشر من خلال المشاركة في الاحتجاجات، وفي ساحات الاعتصامات أم من خلال الاشكال المختلفة من التأييد الذي حظيت به انتفاضة تشرين. ندرك تماما ان هذه القضية بحاجة الى ان تتحول الى  فعل سياسي مؤثر اكثر، وقادر على ان يفرض ارادته، وان يؤثر في مسارات الاحداث.

نعتقد ان قوة الحزب الشيوعي العراقي سياسيا وتنظيميا هي عنصر مهم وشرط ضروري لاجل بناء التحالفات الاوسع، لذلك نقول ان الدائرة الاولى لاجل تحقيق التحالفات تكمن اولا في الاهتمام بالحزب وتعزيز قوته وتحقيق عملية التجديد الضرورية على صعيد البناء التنظيمي، وايضا التجديد في مسألة الفكر والتنظيم والخطاب. وهذا التجديد طبعا لا يفهم منه انه مغادرة لهوية الحزب، فهو على اساس المنطلقات والاسس التي يعتمدها الحزب ولكن الحياة تتطور وملامحها مختلفة، وبالتالي الحزب يواكب هذه التطورات وهذا التجديد هدفه بالمطاف الاخير ان تزداد فعالية الحزب.

نعمل من اجل الديمقراطية السياسية والاجتماعية 

الدولة المدنية الديمقراطية تعني دولة المؤسسات، تعني دولة قانون وتنفيذه، فضلا عن الشق الاجتماعي وهذا ايضا يستجيب الى مصالح فئات اجتماعية واسعة جدا. ان بناء الدولة الحالي قائم على المحاصصة والتقسيم الطائفي والهوياتي، وهذ مصدر للفشل وهو غير قادر على الإصلاح. نحن نقول دولة مدنية ديمقراطية ونقصد بالديمقراطية ببعديها فاولا البناء الديمقراطي ونقول ان الديمقراطية لا تقتصر على العملية الانتخابية ولاحظنا ان العملية الانتخابية غير قادرة على عكس إرادة المواطن .

نتحدث اليوم عن فجوة متزايدة بين المنظومة الماسكة بزمام الامور، وقسم من جماهير هذه الاحزاب اليوم مكتوية من هذه الازمة، لذلك هناك دائرة وطنية للتحرك والتحالف على المساحة الوطنية، وهذا عمل يتطلب من الحزب النظر في التحالفات واشكالها. اليوم لا نتحدث فقط عن تحالفات ستراتيجية باشكالها المعهودة، ولا نستثنيها، ولكن نقول اليوم بما ان الواقع متعدد ومتنوع وهناك حركات اجتماعية الى جانب الأحزاب واشكال جديدة بدأت تظهر للاحتجاج، وهناك احتجاجات محلية والان في هذه اللحظة هناك اكثر من مجموعة تحتج، اذن اشكال التحالفات يمكن ان تأخذ اشكالا متنوعة ومتعددة وأطرها التنظيمية ايضا متعددة ومتنوعة. وهنا لا بد من ان يكون هناك ادراك كبير لاهمية التنظيم، لانه بدون التنظيم فان التضحيات تزداد والفاعلية تقل. نعتقد ان القوة الكامنة في هذا الطيف  الشعبي الواسع الرافض للنهج الحالي، ينبغي ان تتحول الى قوة فاعلة عبر اشكال مختلفة، بدءا من التعاون والتنسيق وصولا الى صيغ متقدمة، لكن هذا يجب ان يقترن بخوض النضالات المشتركة بمعنى فعل ميداني على الارض. وهذه هي وجهة الحزب والتاكيد على تفعيل كل منظماته لان نكون مشاركين وفاعلين على الارض عبر التعبير وعكس هموم الناس، وعبر المشاركة بالحركة الاحتجاجية والمطلبية باشكال  مناسبة، الى جانب العمل مع الوسط المتنوع بأشكاله المختلفة.

نسعى لتوسيع دائرة المشتركات 

سؤال: هل هناك تنسيق بدأ من أجل تحقيق هذه التحالفات أو اي شكل من اشكال التنسيق؟

جواب: نحن نتحدث عن مستويات عدة. لدينا أطر معينة على سبيل المثال مع التيار الديمقراطي، والان هو يستعد لعقد مؤتمره الثالث، وهو يضم مجموعة من القوى السياسية من ضمنها الحزب والتيار الاجتماعي وحزب العمل وحزب الامة والحزب الوطني الاشوري، وايضا ربما هناك قوى اخرى قد تنضم من الجانب الاخر على صعيد القوى السياسية من غير المشاركين في التيار الديمقراطي. بمعنى ان هناك قوى مدنية مهمة ايضا لدينا معها علاقات، قسم منها ثنائية وايضا هناك محاولة لايجاد اطر مناسبة.

