في ظل الأوضاع الراهنة ومعاناة البلد ظروفا مالية واقتصادية صعبة، نتيجة عوامل مختلفة متراكمة، وأخرى مستجدة لها علاقة بتفشي وباء كورونا وهبوط عائدات النفط الخام المصدّر بفعل انخفاض أسعاره دوليا وانخفاض انتاجه، يتوالى الحديث عن أهمية وضرورة إعادة النظر على نحو متكامل بالسياسية الاقتصادية والمالية المتبعة. وفِي هذا السياق يتم تناول الإصلاح الضريبي، وضرورة تعظيم هذا المورد الذي لا تزيد مساهمته في الموازنة العامة، في احسن الأحوال، على ٢ في المائة.
ومعلوم ان فرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة في اقتصاد يعتمد كليا على موارد النفط امر غير شائع، وفِي الغالب تكون نسبة هذه الضرائب رمزية. فالريع يأتي عن طريق عائد خارجي بعد تصدير النفط الخام، الذي هو من الثروات الطبيعية الناضبة .
لذا فان اصلاح النظام الضريبي وتفعيله يتوجب ان يأتيا ضمن رؤية عامة واستراتيجية معللة وواضحة الأهداف، وسياسة مقرة، وإرادة للخروج من الاقتصاد الأحادي نحو تنويعه وتنويع مصادره وتفعيل قطاعاته الإنتاجية. ويفترض كذلك ان يكون الاصلاح الضريبي وسيلة مالية فاعلة لتوزيع وإعادة توزيع الدخل والثروة بصورة عادلة، ولغرض تحفيز قطاعات وانشطة اقتصادية محددة وفقا لحاجات البلد.
بمعنى آخر ان تترابط جهود اصلاح النظام الضريبي مع تلك التي تتعامل مع النفط باعتباره ثروة، وليس دخلا ومصدرا للتراكم والتكاثر المالي. أي ان توظف هذه الثروة في مجالات الاعمار والاستثمار وتقديم الخدمات وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وبما يؤدي في نهاية المطاف الى تحويل النفط من ثروة في باطن الأرض الى مصدر للتنمية المستدامة والحياة الرغيدة.
وفِي اطار هذا تأتي أهمية تكوين الصناديق السيادية، حتى لا تكون عائدات النفط مصادر تستغلها الحكومات لتحقيق أهدافها السياسية واجنداتها، كذلك ان تبقى هذه الثروات تحت اشراف الدولة وسياستها العامة وبعيدا عن التقلبات السياسية.
اذن فلا بد لعملية تطوير النظام الضريبي كي يؤدي وظيفته، ان تسير ضمن هذه الوجهة وبما يحول دون تحويل واردات النفط الى دخول كما هو حاصل الان. وفي جميع الأحوال، وكما اشارت تجارب دول أخرى، هناك نسبة من تلك الواردات يتوجب الا تمس، وان تكون رافعة لحاضر مزدهر وضمانة لمستقبل افضل للاجيال.
ونشير ايضا الى ان المقصود بالضرائب ليس تلك المفروضة على الرواتب فقط، بل والتي تشمل الدخول على اختلاف أنواعها، ومن ذلك الريوع وارباح المشاريع والشركات على تنوعها، كذلك العقارات وغيرها .
ويشمل اصلاح النظام الضريبي مسارات عدة، منها الإصلاح المالي والإداري، وتوفير معطيات دقيقة عن المكلفين، وجهاز كفوء مع قدر من العدالة في الجباية، وسد الثغرات فيما يتعلق بالتهرب الضريبي، تشريعا وإدارة ورقابة.
ونشير الى ان وجوب الا يشعر المواطن بان الضريبة عقوبة له او تشكل عبئا عليه، وان تكون هذه الضريبة واضحة وشفافة وتقترن بتقديم خدمات مقابلها. ولا بد للنظام الضريبي كي ينجح، من ان يستند الى رضا المواطن، ولتحقيق هذا القدر من الرضا لا مفر من تأمين العدالة ومن وجود شفافية كافية لمعرفة اوجه صرف إيرادات الضريبة.
وهناك اشكالات عدة ترافق جباية الضرائب عندنا في العراق، بما يجعل نظامها غير فعال، وفي الغالب يحصر به جمع الضرائب المفروضة على الرواتب وهي معلومة ومحددة، اما تلك التي تخضع الى التخمين فيرافقها الكثير من عدم الدقة ومن الفساد والرشى، وبسبب هذا يتضاءل مردودها.
ان تطوير النظام الضريبي لا يعني فرض ضرائب جديدة على المواطنين، مباشرة اوغير مباشرة. على العكس، يعني ان يكون هناك توسيع لمساحة الإعفاءات للكادحين وذوي الدخل المحدود، واعتماد الضريبة المتصاعدة على الدخل، وان يأتي ذلك في سياق اصلاح شامل ونظام حوكمة فاعل وبناء دولة المؤسسات والقانون، بما يجعله وسيلة لتحقيق العدالة، وللاستثمار الأفضل لموارد الدولة وتقديم الخدمات العامة. وان يتحقق هذا فِي سياق عملية متكاملة للنهوض بالبلد واخراجه من الاقتصاد الريعي، وتقليص اعتماده الكلي على واردات النفط غير المضمونة.