منذ  مدة غير قصيرة ونحن نكرر ان بقاء الحال من المحال، وان المواطن لم يعد بمقدوره  تحمل فاتورة الفشل الكبير للأقلية الحاكمة، التي هي بدورها لم تعد تستطيع الحكم وإدارة أمور البلد على وفق المنهج والنمط والسلوك ذاته، الذي سارت عليه منذ عام ٢٠٠٣ حتى الان، والذي لا تخفى نتائجه على احد.

ولقد تضاعف وزر فاتورة منظومة الحكم الفاشلة في سنة ٢٠٢٠ التي نودعها، حيث تركت للعام القادم الجديد حملا ثقيلا، ليس فقط جراء تفشي جائحة كورونا التي نتطلع الى الخلاص منها في اقرب وقت، ولا جراء انخفاض عائدات النفط الخام المصدر فحسب، بل نتيجة لحالة فشل متراكم، يشمل المنهج ومن يقف وراءه ويتشبث به حتى اللحظة وكأنه بقرة حلوب، وعلى حساب  جوع ومرض وفقر الملايين الذين ارتفعت نسبتهم الى ٣٤ في المائة كما تقول مصادر رسمية.

هذا الفشل ليس جزئيا، يتعلق بهذا الجانب او ذاك، في هذا القطاع او غيره،  بل هو يتجسد  في ازمة عامة بنيوية شاملة مرتبطة بالبناء المحاصصي الطائفي – الاثني، وبتفشي الطائفية السياسية والفساد. وقد فاقم هذه الظواهر القاتلة حال اللادولة، وشلل مؤسسات الدولة، وضعف قوة القانون، وفوضى السلاح المنفلت، وتعمق العواقب السلبية للاعتماد على الريع النفطي،  والإهمال المتعمد لتنمية الاقتصاد الوطني وخاصة قطاعاته المنتجة، الصناعية والزراعية.

انها ازمة  عميقة واسعة ومركبة، كما يتفق الكثيرون على توصيفها، ولا يمكن  تصور  إمكانية الخروج منها باستخدام الأدوات ذاتها التي حكمت البلد وادارته، فاستحقت شهادة الفشل بامتياز. وان أي مسعى لمواصلة السير بهذا التوجه، لن يعني ببساطة الا تدوير الازمة وإطالة امدها ومفاقمة تداعياتها، ومضاعفة معاناة الشعب التي هي بدورها  تشعبت كثيرا وراحت تلقي باعبائها على قطاعات واسعة من المواطنين. ولَم يعد بمنأى عنها الا القلة المتخمة المرفهة، التي تمتلك المال والقرار السياسي والاقتصاد، والمتماهية مع السلاح المنفلت.

ويخطئ كثيرا من يظن انها ازمة علاقات سياسية عامة بين الكتل والأطراف  السياسية، وان توافقات جديدة  في ما بينها يمكن ان ترسم خارطة توازنات محدثة لتقاسم الحصص والمغانم والمناصب، او انها ناجمة عن تدخلات خارجية، على أهمية ذلك وتاثيراته السلبية. فهي كل هذا وغيره، وأسّها هو نظام المحاصصة المقيت.

فاي عملية جدية  للخروج ببلدنا الى برّ الأمان والاستقرار، وفتح الطريق لمعالجة ما تراكم من خطايا واخطاء، لابد ان يلامس الأسّ، والا فلن يكون سوى هروب الى  الامام من استحقاق التغيير الشامل، الذي هو الأداة وطوق النجاة لإنقاذ بلدنا مما هو فيه من سوء على مختلف الصعد، ولا ينافسنا فيه الا دول معدودة، فيما تتوفر في بلدنا كل مقومات النهوض والرقي وبناء دولة عصرية يكون الانسان فيها أثمن راسمال، دولة مدنية تبنى على قاعدة الديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.

 وان إمكانية الوصول الى ذلك لن تتحقق من دون مساهمة فاعلة نشطة للملايين من المواطنين، المكتوين بنار الازمات المتناسلة. فالجماهير هي من تجترح المعجزات والمآثر، وطريق إسهامها هو الطريق المجرب والمضمون.