اجرى المركز الاعلامي للحزب الشيوعي العراقي، الخميس الماضي (24 - 12 - 2020)، ضمن سلسلة (يحدث في العراق) حوارا مع الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب، تناول فيه الازمتين؛ الاقتصادية والمالية اللتين تواجهان البلد.
واستعرض الرفيق فهمي في الحوار الذي جرى بثه على صفحة الحزب الرسمية، جذور الأزمتين واسبابهما، وما يتطلب القيام به للحد من تفاقم الوضع وانعكاساته التي أضرت بالمواطنين والفقراء والكادحين منهم على وجه الخصوص. كذلك بيّن سبل الخروج من الازمة والبدائل التي يتبناها الحزب.
واعماما للفائدة تعيد (طريق الشعب) نشر ما دار في الحوار:

المركز: شخّص الحزب اسباب الازمتين الاقتصادية والمالية، واستقرأ مبكرا ما يحدث حاليا. نحن الان أمام ارتفاع بالأسعار واستقطاع لرواتب الموظفين والعاملين في الدولة، رافقه خفض مفاجئ لقيمة الدينار، كيف تنظرون إلى ما يجري؟

رائد فهمي: في البداية اتقدم بالتهنئة لأبناء شعبنا من المسيحيات والمسيحيين لمناسبة اعياد الميلاد، متمنيا لهم ولعموم العراقيين الامن والسعادة.
إن الإجراءات المتخذة تضمنت رفع سعر صرف الدولار، وتخفيض الرواتب والتعديل عليها والزيادة في الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات، وهي لم تأت صدفة، وانما جاءت كمحصلة تراكمات لمنهج سياسي واقتصادي أفضى لهذه الأزمة. كما لاحظنا خلال السنوات الماضية، حصول تراجع كبير في مستوى الانشطة الانتاجية، والاعتماد المتزايد على العوائد النفطية وتنامي الريع النفطي وعدم توجيهه لتنمية القدرات الانتاجية ورفع المستوى المعيشي. بينما استشرى الفساد بوتائر عالية. ولم تتم مراقبة المشاريع الوهمية والفاشلة التي لم تنجز رغم تخصيص موازنات انفجارية. كما كان يشمل الفساد ونهب المال العام، التخصيصات المتضخمة للموازنات التشغيلية.
إن ابرز , اهم اسباب هذا الواقع، هو الصراع على المواقع والنفوذ. فكل طرف متنفذ يتولى وزارة، أو عدة وزارات، يحاول الاستحواذ عليها وعلى مواردها ويكثف وجود انصاره فيها لتعزيز جماهيريته. وبالتالي شهدنا تضخما في جهاز الدولة رافقه تضخم في التخصيصات والموازنات الوزارية من دون جدوى.
لقد قلنا مبكرا ان التضخم في النفقات والرواتب والاجور والبذخ الكبير من دون نتيجة ، هو نمط غير قابل للاستدامة، وأن الدولة ستواجه أزمة عاجلا أم اجلا. وجاءت ازمة كورونا وانخفاض اسعار النفط عالميا لتظهر نتائج هذا النهج الفاشل وتفجر الأزمة الخانقة التي تواجهها البلاد.
وفي مواجهة هذه الأزمة، اتخذت الحكومة إجراءات، تحمّل المواطنون وزرها، ومن شأنها الحاق الضرر بالفقراء وتزيد من نسبة الفقر التي ارتفعت بدرجة كبيرة، ( بلغت نسبة من هم تحت خط الفقر 34 في المائة حسب آخر التقديرات الرسمية).

الشباب لا يجد سوى البطالة

المركز: ما تعليقكم على تمسك الحكومة والجهات المسيطرة على القرارين المالي والاقتصادي بالريع النفطي، واهمال تنويع مصادر الدخل كالزراعة والصناعة.