على مستوى الحركة الاحتجاجية هناك احزاب تشكلت من رحمها، هناك لقاءات معها، وهناك  المجلس التشاوري، ونعتقد انها صيغة جيدة للعمل المشترك، فهي تضم احزابا وقوى مدنية ديمقراطية، وتضم احزابا منبثقة من رحم حراك تشرين، وتضم ايضا ممثلي اتحادات ونقابات وبالتالي هذا المجلس ميدان للحوار ولتقارب الأفكار، وايضا لبلورة وتوسيع دائرة المشتركات وهو مجلس منفتح، ويمكن ان تتسع دائرة المشاركة فيه. وقد يسهم في توفير ارضية لانبثاق اشكال اكثر تقدما على المستوى السياسي.

خارطة طريق لاخراج البلاد من ازمتها 

سؤال: كيف سيسعى الحزب الى تحقيق ما ورد في وثيقة “قدما نحو التغييرالشامل”؟

جواب: المؤتمر تحدث بشكل مستفيض في الكثير من القضايا التي تتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. قلنا ان حصيلة هذه النقاشات قسم منها يتعلق ببعد استراتيجي ربما لا يتحقق في القريب العاجل، وقسم منها يمس قضايا آنية لها علاقة بأوضاع شعبنا، وقابلة للتحقيق على المدى القريب، لذلك ارتأى الحزب ان يلخص اهم الاستنتاجات ويودعها في وثيقة “قدما نحو التغيير الشامل”. هذه الوثيقة تمثل من وجهة نظرنا نوعا من خارطة طريق للخروج من الازمة، وفيها توجهات على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وايضا الخطوات التي ينبغي ان تتحقق من أجل معالجة مسألة العدالة الاجتماعية. ومن اجل ان تكون فاعلة يجب ان يكون الحامل لهذه التوجهات حاملا سياسيا قويا ومؤثرا، لذلك هذه الوثيقة نحن بصدد ان نطرحها ونقدمها لسائر قوى التغيير بالدرجة الاساسية، وذكرنا من هي قوى التغيير. ويمكن ان نرسل وفودا وممثلين لاجل تسليم الوثيقة، ويكون هناك حوار.

وايضا نطرحها على المستوى الجماهيري، بمعنى سيكون هناك تحرك جماهيري وتحرك سياسي، وعلى الصعيد الاعلامي ايضا للترويج لهذه الأفكار. وهذه الوثيقة في الحقيقة هي محصلة لتحليلات عميقة لمتطلبات التغيير، وماذا نقصد بالتغيير الشامل، وما هي الحلقات التي يشملها هذا التغيير؟

نواصل عملية تجديد الحزب 

سؤال: في اجواء المؤتمر ونتائجه هناك اسئلة عن هذه النتائج والتغييرات التي حصلت في قيادة الحزب، ارتفعت نسبة الشباب وكذلك النساء، فضلا عن التجديد في عموم قيادة الحزب؟ 

جواب: نحن حزب عمره 87 سنة. لا شك ان هذا العمر الطويل للحزب ينعكس في تركيبته، نحن لسنا كالاحزاب الناشئة. لدينا اليوم مناضلون عمرهم الحزبي 50 او 60 سنة او حتى اكثر. اذن لا بد ان هذا العمر الطويل لهذا الحزب العريق. لا بد ان تنعكس في تركيبته، لكن ايضا الواقع متغير ومتطور وهناك الكثير من الامور تحدث على مستوى التغييرات الاجتماعية والتكنولوجية، والكثير منها يستدعي ويتطلب ويقتضي ان ينعكس على بنية هذه الاحزاب، التي عليها مواكبة هذه التطورات، ونحن واعون تماما أن اي حزب تكون اليات التجديد وعملية التجديد فيه قاصرة، فهذه ستنعكس على مستقبل الحزب ومصيره. لا يمكن اليوم لاي حزب مهما كان رصيده النضالي وتراثه وإرثه، ان يستمر ويواكب ما لم يكن  التجديد حاضرا فيه، لكن التجديد لا يعني نبذ الماضي، بل التجديد الذي يستند على الارث وايضا يجب ان يتجاوز ربما ما تجاوزته الحياة، وما كان صحيحا في زمانه، ولم يعد مواكبا. وهذه العملية ليست سهلة لانها عملية تعامل مع الماضي وقراءة له والتجربة تقول ان كل عملية تجديد تواجه بأشكال من الممانعة والمقاومة ليس بالضرورة من منطلقات سلبية وانما هناك قسم جديد لم يثبت بعد فاعليته. لذلك عملية التجديد هي بالنسبة لاحزاب عريقة مثل حزبنا  فيها نوع من الصراع الايجابي. 

