من العبث بمكان ان يصر البعض على تعطيل حركة التغيير، ووضع العصي الغليظة في دواليبها. فمنذ فترة غير قصيرة وبعد مخاضات عسيرة وضحايا وشهداء، جرى التوصل الى خلاصة مفادها ان استمرار الحال من المحال، وذلك ما أكدته انتفاضة تشرين ٢٠١٩.

وتحصل الاعاقة من طرف مجاميع مختلفة متعددة المشارب، لكنها تلتقي في شيء مشترك واتفاق ضمني على التمسك بنهج ثبت فشله مئات بل والاف المرات.

فنهج منظومة المحاصصة والفساد هو السبب الارأس لما نحن فيه من تدهور يتفاقم على صعد مختلفة، حتى لتبدو الدولة بمختلف مؤسساتها وسلطاتها، لا حول لها ولا قوة امام طغيان وتغوّل هذه المنظومة التي تتعشق وتتماهى مع فوضى السلاح، ومع مجاميع لا تقيم وزنا ولا احتراما للدستور، وان ادعت عكس ذلك. وهي وتريد مصادرة العمل السياسي السلمي وحرية التعبير، وممارسة تكميم الافواه تحت عناوين وذرائع متعددة، لا تصمد كثيرا امام المحاججة الجادة.

ان على الوطنيين والمخلصين ان يدركوا مبكرا ان ولوج هذا الطريق او السكوت عنه او التماهي معه او التشجيع عليه باي شكل من الاشكال، هو المعول الذي سيهدم الدولة، ويشيع الفوضى وعدم الاستقرار وحالة اللادولة، وفِي نهاية المطاف سيعم شره على الجميع. فلا رابح في هذا الطريق على الاطلاق، والوطن والشعب هما الخاسران الاساسيان.

ان تجربة بلادنا تقول ان على القوى والأحزاب الوطنية ان لا تندفع وتركض وراء مكسب آني وقتى ملغوم، وان لا تتنفس الصعداء اذا ما لحق ضيم باحدها، وان لا تجد المبررات له، او تطأطأ راسها حتى تمر العاصفة. فالعاصفة راجعة اليها، وهذا ما تقول به التجربة العراقية، خاصة في فترة حكم الدكتاتور المقبور الذي شمل ببطشه الجميع.

نقول هذا ونحن نشهد ممارسات لم ينزل بها من سلطان، وتريد ان تفرض فهمها للعمل السياسي وتصادر حرية الاختلاف وتسعى الى تنميط التصرف والسلوك.

لكن مثل هذه الممارسات، كذلك تقزيم الديمقراطية، ومصادرة حق الأحزاب السياسية في العمل القانوني السلمي، وازدراء العمل الحزبي، لن يفضي الا الى بقاء الدولة اطارا شكليا، منخورا من داخله، لا يغني ولا يسمن من جوع. 

ان التحذير واجب في مثل هذه الظروف الحرجة والمقلقة، والحاجة قائمة الى جهد مركب لوقف هذا التداعي الخطير، الذي ان تمسك المسؤولون عنه بمواقفهم، فالكارثة محدقة.

ان جهدا مجتمعيا وسياسيا مطلوب لردع هذه التوجهات الضارة ووأدها في المهد، والعمل بكل الوسائل القانونية والدستورية للحؤول دون استفحالها. فالمخاطر تتطاير منها في مختلف الاتجاهات، وليس من احد في مامن منها.

 وان تجربة بلادنا تقدم العديد من التجارب المفيدة والدروس الغنية التي تمس الحاجة الى التمعن فيها، بما يضمن تجنيب بلدنا المزيد من حالة الفوضى واللااستقرار وتضييع الفرص وهدر الأموال ومفاقمة معاناة المواطنين.