رائد فهمي: نهج القوى المتنفذة في الدولة وطبيعة مصالحها يتعارض مع متطلبات التنمية وتنويع مصادر الدخل. فقد شهدنا خلال السنوات الماضية أن الكثير منهم استحوذ على موارد الدولة عبر التمتع بامتيازات باذخة كالأجور والرواتب والمخصصات وغيرها من الامتيازات غير العادلة، فيما اصبح الفساد بسببهم شبه مشرعن، بواسطة لجانهم الاقتصادية. فكان الجزء الأعظم من الموازنات الاستثمارية يذهب الى مشاريع تنفذها شركات ومقاولون مرتبطة بمصالحهم. كما لم تسلم ايضا من سطوتهم الموازنات التشغيلية من خلال المبالغات التخمينية والالتفاف على الجزء الرأسمالي منها.
لاحظنا كحزب وشخصنا منذ البداية آثار وتداعيات هذه السياسات، التي ترعى توجهاتها الانشطة غير المنتجة، ونبهنا إلى أضرارها، الا ان الفساد استمر، وتم هدر الاموال المخصصة لتطوير البنى التحتية والطرق والجسور والكهرباء والمجاري والمياه وغيرها من المجالات الضرورية في النشاط الاقتصادي والتي تساعد على نهوض الزراعة والصناعة.
وبالنسبة لمشكلة الكهرباء واستمرارها، فمعروف أن ترديها يعرقل أي نشاط انتاجي يخطط له. وحتى في حال عولج ملف الكهرباء، فالمنشآت الصناعية تواجه مشاكل ومعوقات عديدة أخرى تضعف قدراتها وترفع من تكاليف الانتاج، كعدم تحديث المكائن والالات التي تعتمد عليها. كما اعتمدت الدولة بعد 2003 سياسة الانفتاح واطلاق حرية التجارة بدون ضوابط عبر الاستيراد غير المنظم، واصبحت رؤوس الأموال تتنقل بحرية تامة من دون اية ضوابط، ما ادى إلى انحسار المنتج المحلي لصالح السلع المستوردة.
وكما تعرضت الصناعة المحلية للتخريب فالزراعة ايضا انهكت بناها التحتية وأصبحت تكاليف الانتاج باهظة فيها، ما افقد قدرتها على منافسة المنتجات المستوردة التي زادت بشكل هائل وغزت السوق المحلي.
وفيما يتعلق بعوائد النفط التي تذهب الى الموازنة بشقيها التشغيلي والاستثماري، فيجري تبديدها والالتفاف عليها ونهبها. وبسبب ذلك أصبحت البنية الاقتصادية تعتمد أكثر فأكثر على التجارة والانشطة الخدمية التي لا تساهم في بناء قاعدة انتاجية لتعزيز عملية التنمية، كما أنها لا تخلق فرص عمل حقيقية جديدة، فيما ينمو السكان بمعدلات مرتفعة اذ يرتفع عدد السكان بما يقارب المليون نسمة سنويا.
وما يزيد الامر تعقيدا، إن ما يقارب الـ 250 – 300 ألف خريج يدخلون الى سوق العمل سنويا، ولا يجدون سوى البطالة، لان التوظيف في الدولة، إضافة الى كونه محدوداً وغير منتج، فان مشاكل عدة تصاحبه لجهة انعدام المعايير والضوابط وتفشي المحسوبية. والقطاع الخاص يعاني من واقع مرير ايضا.
اما الشركات العراقية الكبيرة فتعتمد على المقاولات مع الدولة، والكثير من هذه الشركات لم تنفذ التزاماتها لأسباب ذاتية، أو اخرى تتعلق بالروتين والفساد والابتزاز الموجود. مع الاخذ بنظر الاعتبار ان البيئة العامة للاستثمار الخارجي والتي يجرى التلميح بوجود امكانية الاعتماد عليها، فهي ضعيفة، ولم تنج من مظاهر الفساد والابتزاز هي الاخرى، فضلا عن تردي الوضع الأمني. فكل هذه عوامل شلت البلد اكثر فاكثر، ويصبح اقتصاده استهلاكيا معتمدا كليا على الإيرادات النفطية.
ان احد مظاهر الفساد الحالي ونتائجه، هو مراكمة الثروات عبر استحواذ فئات متنفذة على حصة كبيرة من الدخل النفطي فهناك جهات تقتطع بطرق مختلفة من خلال تحكمها بالسلطة واستغلالها لمصالحها نسبة كبيرة من هذا الريع. واصبح التمايز نتيجة لذلك، واضحا في الدخل والثروة. ونشأت فئة من كبار التجار والمقاولين واصحاب الثروات تتحكم في القطاعين المالي والمصرفي والقطاع التجاري. فصار لدينا اقتصاد تسيطر عليه مجاميع متنفذة داخل مفاصل الدولة والاقتصاد وتعكس ترابطا وتخادما بين القوى السياسية المتنفذة واصحاب المال، ويشمل ايضا بعض الجماعات المسلحة، ما يؤشر نشوء حالة من حكم الأقلية. وما نشهده من رفض شعبي واسع لمنظومة المحاصصة والفساد هو ترجمة سياسية لهذه الفجوة بين الماسكين بالسلطات وعموم الشعب.