التجديد يشمل الفكر والسياسة والتنظيم 

نحن بدأنا عملية التجديد منذ المؤتمر الوطني الخامس واستمرت، في احيان تتسارع وفي احيان اخرى تتباطأ ارتباطا بالظروف وبعوامل ذاتية، الان وخاصة مع انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ووجود التحولات المتسارعة، لا بد ان تتسارع عملية التجديد بكل أبعادها. ابعادها الفكرية والسياسية والتنظيمية وايضا بشخوصها. ونعتقد ان هذه كانت محطة مهمة. ايضا على مستوى التجديد في قيادة الحزب حدثت بنسبة جيدة. الان ٤٢ في المائة هي نسبة التجديد في عدد اعضاء اللجنة المركزية والرفاق والرفيقات الجدد هم بمعدلات اعمار اقل بكثير من الرفاق الذين غادروا اللجنة المركزية. وبالتالي انخفض متوسط العمر بسنوات. اما اذا لاحظنا متوسط عمر الجدد فهم شباب لا تتجاوز اعمارهم الاربعين، والتجديد حصل كذلك في المكتب  السياسي ايضا وبلغت نسبته ٥٥ في المائة، وهذا تطور ملحوظ. نشير الى ان الشباب الاقل عمرا الذين دخلوا في قوام اللجنة المركزية والمكتب السياسي، هم رفاق ربما عمرهم الحزبي قليل نسبيا، ولكن لديهم تجربة غنية في مختلف الميادين. ميادين العمل التنظيمي والفكري والسياسي، وكان العديد  منهم مشاركا فعالا في الحركات الاحتجاجية، وفي الانتفاضة. اذن رغم عمرهم الحزبي الاقل لكن لديهم رصيد نضالي كبير. لا نعتقد ان هناك معركة أجيال وصراع بين الأجيال بالمعنى المتداول كثيرا. نعم، كل جيل له تصوراته وأمور قد يكون اكثر قدرة على استيعابها، وبالتالي نحن في عملنا الحزبي وفي عملية التجديد نأخذ بالتعشيق ـ ان جاز التعبير ـ ما بين الاجيال، وفي عملية انتقال الخبرة بجوانبها الايجابية والاستفادة منها، وفتح المجال لمبادرات الشباب وانفتاحهم. نعتقد ان ادارة هذه العملية مهمة جدا، وباطمئنان يمكن القول اننا حققنا تقدما ايجابيا وكبيرا جدا، لكن ما زلنا في بدايات الطريق.

قضية المرأة في أولويات الحزب 

وجانب من عملية التجديد ما يخص قضية المرأة أيضا، فبرغم ان الرفيقات في اللجنة المركزية صار عددهن اليوم 5 بعد ان كان 4، لكن تبقى هذه النسبة متواضعة، ووضعنا ضمن التعديلات التي ادخلت على النظام الداخلي قضية التركيز على الاهتمام بدور المرأة واعطائها فرصة في ان تتبوأ مواقع  قيادية على الصعيد المركزي او على صعيد المحليات.

أما على صعيد الفكر، فنحن حزب شيوعي هدفه الخلاص من النظام الرأسمالي الاستغلالي. والرأسمالية اليوم في ظل العولمة تعيش تناقضات وربما تناقضات مستجدة. واليوم في العراق يجري الحديث عن اقتصاد سوق، لكن هذا السوق غير خاضع لضوابط، وبالتالي هناك اشكال مختلفة من تطور العلاقات الرأسمالية، وهذا يظهر بشكل مشوه، لذلك على  المستوى الفكري ينبغي ان نرصد ونتابع التناقضات بأشكالها الجديدة.

