حسم المرسوم الجمهوري الصادر اخيرا الجدل حول تاريخ اجراء الانتخابات النيابية المبكرة، بتحديده يوم ١٠ تشرين الأول 2021 موعدا لها. وسبق ذلك اتخاذ مجلس النواب قرارا بحل نفسه قبل ثلاثة أيام من التاريخ المذكور.
وقد اعطى هذان الإجراءان دفعة جديدة للحراك السياسي المرتبط بالتحضير للانتخابات، التي تكتسب أهمية كبيرة في الظروف الراهنة بالنظر الى ما يمر به البلد من أزمات، والى التطلع المتزايد لإيجاد مخارج لحالة الاستعصاء السياسي والاحتقان الاجتماعي، ولمباشرة عملية التغيير المنشود .
فقد شهدت الأيام الماضية دعوات الى لقاءات واصطفافات، بعضها قديم يريد ارتداء لباس جديد مع التمسك بالنمط والمنهج ذاتهما وبالمحاصصة، وبعض اخذ يدرك الحاجة الى تحريك الأمور تحت عناوين مختلفة مثل تجميع قوى الاعتدال، الكتل العابرة للطوائف، بناء الدولة واستعادة هيبتها او ما بات يعرف بقوى الدولة مقابل قوى اللادولة.
ولا شك ان هذه العناوين ومثيلاتها تعكس اقترابا من تشخيص موضوعي للواقع، وسعيا الى التعامل معه. كما تعكس ادراكا لخطورة استمرار التدهور على مختلف الصعد، وبقاء بلادنا ساحة تنافس بين قوى إقليمية ودولية، فيما المطلوب هو النأي بها بعيدا عن اتون صراعات لا ناقة لشعبنا فيها ولا جمل.
صحيح ان حالة المراجعة هذه كانت مطلوبة منذ زمن، وهي تعد مؤشرا إيجابيا، ولكن على القوى ذات العلاقة ان تفعل الكثير والكثير لتضييق الهوة التي تفصل بينها، وبضمنها من هم في مركز القرار، وبين المواطنين الذين لم يتلمسوا منهم إجراءات جدية تؤشر اختلافا في التوجه. بل ان بعض توجهاتهم لا سيما الاقتصادية والاجتماعية هي موضع تساؤل.
كما يبقى موضع تساؤل مدى قدرة القوى ذاتها على تحقيق ما يقترب من مطامح الناس، وهي التي جُرّبت حين كانت في مركز القرار وما زالت، ولَم يرتفع لها صوت قوي في الدفاع عن قضايا الناس وهمومهم. ولا في الوقوف مع المنتفضين بصلابة وإدانة ما تعرضوا له من قمع وقتل واضطهاد، وتجسيد موقف كهذا في خطوات عملية، كالتي اقدم عليها النائبان الشيوعيان بالاستقالة من مجلس النواب تضامنا مع المنتفضين، التي تبعتها استقالة الشيوعيين أعضاء مجالس المحافظات ايضا وغيرهم في مواقع أخرى.
ان ما يحصل ليس بالتأكيد بعيدا عما افرزه الحراك الاحتجاجي والجماهيري وانتفاضة تشرين ٢٠١٩ ، وقد اكدنا مرارا ان ما بعد الانتفاضة لن يكون كما قبلها، فقد جرت مياه كثيرة وبرزت معطيات وحقائق جديدة.
ان حالة الفرز الجارية في مواقف مختلف القوى، وان كانت لا تزال متواصلة، تؤشر الى إمكانية بناء اصطفافات واسعة، شعبية وسياسية ساعية الى التغيير والى الحاق هزيمة بمنظومة المحاصصة والفساد.
وتلعب وحدة عمل قوى التغيير الجذرية، المجرَّبة والمعروفة بانحيازها الى مصالح الناس وعدم المساومة عليها في اي حال من الاحوال، وبالذات القوى المدنية الديمقراطية حاملة المشروع الوطني الديمقراطي، البديل لمنظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد، دورا مسرعا في تحقيق ذلك.
ويبقى مطلوبا في هذا السياق المزيد من تصعيد الضغط الجماهيري وزيادة زخمه، لفرض التراجع والتقهقر على قوى الهيمنة والمال والسلاح والفساد، وتدشين مرحلة جديدة على طريق تحقيق المشروع المذكور، الوطني الديمقراطي، الذي يؤمّن بناء دولة المؤسسات والقانون الحقة، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.