المنافذ خارج السيطرة

المركز: الحكومة وعدت في برنامجها باتخاذ اجراءات عديدة، مثل مساعدة المواطنين في ازمة كورونا وانخفاض سعر النفط، فضلا عن ضبط المنافذ الحدودية. فهل حققت الحكومة ما وعدت به خلال هذه الفترة؟

رائد فهمي: اذا نظرنا الى مشروع موازنة 2021 الذي نشر في الاعلام، فسنرى ان حصة الايرادات غير النفطية زادت 7 ترليون دينار فقط عن عام 2019، وقسم من هذه الزيادة قد يأتي من الضرائب والمنافذ وبعض المنشآت الصناعية وعقود شركات الهاتف النقال؛ اشتراكاتهم واجازاتهم. هذا عمل بسيط جدا ونحن نتحدث عن استيرادات قد تبلغ قيمتها 50 مليار دولار. هناك الكثير من المنافذ ما زالت خارج السيطرة وايراداتها ليست كلها للدولة، وهي تغرق الاسواق بمحاصيل يقول العراق انه مكتفٍ ذاتيا منها. وهذا مثال على عدم حسم هذا الملف بسبب سيطرة جهات سياسية عليه من المناطق الجنوبية، وحتى الشمالية، ويحصل كذلك التهريب على اختلاف انواعه.
أما الضريبة، فعندما طبقت لم تنل سوى من الموظفين، أما الضريبة على غير الموظفين، مثل الضريبة العقارية وضريبة العاملين خارج اطار الدولة في التجارة والانشطة المهنية، فقد بقيت محدودة. والمعلومات تقول ان الدولة لا تملك وسيلة للحصول على هذه الايرادات وهذا تقصير واضح جدا. في حين يطال الفساد أنشطة تجارية من خلال التخمينات والرشى والعلاقات الشخصية.
من جانب اخر فإن التقنيات الضريبية ما زالت يدوية وفيها خلل كبير. والأمر كذلك بالنسبة للكمارك والمنافذ الحدودية وغيرها. وضبط كل هذه الأمور لا يمكن ن يتم بدون الاتمتة، التي وردت ضمن توجهات الحكومة.
اما المفاصل الاخرى ذات العلاقة بالسياسة الاقتصادية، فعملت الدولة مثلا على تنشيط الزراعة عبر المبادرة الزراعية وخصصت اموالا لذلك، ولكن عند التدقيق بآلية صرف هذه الاموال نرى ان جزءا قليلا صرف لتنشيط القطاع الزراعي واهدر الباقي بسبب الفساد. وفي الصناعة، تدفع الرواتب لسنوات طويلة للعاملين في شركات قطاع الدولة،وهم لا يعملون، ولا يتم تأهيل الانتاج. وحتى الشركات والمصانع التي جرى تأهيلها في السنوات الأخيرة، واجهت مشاكل تصريف منتجاتها التي تفضل الوزارات والحكومة منتجات دولة اخرى عليها، بسبب السفرات والعمولات والفساد.
إن كل هذه العوامل التي ذكرت وغيرها تصطدم بها أي ارادة سياسية ترغب في بناء الاقتصاد، لان ذلك يتناقض مع مصالح قوى المحاصصة ذات الاذرع المختلفة التي تهيمن على الكثير من مفاصل الدولة. لذلك نقول ان المشكلة بنيوية فهي ليست تتعلق فقط بتوفر الارادة السياسية.

