تفاجأت أوساط واسعة من المواطنين والمختصين والمعنيين، بالقرار الصادر عن مجلس الوزراء في جلسته الثلاثاء السابع من تموز الجاري، والمتعلق بتجديد اجازات شركات الهاتف النقال.

ويبدو من خلال ما صدر عن الجلسة ان المجلس اعتمد السيناريو الثالث في قرار مجلس الأمناء لهيئة الاعلام والاتصالات، القاضي بالتجديد لمدة خمس سنوات مع اقتراح مدة إضافية (ثلاث سنوات)، بذريعة ما اورده مجلس الأمناء عن “احداث داعش الإرهابي وجائحة كورونا”، فيما تقتضي الشفافية وواجب الحفاظ على المال العام ان يتم اطلاع المواطن على كل الاقتراحات الواردة في تلك الدراسة، التي جرى الاعتماد عليها في اتخاذ القرار، والتي بموجبها وهب صانعو القرار ما لا يملكون!

فوفقا له لن يكون التمديد لخمس سنوات فقط كما ينص اصل العقد مع تلك الشركات، بل لثماني سنوات! وبكلفة لا تزيد على 233 مليون دولار الا قليلا! وحتى هذا المبلغ الضئيل لن يسدد كاملا مرة واحدة، بل على دفعتين، تسدد ثانيتهما وهي بحدود 100 مليون دولار خلال خمس سنوات! ومن دون فائدة! يا بلاش البلاش! 

وما يثير شعورا أكثر بالمرارة ويستعصي على الفهم، هو الطلب من الشركات لا ان تسدد عند توقيع العقد الجديد ما بذمتها من المستحقات والديون المتراكمة للدولة، بل ان تدفع ٥٠ في المائة فقط منها، ويقسط النصف الآخر على خمس سنوات، وحتى من دون فائدة! علما ان هذه المبالغ مستحصلة مقدما من المواطن! فاين ذهبت الأموال التي تزيد عن ترليون دينار عراقي؟!

وفي شأن خدمة الجيل الرابع G4، يبدو ان مجلس الوزراء حسم الجدل بشأنها ايضا، واحالها الى الشركات ذاتها التي يشكو المواطن مرّ الشكوى من سوء خدماتها وارتفاع أسعارها حتى بالمقارنة مع دول الجوار، التي يعمل بعض هذه الشركات فيها أيضا!

تُرى أما كان بالإمكان بعد كل التجربة المرة مع هذه الشركات، ان تنهض وزارة الاتصالات وشركاتها بالمهمة، بدلا من الإشارة في قرار مجلس الوزراء المحير الى التنسيق في هذا الشأن بين شركات الهاتف النقال المدللة وشركات وزارة الاتصالات، لتهيئة المتطلبات المتعلقة بالبنى التحتية وزيادة حجم السعات؟!

ولا ينتهي الاستغراب عند هذا الحد. فقد استثنى مجلس الوزراء إجراءات التجديد مع الشركات من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية، وخوّل هيئة الاعلام والاتصالات توقيع ملحق عقد التجديد مع منحها صلاحيات اجراء التعديلات المناسبة على بنود العقد “بما يتناسب مع مصلحة البلد”! التي لم يُبق فيها هذا القرار حجرا على حجر!

وفِي هذا السياق نشير الى ان هيئة الإعلام والاتصالات اتخذت قرارات ظالمة بغلق عدد من الإذاعات، لمجرد ان في ذمتها بضعة آلاف، فيما هي ومجلس الوزراء يفرطان بقرارهما هذا بملايين الدولارات!

ان القرار بصيغته المعلنة، المجحفة بحقوق المواطنين والبلد، وغير الواضحة في تبرير اتخاذه وفي آلية احتساب المستحقات على الشركات واغداق المكرمات، رغم عدم ايفائها بمتطلبات العقد الأصلي وسوء خدماتها، يشكل تفريطا بالمال العام مهما أيا كانت ذرائع اتخاذه، وانحيازا للشركات ومن يقف وراءها على حساب المصلحة الوطنية واموال الشعب.

وان على مجلس الوزراء مراجعة هذا القرار بمجمله، والعمل على استيفاء الديون المستحقة كاملة من الشركات ومن دون ابطاء، ومطالبتها بتحسين خدماتها قبل التفكير بتجديد عقودها، والعمل على تفعيل شركات وزارة الاتصالات ذات العلاقة . كما ان من واجب مجلس النواب ولجانه المختصة المبادرة حالا الى مساءلة الحكومة بشأن قرارها هذا، والعمل على وقف تنفيذه بما يحفظ المال العام ويزيد موارد البلد في الظروف الراهنة الصعبة على كل المستويات.