في انتهاك صريح للدستور، لم تقدم الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 الحسابات الختامية مع مشروع الموازنة العامة.
إن الحكومة بصدد تقديم مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2020، وكما من المفترض ان يقدم مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2021، وسوف لن ترفق الحسابات الختامية معها كما في السنوات السابقة، علما أن المادة 62 - أولا من الدستور تنص على ما يلي:
اولاً: يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي إلى مجلس النواب لإقراره.
وتكمن أهمية الحسابات الختامية في أنها تقدم المبالغ المصروفة فعلا من قبل الوزارات والهيئات المستقلة وغيرها من المؤسسات التي تتلقى تخصيصات مالية من الموازنة العامة.
وقليلا ما تذكر الآثار البالغة الضرر المترتبة على عدم تقديم الحسابات الختامية إلى مجلس النواب. فهذا معناه ان مجلس النواب يناقش الارقام التخمينية الواردة في الموازنات العامة السنوية التي تقدمها الحكومة من دون ان تتوفر له معلومات عمّا أنفق وانجز فعلا من موازنة العام السابق أو العام الأسبق، اي أن مرجعية المجلس عند إجراء المقارنات بين بنود الموازنة العامة للسنة قيد المناقشة، وهي أرقام تخمينية، هي أرقام تخمينية أخرى للأعوام السابقة! فعمليا تتم مناقشة الموازنة من قبل مجلس النواب من دون أن تكون له معرفة بما جرى على أرض الواقع وما انفقته كل وزارة أو هيئة مستقلة فعلا ومعرفة مواطن الفشل أو النجاح للاستفادة من المعلومات في تقييم التخصيصات المقترحة من قبل الحكومة للسنة الجارية.
ولفهم أسباب هذا الخرق المتكرر للدستور من قبل الحكومات المتتالية بعدم تقديمها الحسابات الختامية، يمكن الرجوع إلى ما قاله الدكتور صلاح خلف، الرئيس السابق لديوان الرقابة المالية بهذا الشأن في المقابلة التي اجراها مع مجلة الثقافة الجديدة والمنشورة في عددها رقم 415:
ينص القانون على أن يقدم وزير المالية الحساب الختامي للدولة في 15/ نيسان، لكن من الناحية الواقعية لم تتمكن وزارة المالية من الالتزام بهذا التاريخ، على مدى السنوات كلها منذ 2004 ولغاية السنة الحالية 2020 وذلك لمجموعة من الأسباب الفنية والادارية وإلى تأخر الحكومة في تقديم قانون الموازنة إلى مجلس النواب وتأخر المجلس في مناقشتها وإقرارها.
ويوضح رئيس ديوان الرقابة السابق:
أنه من الناحية العملية يتأخر تقديم الحساب الختامي للدولة أكثر من سنة إلى الديوان، ومثال ذلك لم يقدم الحساب الختامي بشكله النهائي من قبل وزارة المالية إلى الديوان لغاية السنة الحالية (2015 2016، 2017، 2018، 2019).
أما بالنسبة للحساب الختامي للسنوات (2012، 2013، 2014) فقد قدم الديوان تقريريه عن الحساب الختامي للسنتين (2012، 2013) إلى مجلس الوزراء في عام 2015 لغرض دراسته وإحالته الى مجلس النواب، ولم يحدث ذلك. كما تم تدقيق الحساب الختامي لسنة 2014 من قبل الديوان في عام 2017 ولكن تم التريث بتقديمه إلى مجلس الوزراء بسبب عدم إصدار قانون الموازنة للسنة المذكورة من قبل مجلس النواب ولغاية الوقت الحاضر.
اما بالنسبة للحساب الختامي للسنة 2015 فقد قُدم من طرف وزارة المالية إلى الديوان في 22/12/2019، ولوجود نواقص فقد أعيد إلى الوزارة بتاريخ 27/1/2020.
وقُدم الحساب الختامي للسنة 2016 من قبل وزارة المالية بتاريخ9/1/2020، وأعيد اليها لوجود نواقص بتاريخ12/3/2020."
نخلص من كل ما تقدم أن الحسابات الختامية لمعظم السنوات السابقة غير منجزة، لذا فان على مجلس النواب ليس فقط مطالبة الحكومة بتقديمها، وهو أمر غير قابل للتحقيق في ضوء قواعد عمل وتوقيتات اعداد الموازنة والحسابات الختامية، إضافة إلى التلكؤ الذي يعزى إلى سوء الادارة والتجاذبات السياسية والميل إلى التعتيم على المعلومات وغياب الشفافية، ولا شك تقف وراء ذلك دوافع التغطية على سوء التصرف بالأموال العامة. فعلى مجلس النواب ان يمارس دوره الرقابي في تحديد أساب عجز الحكومات عن تقديم الحسابات الختامية وتشخيص مسؤولية التقصير ومراجعة الاطر التشريعية التي تنظم هذه العملية وتوجيه الحكومة بمراجعة وتعديل التعليمات والقواعد التنظيمية والتوقيتات الزمنية واستخدام التقنيات الحديثة لتقديم معالجات وحلول جذرية لتذليل المعوقات غير السياسية لعملية اعداد الموازنة والحسابات الختامية.
وندعم في هذا السياق المقترحات التي قدمها رئيس الديوان السابق باعتماد موازنة البرامج والأداء بدلاً عن موازنة البنود، ومناقشة الحساب الختامي للدولة في جلسة علنية في مجلس النواب بحضور ديوان الرقابة المالية الاتحادي، ووزارة المالية، وبعض الوزراء الذين يختارهم مجلس النواب.