انخفاض في المبالغ المخصصة للبطاقة التموينية

المركز: ما تقديراتكم حول موازنة 2021، وهل الحكومة قادرة على تنفيذ ورقتها البيضاء طويلة الأمد، وهي حكومة مؤقتة؟

رائد فهمي: الموازنة كما سربت، هي الاكبر في تاريخ العراق بمبلغ يقدر بحوالي 150 تريليون. بينما الجزء المخصص للاستثمار لا يتعدى 8.5 ترليون، أي حوالي 6 مليار دولار. وعدد العاملين والموظفين بحسب الموازنة وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين ومائتي ألف موظف، في حين كان عددهم 2 مليون و900 الف عام 2019. وهذا يعني ان الحكومة واثناء حديثها عن ضغط النفقات وتقليص الالتزامات استجابة لانخفاض الايراد النفطي، تذهب بحجم الانفاق نحو القمة، وتزيد عدد العاملين في الدولة ما عدا العقود طبعا.
وعندما نحلل مفردات الموازنة، نلاحظ ان القطاعات الامنية تأخذ الحصة الاكبر، بما يعدل تقريبا 18 ترليون دينار. في حين ان قطاع الصحة يخصص له 3.5 ترليون
دينار، والتعليم والتربية مجتمعتان ما يعدل 4.5 ترليون دينار.
ان المبالغ المخصصة في الموازنة للتخفيف من تداعيات سعر الصرف وارتفاع الاسعار جزء منها يتعلق بزيادة مخصصات الرعاية الاجتماعية ولكن نلاحظ بالمقابل تقليل تخصيصات البطاقة التموينية.
المبلغ المخصص في البطاقة التموينية الذي بلغ ترليوناً وخمسمائة مليار دينار في عام 2019 انخفض الى 795 مليار دينار في عام 2021، اي بنسبة انخفاض تقدر بـ 48 في المائة. واذا اعتمدنا اسعار الصرف الحالية لوجدنا الانخفاض بالدولار يبلغ 57 في المائة.
وضمن الاجراءات المقترحة في الموازنة: زيادة في الرسوم والضرائب غير المباشرة على الوقود والهاتف النقال و 10 في المائة كضريبة مبيعات على عدد من الخدمات الاساسية. هذه الزيادة تشمل جميع المواطنين وهذا سيكون عبئا على ذوي الدخل الواطئ والمحدود اكثر من الدخول العالية، لان نسبة ثابتة فرضت على الجميع ما تشكل عبئا أكبر على ذوي الدخل الأضعف.
بمعنى ان الحكومة لجأت الى اجراءات ضريبية غير عادلة وشاملة، والمواطن سيتاثر بها وهناك ايضاً تعديلات على الرواتب، كما سيتعرض المواطن الى تداعيات انخفاض سعر الدينار وارتفاع معدلات التضخم وهو نوع من انواع الضريبة تسمى ضريبة التضخم.. علما ان هذا سيولد كسادا بالنشاط الاقتصادي ويقلل من الطلب، ما قد ينعكس سلبا على العمالة.

