اقحام العنف في السياسة وجعله اداة لممارساتها منهج خطر، لا يبني دولة او حياة مستقرة، وينتهك بشكل فظ الدستور العراقي، الذي يفترض ان يكون السقف الذي يلتزمه مختلف الأحزاب والكتل السياسية، وكل من يلج باب السياسة أيا كان موقعه الحكومي او التشريعي او الديني او الاجتماعي.
فالمادة ٢٩ من الدستور تنص على منع “كل أشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع”، وتقول المادة ٩/ب: “يحظر تكوين مليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة”، فيما المادة ٣٧ / ثانيا تحدد مسؤولية الدولة حيث تنص على ان “تكفل الدولة حماية حرية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني”.
وبتفصيل اكثر واستنادا الى مواد الدستور، عالج قانون الأحزاب السياسية رقم ٣٦ لسنة ٢٠١٥ قضايا العنف وامتلاك اجنحة عسكرية او مليشياوية. فمن شروط تأسيس الأحزاب كما جاء في المادة ٨ /ثالثا “ان لا يكون تأسيس الحزب وعمله متخذا شكل التنظيمات العسكرية او شبه العسكرية، كما لا يجوز الارتباط بأية قوة عسكرية“.
وتشير المادة ٣٢/ أولا بشكل مباشر وغير قابل للتأويل والاجتهاد، الى انه يجوز حل الحزب السياسي بقرار من محكمة الموضوع بناء على طلب مسبب من دائرة الأحزاب، في حالات معينة منها المنصوص عليه في (ج) و( د):
ج- قيامه بنشاط ذي طابع عسكري او شبه عسكري.
د- استخدامه العنف في ممارسة نشاطه السياسي.
ومما يؤسف له ان هذه النصوص وغيرها، التي اريد بها تأسيس حياة سياسية ودستورية سليمة، وتكريس اللجوء الى العمل السلمي والديمقراطي الجماهيري وحده لا غير، ليس فقط لم تطبق، بل ويصر البعض كل يوم على المزيد من انتهاكها. وواضح الآن للجميع من هي القوى والأحزاب والتيارات والكتل التي تملك اذرعا مسلحة، وتُحل نفسها محل الدولة والقضاء في واجباتهما الحصرية المحددة دستوريا.
في بلادنا ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي ادخل العنف في الحياة السياسة العراقية، وان كل ما تراكم من تجربة بلادنا وغيرها في هذا الخصوص، يقول بصوت عال ان هذا طريق مسدود ولا خير يرتجى منه. فهو طريق الخراب والدمار والتخلف والفوضى وعدم الاستقرار والمزيد من سفك الدماء.. فهل يتعظ البعض بذلك ويكف عن السير على هذا الطريق الذي اوصلنا ، مع عوامل اخرى، الى ما نحن فيه من دمار وعجز حتى عن تسديد الرواتب!
ان الإصرار على هذا النهج يتحدى كل اعلان او تصريح بشأن احترام خيارات المواطنين وحرياتهم كما نص عليها الدستور، ويتقاطع مع الادعاء بخدمة المواطنين ونصرتهم والوقوف الى جانب المظلومين والمسحوقين والفقراء.
من جانب آخر فان الحركة الاحتجاجية منذ انطلاقها في ٢٠١١ لم تتأجج برغبة هذا الشخص او ذاك، او هذه الجهة او تلك، بل كانت وراءها أسباب وعوامل ما زالت تفعل فعلها. وكما اكدنا في مرات سابقة فان العنف وهو يسبب سقوط ضحايا وشهداء ابرار، لا يلغي تلك الدوافع والأسباب، بل ويفاقمها.
ونكرر اليوم القول: يخطيء من يظن ان القمع والعنف وجحفلة القوات العسكرية والأمنية، يمكن ان تكسر إرادة الشعب والجماهير المصممة على انتزاع حقوقها سلمياً، او تفرض عليها التراجع والانكفاء.
وبالنظر الى كون بلدنا على أبواب انتخابات مبكرة، فقد آن أوان القول بحرمان من يخالف مواد الدستور وقانون الأحزاب السياسية من المشاركة فيها، خاصة من يمارس العنف ويصر على امتلاك الاذرع المسلحة والمليشياوية. كما يتوجب ان تقدم الحكومة على خطوات ملموسة لنزع الأسلحة المنتشرة خارج الاطار القانوني، وحصر العمل العسكري والأمني بالدولة ومؤسساتها المعروفة، وهذا كجزء من متطلبات تهيئة الظروف المناسبة، الآمنة والمستقرة، الممهدة لاجراء انتخابات عادلة ونزيهة وذات صدقية، تعبر نتائجها حقا عن إرادة المواطنين وتطلعهم الى التغيير.