العلاقة مع الجماهير.. المهمة الارأس 

سؤال: في ظل الظروف الصعبة، على ماذا ستركزون خلال الفترة القادمة من العمل الحزبي على المستوى الداخلي والخارجي؟

جواب: على المستوى الداخلي نعتقد لاجل ان يكون الحزب قادرا على لعب دور مؤثر، لا بد ان يكون جزءا من نشاطه يتعلق بالعلاقة بالجماهير. وهذا يستدعي ان تكون تنظيماتنا متماسكة وقوية وواعية ومستوعبة لسياسة الحزب ومتطلباته وتكون مرنة وحيوية. وبما اننا اليوم لدينا بنية دولة لا مركزية الى حد كبير، وبالتالي على الحزب ان يحسن الجمع ما بين المركزية واللامركزية، عبر اشباع وفتح المجال وتمكين هيئاتنا وقياداتنا الحزبية على كل المستويات،  سواء على المستوى المركزي ام على المستوى المحلي، كي تلعب دورها القيادي وتمارسه بصورة كاملة. في هذا السياق، فان العمل مع الجماهير والتفاعل مع مطالبها وتبنيها، وخوض النضال الى جانبها له أهمية خاصة. وهنا يأتي دور التمكين بمعنى الارتقاء بمستوى الوعي السياسي والفكري لرفاق الحزب، لاجل ان يكونوا على بيّنة بواقعنا، وان يتفهموا برنامج الحزب جيدا، وكيفية تحويل هذا البرنامج الى مطالب آنية، وهذا البرنامج فيه ابعاد استراتيجية وابعاد قريبة، وهذا ايضا يتطلب عملية تمكين للشباب ومنحهم الثقة الكاملة. التنظيم عليه ان لا يتردد في ان يمنح ويفسح المجال للرفاق والرفيقات الشباب، لأن يتسلموا مواقع المسؤولية ونحن نعتقد ان المسؤولية في المطاف الاخير هي عنصر اساسي في بناء الخبرة وبناء القدرات.

الحزب يجب ان تتسم بنيته الداخلية بالكثير من الفاعلية والرشاقة مع الحفاظ على المبادئ الرئيسية والعلاقة ما بين المركزية واللامركزية.

التكنولوجيا واستخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي توقف الحزب عندها كثيرا، التكنولوجيا ممكن ان تكون تحديا، وممكن ان تكون فرصة لاننا نعرف جيدا ان ما ينشر في وسائل التواصل في بعض الاحيان يتعارض مع الانضباط الحزبي ويتعارض مع خوض الحوارات في الأطر المنظمة لقواعد النقاش الداخلي، ولكن يجب ان لا يسود لدينا التخوف من هذا الموضوع، وهذا الامر نتعامل معه عن طريق رفع الوعي لدى اعضاء الحزب بكيفية خوض هذا الصراع وبالوقت نفسه ان يدخل الحزب هذا الميدان بصورة متزايدة ومتنامية.

نريد حكومة بلا محاصصات  

سؤال: هذه الايام هناك جدل واسع حول تشكيل الحكومة، ما هو موقف الحزب من الصراع الدائر حول تشكيل الحكومة، ومن مفهوم الاغلبية؟

جواب: تشكيل الحكومة هو الشغل الشاغل اليوم واحاديث عن ان تكون توافقية وتشاركية ومن يقول بالأغلبية الوطنية، فأي حكومة اليوم قادرة على ان تواجه المطالب الشعبية وتعالج مظاهر الأزمة بأبعادها المختلفة وايضا تترجم وتستجيب للرسالة التي بعثها شعبنا من خلال العملية الانتخابية وقبلها انتفاضة تشرين، وايضا مستوى التفاعل من دروس مستخلصة من فشل الحكومات المتعاقبة، والتي هي اساسا مرتبطة بنهج المحاصصة وتقاسم المصالح والتخادم. نلحظ ان في هذه العملية الجارية الان تركيزا على حل الاشكالات بين القوى المتنفذة ولا نجد هموم الناس هي محور الخلافات.

التغيير المطلوب اليوم هو التغيير في النهج والمنظومة السياسية، شخوصا ومنهجا وايضا في السياسات الاقتصادية والاجتماعية. لا شك ان هذا لا يمكن ان يتحقق في اطار حكومة يراد لها ان تشمل الجميع. في الحقيقة هي حكومة تخادم وغير قادرة على الاصلاح، وبالتالي مجرد تسيير الامور واعادة انتاج وتكرار تجربة الماضي. عندما نتحدث عن أغلبية سياسية بمعنى اغلبية مرتبطة بمشروع سياسي فيه بعد اصلاحي تغييري وهذا المشروع ينبغي ان ينفتح لقوى سياسية تنسجم مصالحها مع هذا المشروع. نعم، نتحدث عن اغلبية، لكن اي اغلبية؟ اغلبية مشروع سياسي وتحالفات لقوى ينبغي ان تكون مصالحها جادة في تبني هذا المشروع. وبالتالي هذه الاغلبية التي نتحدث عنها تصطدم بمعوقات ونحن نلاحظ ذلك اليوم. اذا اعتمدنا على المواقف المتبناة من دعاة الاغلبية ودعاة التوافق، نرى ان ليس هناك ارضية توافق، لكن هناك مستحقات قانونية ودستورية لاجل تشكيل الاغلبية والتي في اللحظة الاخيرة قد تدفع الى توافقات كما حصل في التجارب السابقة.

ثمانون في المائة من شعبنا غير ممثل في البرلمان الجديد 

هناك في مجلس النواب عدد غير قليل من النواب المستقلين ويطالبون بعدم اعادة نهج المحاصصة، قد لا يشكلون اغلبية، ولكن هم  ايضا قوة مؤثرة. نعتقد ان هذا الصراع حتى الان يتم ما بين القوى المتمثلة في البرلمان، لكن هناك ثمانون في المائة او اكثر من شعبنا ما بين مقاطع وما بين عازف غير ممثل. فما هو دورهم في هذه العملية هل هم حاضرون في النقاشات بشأن الحكومة ام هم مغيبون، لأنهم لا يمتلكون تمثيلا في البرلمان، هل الـ ١٨ في المائة هم من يحسمون امور البلد؟ هنا تأتي مسؤولية على القوى الموجودة حاليا في البرلمان، ويتوجب ان لا يغيب عنها. انها لديها عمق اذا كانت هي فعلا جادة في رفض نهج المحاصصة والذهاب نحو اغلبية بالمفهوم الذي ذكرناه، وعندها يكون لديها عمق سياسي وجماهيري من الممكن ان تنفتح عليه، وان تستند اليه ولا تستند فقط الى معادلات السلطة، وهذا ممكن ان يشكل عنصرا ضاغطا، ايضا القوى التي لا تملك تمثيلا في البرلمان، يجب الا تقف متفرجة، لذلك التصورات التي ذكرناها في الوثيقة السياسية ـ واذا أغنيت بمساهمات اخرى من قوى أخرى ـ نريد ان تتحول الى فعل سياسي وجماهيري مؤثر بما يشكل عنصرا من عناصر الضغط الذي يفرض نفسه على المفاوضات التي تجري ما بين القوى السياسية. 

الاذرع المسلحة تهديد جدي للديمقراطية 

اليوم نحن حريصون ان تبقى هذه الصراعات في الاطار السلمي وهذه مسألة مهمة لان الكثير من القوى المتصارعة تمتلك أذرعا مسلحة، ونحن سبق ان قلنا بأنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقة بوجود احزاب لديها أذرع مسلحة، وهو ما يتنافى مع الدستور وقانون الاحزاب، فاذا كان ثمة تهديد للديمقراطية الحقة فهو وجود هذه الظواهر، اضافة الى المال السياسي والذي يستخدم اليوم ليس فقط بافراط، وانما بدون حياء. هناك مظاهر شراء وبيع وصرف اموال هائلة لشراء مواقف، اذن البناء الديمقراطي اذا كان ثمة تهديد له فهو لا يأتي من القوى التي عزفت او قاطعت. اليوم هناك من يتحدث عن اعادة نفس الاليات التي اتبعت في تشكيل الحكومة الماضية، وهو لا يدرك او لا يريد ذلك، انه خلال هذه الفترة حدثت انتفاضة تشرين. 

اليوم المشهد السياسي ومتطلباته يقتضيان نمطا اخر، وبالتالي اعادة الماضي واعادة فرض آلياته واستخدامها لتشكيل حكومة جديدة. هذا يدخل في تناقض صارخ مع المطلوب وإرادة غالبية العراقيين، وان تم اعتماده ستكون نتيجته حكومة ضعيفة معزولة عن الشعب، وبالتالي تخلق حالة من عدم الاستقرار، وربما احتجاجات شعبية متصاعدة، لذلك نحن قلنا ان هذه الوجهة المطلوبة في الحكومة القادمة. هذه هي المواصفات المطلوبة؛ كلما اقتربوا منها يكون ذلك شيئا  إيجابيا. ونحن نحدد موقفنا في ضوء هذه المعطيات والاسس التي نراها ضرورية لمواجهة التحديات واخراج البلاد من أزماتها.