يتوجب ان لا تمر الموازنة من دون تعديلات جوهرية

نحن امام مسلسل من التداعيات كان على الحكومة معالجتها عند التفكير بمعالجة سعر الصرف، ليكون من خلال حزمة اجراءات تخفف العبء على المواطنين. لم تكن الحكومة مرغمة على القيام بكل هذه الاجراءات في وقت واحد، لان تخفيض سعر الصرف كبير جدا بمعدل 23 ونصف في المائة. وكان يمكن تقليل المعدل، والامر الاخر كان يفترض ان تتحدد السياسة المالية بشكل افضل وأن تشتمل على إجراءات تدعو الى تنشيط القطاعات الاقتصادية الانتاجية لخلق فرص عمل.
مبررات الحكومة بان هذا القرار يدعم المنتج الصناعي لكونه يرفع من أسعار المنتج المستورد، نتساءل هنا عن اي منتج صناعي متوفر حاليا للتصدير ؟ نحن لم نصل الى هذا المستوى من القدرة الصناعية، والان نحن مطالبون بتغطية السوق المحلية، ولأجل أن تتمكن الصناعة من تلبية هذه الحاجة، تعترضها جملة من العقبات، منها العقبات الادارية والفساد وتقادم الخطوط الانتاجية التي تحتاج إلى تحديث. ولا بد أن تكون عملية تحديثها عبر شراء اجهزة ومكائن مستوردة، وبالتالي فسعر الصرف سيلعب دورا معيقا لأنه سيرفع من كلفة هذه المكائن، وكذلك الأمر في حالة الانتاج الزراعي نلاحظ ان الاسمدة والاغطية البلاستيكية فان الكثير منها، ومن المواد الاولية مستوردة.. نحن لا نملك انتاجاً محلياً صافياً من مواد اولية وغيرها التي يتم استيرادها.
الحكومة عندما أقدمت على هذه الخطوات كان عليها ان تكّون لها صورة كاملة وتفصيلية عن التداعيات.رئيس الوزراء قال “حمينا ذوي الدخل الضعيف وحتى الشرائح المتوسطة” مستندا الى ان الاستقطاعات لا تشمل من راتبه اقل من 500 الف دينار شهريا. وهل من راتبه اعلى لا يعد من الفئات الوسطى؟ ولا يتأثر ذوو الدخل الضعيف بالغلاء وانخفاض القدرة الشرائية بسبب خفض سعر صرف الدينار؟.
اذن الحديث عن عدم التأثر غير صحيح لان الاجراءات شملت جميع المواطنين ولكن من لديه دخل ضعيف لا يقدر على التحمل، ومن لديه ايرادات اكبر هو قادر. لذلك تاثير الازمة سيكون كبيرا جدا على المواطنين من ذوي الدخل المحدود والفقراء والكادحين.
لذا يتوجب ان لا تمر الموازنة دون تعديلات جوهرية، وإلا سنذهب الى واقع مأزوم وصعب جدا.

غياب دور البنك المركزي

المركز: انتقادات واسعة للسياسة المالية ومزاد بيع العملة، وحصر عملياته ببنوك ومصارف معينة. باعتقادكم ومع اختلاف اسعار الدينار كيف سيكون الوضع، وما هي المعالجات المقترحة لذلك؟

