قدمت الحكومة والهيئات الرقابية واللجنة المشكلة للتصدي للفساد على عدد من الإجراءات في ملاحقة فاسدين وضبط عدد منهم بالجرم المشهود.

ورغم ان هذه الإجراءات طالت البعض ممن هم في مواقع المسؤولية التنفيذية، ومن كتل سياسية مختلفة، فان شعورا شعبيا عاما يؤشر ان ما حصل هو دون المطلوب، وانه لَم يرتق بعد الى حجم ظاهرة الفساد وتشعباتها وشمولها حيتانا كبيرة، حامت وتحوم حولها شبهات فساد، واشرت تقارير هيئات حكومية هدرها مليارات الدولارات.

والملاحظ ان هذه الإجراءات ظلت في حدود حالات معينة، ولَم تمتد لتشمل مختلف اشكال الفساد على تعدد تجلياتها ومظاهرها. وقد اشر حزبنا ذلك في وثائق عدة صدرت عنه، ومنها الوثيقة الصادرة عن المكتب السياسي للحزب في ٢١ايلول٢٠٢٠، وكان مما جاء فيها :

إن من غير الممكن حصر الفساد في شكل محدد أو مظهر معين، فقد بات تمظهره، بما يعنيه من «إساءة استخدام السلطة لتحقيق مصالح ومكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة»، في انحرافات واختلاسات واحتكار ورشوة وتربح وإهدار للمال العام، يشكل ظاهرة متفشية في بلادنا على صعيدي الدولة والمجتمع، وتهديدا جديا وخطيرا للبلاد واستقرارها السياسي والاجتماعي.

وأشارت الوثيقة إلى عدد من تلك المظاهر، ومنها:

1- شيوع ظاهرة الغنى الفاحش والمفاجئ للنخبة المتنفذة، وارتفاع المستوى المالي لبعض الأشخاص بطريقة كبيرة وغير منتظرة، دون وجود أسباب واضحة لذلك. وهناك أرقام ووقائع فساد مفزعة تخص كبار المسؤولين في دولة النفوذ والتحكم بالثروة، القائمة على التحازب والمحاصصة الطائفية الإثنية.

2- المحسوبية والمنسوبية: منح الوظائف المهمة لأقارب المتنفذين وأتباعهم، واعتماد الولاء في شغل الوظائف والمناصب بديلاً عن معيار المواطنة والخبرة والكفاءة والنزاهة.

3-  غياب مبدأ تكافؤ الفرص في شغل الوظائف العامة.

4-  شيوع ظاهرة الرشوة التي صارت تبدو واحدا من «المستمسكات» المطلوبة في أية معاملة.

5- ظاهرة بيع الوظائف الحكومية، ابتداء من الوظيفة البسيطة وصولا في بعض الأحيان إلى منصب الوزير.

6- المحاباة: وهي تتجلى في تقديم خدمة لطرف ما بغير وجه حق.

7- نهب أموال الدولة: الاستحواذ عليها بدون وجه حق وتحت مسميات عديدة.

8- غسيل الأموال: إخفاء المصدر غير القانوني للأموال، وإضفاء الشرعية عليها عبر إدخالها في مشاريع اقتصادية متنوعة.

9- انتشار ظاهرة الابتزاز التي يقوم بها بعض النواب والهيئات، بدعوى ممارسة الرقابة.

10-  استغلال المنصب لتحقيق مكاسب مادية شخصية على حساب المصلحة العامة. وغياب مبدأ تكافؤ الفرص في الأشغال العامة.

11-  بيع ممتلكات الدولة لتحقيق مكاسب خاصة لبعض الأشخاص والشركات.

12- شيوع شكل آخر لظاهرة الابتزاز باستخدام البيروقراطية والتعقيدات الحكومية.

13- الفساد في ميدان العقود والمشاريع الحكومية في المجالات المختلفة.

14- الفساد المرتبط بالجهات الأجنبية، دولا وشركات واشخاصا في تنفيذ العقود وتهريب العملة وصفقات الغش والتحايل، وفي غسيل الأموال وتهريب المخدرات وغيرها.

15- التزوير وكل ما يخص تزييف الشهادات والوثائق والكتب الرسمية.

16- سوء التخطيط للمشاريع، الذي يعكس تقصيرا متعمدا مسبقا غايته الكسب غير المشروع. وتتجلى شواهد ذلك في تراكم المئات من المشاريع المعطلة أو الوهمية لدى وزارة التخطيط.

17- التفاوت في الأجور والمخصصات، الناجم عن وجود مستويات عدة لتصنيف العاملين في مؤسسات الدولة ووزاراتها. فهناك أجهزة الدرجة الأولى، وأجهزة سيادية، ودرجات وظيفية خاصة، وأخرى متوسطة، وثالثة متدنية تضم النسبة الغالبة من الموظفين.

ويمكن إضافة اشكال أخرى، منها ما تقوم به مليشيات مسلحة، وقوى تمتشق السلاح وتهدد به لتمارس ابتزازا وفرض اتاوات.

هذه المظاهر وغيرها هي مما يتوجب ان تصل اليه يد النزاهة والقضاء، والاقتصاص من الفاعلين الذين ترتقي أفعالهم الى مصاف الجرائم المرتكبة بحق الشعب والوطن.

ومن جانب آخر يفترض عدم تسييس مكافحة الفساد او إعطائها بعدا غير عادي، فالفاسد فاسد مهما كانت قوميته او دينه او طائفته او مذهبه او مركزه الاجتماعي والسياسي، يتوجب التصدي له بجرأة وإرادة سياسية حازمة، وسد الثغرات التي يستغلها هو وحماته للافلات من الجزاء العادل. 

ان اثارة الشكوك حول إجراءات مكافحة الفساد تعني حماية هؤلاء الفاسدين وتوفير المناخات لاستمرارهم في النهب والسرقة، فيما يتطلب الامر مزيدا من التدقيق والتمحيص والحرص على ان تطال يد العدالة جميع المتورطين فيه.