رائد فهمي: وجود نافذة بيع العملة مبرر لتوفير العملة الصعبة، باعتبار ان الدولة هي من تأتي بها عبر بيع النفط لان القطاع الخاص لا يولد عملة صعبة ولا توجد انشطة تصديرية تأتي بها.. الحكومة يجب ان تستجيب لتغطية حاجة السوق والاستيراد او من يسافر لاسباب مختلفة وغيرها من الاحتياجات. في بلدان اخرى يتم ذلك عبر البنوك التجارية.الاشكالية الكبرى ان بيع العملة في هذا المزاد يحدد بعدد من المصارف التي يجب ان تكون مؤهلة ومجازة لتشتري العملة من البنك المركزي، وعادة تشتريه بسعر منخفض وتعيد بيعه للسوق بفرق كبير. ان استخدام هذا الفرق يحقق ملايين الدولارات وهو وسيلة للفساد والاثراء السريع. ان تهريب العملة يتم عبر الفواتير التجارية غير الحقيقية، فالاستيراد مثلا بمليون دولار يكون مقابله فواتير بـ 3 ملايين، أي ان مليونين بدون سلع داخلة مقابلها بسبب منظومات الفساد والجهات الخارجية. نعم، يمكن ضبط هذا المال مثلا عبر الاعتمادات والتحويلات. وقضية من هو مؤهل من المصارف يجب تحديدها ليتم اعتماد المصارف بعيدا عن “احتكار البيت”. السؤال هنا لماذا لا تستفيد الدولة نفسها من هذه العملية؟
هذه كلها مجالات للاثراء السريع وعدم ضبط حركة رؤوس الاموال، ومجالات اخرى ايضا تستغل كمنفذ لاغراض سياسية، ويقال ان هذا موجود وموضع صراع بين البنوك المرتبطة بجهات سياسية بصورة مباشرة او غير مباشرة.
ان هذا الميدان بحاجة الى مراجعة وتدقيق وضبط. والبنوك نفسها اساءت استخدام الاموال ولم تتحمل كثيرا المخاطرة بتمويل الانشطة الانتاجية بل كان الكثير منها يعتمد على الصيرفة اكثر مما هي بنوك حقيقية تنشط الاقتصاد، وبعضها متورط في قروض لا سند لها وبعضها انهار وهذا ناجم عن ضغف رقابة البنك المركزي. الجهاز المصرفي فيه اشكالات كثيرة، إن انخفاض سعر الدينار ادى الى ان تستخدم المكاتب نفوذها لاغراض المضاربات. ونلاحظ حتى في هذا الجانب وجود جهات احتكارية تؤثر على كمية العرض والطلب.
الاثار المباشرة حسب الارقام التي وردتني بان الطلب على الدولار قل.
البنك المركزي عمليا غاب دوره ومنذ فترة خضع كليا لمتطلبات الحكومة بدون ان يمارس دوره في تحديد سعر الصرف، واعترف محافظ البنك ان سعر الصرف لم يأت بمقترح منه، وانما هو مقترح حكومي علما انه مسؤول عن رسم السياسة النقدية.
يفترض ان يكون البنك فعالا. يذكر ان خدمة الدين اليوم حتى في موازنة 2021 تبلغ اكثر من عشرة ترليون دينار وهذا العبء سيتضاعف.

أين مجلس الخدمة الاتحادي؟

المركز: الحزب قدم مقترحات للخروج من الازمة، على رأسها الابتعاد عن ذات النهج الذي اشرتم اليه، كيف تلخصون ذلك؟

رائد فهمي: قلنا كحزب ان الموازنات في بنيتها تحتاج الى اعادة هيكلة ويجب النظر الى البعدين الاقتصادي والاجتماعي ومن يتحمل الأعباء. وتكون المعالجات عبر حزمة من الاجراءات المترابطة وليست مجتزئة. فاذا تحدثنا عن السياسة المالية نعتقد ان ضغط النفقات شيء مهم. وميادين الضغط عديدة قسم منها يبدو غير واضح المعالم، فاحيانا نرى مشروعاً يكلف 50 مليون دينار ويقدمون بشأنه ارقاماً اكبر.. ان الكثير من التخمينات في الخدمات التشغيلية فيها مبالغة.هناك امكانيات حقيقية للضغط، و بموازاة ذلك تتوجب إعادة توزيع الاولويات في مسألة التخصيصات، ولا ينبغي ترك الخدمات الاساسية مثل الصحة والتعليم والصناعة والزراعة التي لا تحتل الأولوية في الموازنات.. والى جانب ذلك نعتقد ان عدداً كبيرا من الموظفين عاطلون ليس لانهم كسالى ولا يرغبون وانما المشاريع لا تعمل وشركات الدولة غير فاعلة، لذلك لا بد من استراتيجية علمية لتفعيل هذا الرصيد من اليد العاملة.. والمحاصصة لعبت سلبيا في توزيع الوظائف. اشار الحزب ايضا الى المخصصات وضرورة مراجعتها فهناك عدم توازن فيها، اضافة الى سلم الرواتب ومخصصات الرئاسات. كذلك هناك تفاوت كبير بين الوزارات.
ومن ضمن ما اشرنا إليه هو مجلس الخدمة الاتحادي الذي جرى تشكيله واهمية قيامه بواجبه وأداء مهماته. اضافة الى مراجعة المخصصات بما يؤمن الكفاءة والنزاهة والتوجه الى الاتمتة وعملية الحوكمة الالكترونية التي اصبحت ملحة وشكلاً من اشكال مكافحة الفساد لتسريع وتقليل الروتين الذي اطاح بالعديد من المشاريع منذ عام 2010.
اما السياسة النقدية فاذا كانت الحكومة تريد تخفيض قيمة الدينار فكان عليها فعل ذلك تدريجيا، وان يجري ضبط الائتمان وتوجيه الانشطة الانتاجية وقطع الطريق امام المضاربات ومراجعة وضع البنوك والمصارف الوهمية الخاضعة لجهات تحوم حولها الشبهات. وكذلك الاهتمام باوضاع الناس وان تولى البطاقة التموينية اهتماما اكبر، فسابقا كانت تعطى 4 مليارات دولار للبطاقة، اما الان فهي بحدود 500 مليون دولار فقط، وجزء منها يذهب كمصاريف، علما ان عدد موادها قليل والفساد متفشٍ فيها . هذا يحتاج ادارة حقيقية، وهو أحد اسبابه الفساد طبعا.

نحو ضمان اجتماعي وصحي شاملين

الحماية الاجتماعية لا بد ان تتطور عبر قانون الضمان الاجتماعي، وان يتم تأمين الضمان الصحي للعاطلين والشباب في مراحل معينة. هناك حاجة الى الوضوح في مسالة الاستقطاعات. الاستقطاعات اليوم تتم بشكل محدود ولا تشمل غير الموظفين. تقديرنا يجب ان يكون فرض الضرائب تصاعديا ويركز أساسا على ذوي الدخول العالية.
يجب تأمين قانون ضمان التقاعد للقطاع الخاص وهذا القانون مطروح وموجود ويجب الاهتمام به. ان الاجراءات يجب ان تكون شاملة مع تسهيل عمل القطاعين الزراعي والصناعي و تأمين الكهرباء والقضاء على حالات الابتزاز وتطبيق قوانين حماية المنتج المحلي والمستهلك وضبط الاستيراد الخارجي والاستثمار الخارجي بما يفيد البلد.

القوى المتنفذة لا تريد الإصلاح، ناهيك عن التغيير !

المركز: اين دور البرلمان العراقي في ما يجري ؟

رائد فهمي: لم يحضر نواب البرلمان في الجلسة التي جرى الحديث عن استضافتها رئيس الوزراء ووزير المالية رغم تصريحات العديد من النواب النارية، وهذا يعكس حالة الالتفاف للقوى المتنفذة وعدم وضوح موقفها، حيث ان رئيس الوزراء ووزير المالية قالا ان الموازنة عرضناها على القوى السياسية ووافقت عليها. هم قالوا بخلاف ذلك و 150 نائبا وقعوا على طلب الاستجواب واذا بالحضور لا يزيد عن 15 نائبا، وهذا يوضح كيف تسير الامور والتعاطي مع هموم الناس ومشاكل البلد.
القوى السياسية المتنفذة الحالية ليست قادرة على الاصلاح وليس في مصلحتها ذلك، وهي تقدم على اجراءات تدعي انها اصلاحية، فيما ضررها يقع على السواد الاعظم من الناس.
لذلك الانتفاضة والحركة الاحتجاجية طالبتا بالتغيير ؛ فالاصلاحات المطلوبة الجذرية تتعارض مع مصالح المتنفذين والماسكين بالقرار.

عرض مقالات: