عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي أيام ٤- ٧ حزيران ٢٠٢٠، اجتماعها الاعتيادي الدوري.

واستهلت اللجنة أعمالها بالوقوف دقيقة صمت تكريما لشهداء انتفاضة تشرين، وضحايا داعش الإرهابي وجائحة كورونا، وللراحلين من رفاق الحزب واصدقائه.

 وناقش المجتمعون باستفاضة تقارير عدة عن العمل القيادي للحزب، وعن أداء منظماته ورفاقه ولجان الاختصاص المركزية ولجنة الرقابة المركزية، وكذلك التقرير الإداري- المالي للحزب، وعن توجهات الحزب بشان الانتخابات البرلمانية المبكرة.

وعكست التقارير نشاطات الحزب وفعالياته الواسعة والمتنوعة، وما نهض به ومنظماته ورفاقه في مجالات العمل المختلفة: السياسية والتنظيمية والفكرية والإعلامية والثقافية والجماهيرية والعلاقاتية.

و توقف الاجتماع بنحو تفصيلي عند النشاط الواسع الرامي الى تعزيز وتوسيع صفوف الحزب، وتنمية دوره وتعزيز صلاته وعلاقاته مع مختلف شرائح المجتمع، وخاصة العمال والفلاحين والكادحين وعموم شغيلة اليد والفكر، كذلك مشاركة منظمات الحزب في الحركة الاحتجاجية والدعم متعدد الاشكال الذي قدمته اليها، معبرا عن اعتزازه بذلك وبتضحيات انتفاضة تشرين الباسلة وشهدائها، وبينهم من رفاق وأصدقاء الحزب.

كما توقف الاجتماع عند ما نهضت به منظمات الحزب ورفاقه واصدقاؤه ابان تفشي جائحة كورونا، من نشاطات توعية بمخاطر الوباء وسبل الوقاية منه، ومساعدات عينية ومالية، قدمت إلى العوائل المحتاجة والى من تقطعت بهم سبل تأمين لقمة العيش، خاصة ممن يعيشون على كسبهم اليومي.

وفي مجرى تقييم المنجز المتحقق والتطلع الى تعزيزه وتطويره في المجالات كافة، تم التوقف عند الثغرات والنواقص، وكيفية تطوير آليات العمل في ظل الظروف المستجدة، ومواصلة الارتقاء بالعمل القيادي وتعزيز دور الحزب ومنظماته ورفاقه في الحياة السياسية، ومد الجسور مع المحتشدات الجماهيرية وتبني مطالبها العادلة المشروعة والدفاع عن مصالحها، والاهتمام بالعمل مع الطلبة والشباب والنساء، والاستمرار في تعزيز المساهمة الفاعلة في الحركات الاحتجاجية السلمية.

كما أَوْلى الاجتماع اهتماما خاصة لدور الشيوعيين في المنظمات والاتحادات والنقابات، بهدف استنهاض دورها في الدفاع عن حقوق ومصالح منتسبيها، مشددا في الوقت ذاته على احترام أنظمتها الداخلية وآليات عملها وممارساتها الديمقراطية.

وأقرت اللجنة المركزية نتائج الانتخابات الحزبية الداخلية ومؤتمرات اللجان المحلية في جميع المحافظات، مشددة على أهمية تعزيز الدور القيادي للجان المذكورة، كونها ممثلة الحزب والمعنية بجميع جوانب العمل الحزبي في نطاق عملها.

كما اتخذ الاجتماع قرارا بإطلاق عملية التحضير للمؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب، متطلعا الى عقده في وقته المحدد وفقا لاحكام النظام الداخلي للحزب، وشكل اللجان المطلوبة لاعداد وثائقه، وحدد آليات عملها.

وتدارست اللجنة المركزية بعمق واستفاضة التطورات السياسية الراهنة في البلاد، وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، وتوصلت في ذلك الى الآتي:

تأكيد التحليلات والاستنتاجات التي كانت اللجنة المركزية قد توصلت اليها في اجتماعاتها السابقة، بشأن ما يعانيه بلدنا من أزمة شاملة بنيوية تطال جوانب عديدة، سياسية واقتصادية واجتماعية وخدمية وصحية وتعليمية، اخذت بعدا متفاقما بعد تفشي جائحة كورونا والازمة المالية والاقتصادية الناجمة عن تدهور أسعار النفط عالميا وانخفاض واردات العراق المتأتية من تصدير النفط الخام، التي تشكل المصدر الرئيسي لتغطية أبواب الموازنة العامة للدولة.

وترتبط الازمة المتفاقمة أساسا بالنهج المتبع والأداء السيء للقوى الحاكمة المتنفذة، المتشبثة بمنهج المحاصصة بمختلف تجلياتها، والتي امتدت أخيرا لتغدو مناطقية أيضا، كذلك تفشي الفساد ونهب المال العام، بجانب تداعيات جرائم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى، وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ووهن الدولة وسلطتها وضعف إمكانية تحقيق قوة القانون، وصيانة القرار الوطني العراقي المستقل، اضافة الى استمرار التوتر في العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، وفوضى انتشار السلاح وتغوّل التشكيلات المسلحة المليشياوية وجماعات الجريمة المنظمة، وضعف البناء المؤسسي للدولة، وعدم ولوج طريق التنمية المستدامة والنهوض بالاقتصاد العراقي وتنويع مصادره وتخليصه من طابعه الريعي، وصولا الى توفير مستوى معيشي مقبول للمواطنين، كذلك ما يخص الخدمات العامة والصحية والتعليمية والنقل والسكن.

من جانب آخر، أدى استمراء العديد من القوى السياسية الاستعانة بالعامل الخارجي، إلى فسح المجال لتدخلات إقليمية ودولية في الشأن العراقي الداخلي، وفقا لاجنداتها السياسية ومصالحها، وهو ما يهدد بتحويل العراق الى ساحة صراع على حساب استقلاله وسيادته الوطنية ومصالح شعبه.

وأظهرت مجريات الأحداث وتطوراتها كذلك عجز مجلس النواب عن تلبية مطالب المتظاهرين ووقف جرائم القتل ضدهم ومساءلة الجهات المعنية، وعن ترتيب أولوياته وقراراته وما يصدر عنه من قوانين بما ينسجم مع تطلعات وحاجات الناس، وممارسة دوره الرقابي المطلوب في الحد من الفساد المتفاقم والحفاظ على المال العام.

وقد ادى هذا كله وغيره الى الاستعصاء السياسي والاحتقان الاجتماعي، وتعمق حالة الفرز الاجتماعي والطبقي في المجتمع، واتساع الهوة بين الغنى المفرط والفقر المدقع، وارتفاع نسب الجوع والفقر والمرض والبطالة، خاصة بين الشباب الذين فقدوا الثقة، شأن الغالبية المطلقة من أبناء الشعب، بقدرة القوى المتنفذة على تقديم حلول للمشاكل والتحديات التي تواجه الشبيبة نفسها والمجتمع ككل.

وارتباطا بهذا شهد بلدنا حركات احتجاجية متنوعة الأشكال، بلغت مدى واسعا في انتفاضة تشرين ٢٠١٩ وما اجترحته من مآثر وبطولات، وما قدمت من شهداء ومصابين ومعاقين، وغدت بسعتها انتفاضة الشعب التوّاق الى حياة افضل، مستقرة وآمنة.

ان الصعوبات والأزمات وتفاقمها، وانسداد افق الحل على يد القوى المتنفذة والمتحكمة بشؤون العراق منذ ٢٠٠٣، طرح على جدول العمل ضرورة وإلحاح ولوج طريق التغيير لبناء عراق آخر مختلف، يستحقه شعبنا الذي لم يبخل في العطاء منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة.

إن حالة الفشل وعدم استجابة الحكومة لمطالب المنتفضين السلميين، واستباحة دمائهم وممارسة القتل العمد والقمع الواسع لهم، مقابل سعة الانتفاضة واصرار المنتفضين على تحقيق أهدافها، ودعم الجماهير الواسعة لها، والحملات المحلية والعالمية تضامنا معها واسنادا لها، هو ما فرض على حكومة عادل عبد المهدي الاستقالة. وبعد مخاضات صعبة وصراع ضار بين الكتل المتنفذة، صادق مجلس النواب على المنهاج الحكومي والحكومة المؤقتة التي استكملت قوامها يوم السبت ٦ حزيران٢٠٢٠.

الحكومة المؤقتة

تشكلت الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي وسط تحديات جمة، لتنفذ مهمات عدة تنسجم مع مطالب المنتفضين وغالبية الشعب، وفي المقدمة ما تضمنه المنهاج الحكومي منها: التحقيق مع قتلة المنتفضين واحالتهم الى القضاء، والتصدي لوباء كورونا، وفتح ملفات الفساد، وتلك التي لها صلة بالبعدين الاقتصادي والاجتماعي، للتخفيف من معاناة الناس وتلبية مطالبهم الملحة.

تضاف إلى ذلك طائفة من المهمات والإجراءات اللازمة لاحداث تغيير جدي في المنظومة السياسية بأكملها، والإقدام على خطوات لإصلاح الدولة ومؤسساتها وتخليصها من الفاشلين والفاسدين، وتهيئة مستلزمات اجراء انتخابات مبكرة، وتعزيز دور المنظومة العسكرية والأمنية في إداء المهام الموكلة اليها دستوريا، وبنائها وفق العقيدة الوطنية، وتخليصها من الفساد والمرتشين وغير الكفوئين، وإبعادها عن الصراعات السياسية والمحاصصة والحزبية الضيقة، وضمان وحدة القرار فيها والتنفيذ الفعلي لشعار حصرالسلاح بيد الدولة، وحل التشكيلات العسكرية المتمردة على الدولة ومواقفها وسياستها الداخلية والخارجية، وإفشال مخططات داعش الارهابي للملمة صفوفه، وإلحاق الهزيمة به، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة تقوم على مباديء التعاون والتكافؤ والمصالح المشتركة وإبعاد بلدنا عن الصراعات الإقليمية والدولية.

وتتطلب مواجهة التحديات الراهنة توفر الإرادة السياسية لدى الحكومة، الى جانب الحزم وحسن إدارة الملفات وترتيب الأولويات، وإرسال إشارات عبر الخطوات الملموسة تعكس الجدية في السير على طريق يختلف عما سلكته الحكومات السابقة، ومراعاة عامل الزمن، والسعي عبر ذلك إلى إيجاد اصطفافات جديدة تتحقق أولا وقبل كل شيء من خلال الانحياز الواضح الى الشعب وتبني مطالبه واولوياته، والابتعاد عن المماطلة والتسويف في الاستجابة لها.

إن أية إجراءات جادة وملموسة على هذا الطريق ستستقبل بارتياح من غالبية الشعب والمنتفضين، فيما ستجابه بمقاومة من القوى المتنفذة الساعية للحفاظ على مصالحها ونفوذها، وعلى المنظومة التي تحميها وتوفر لها الدعم والاسناد، لذلك ستعمل على وضع العصي في دواليب الإجراءات التي تضع بلدنا على عتبة طريق التغيير.

ويواصل الحزب عمله ونشاطه متعدد الأشكال من اجل التنفيذ الفعلي والملموس للإجراءات والخطوات الإيجابية، التي وعدت الحكومة المؤقتة القيام بها، وسيتخذ موقفا إيجابيا من كل ما تقدم عليه ليصب في مصلحة الشعب، ويستجيب لمطالب الانتفاضة والمواطنين ويقدم الدعم والاسناد لهم، ويمهد للسير على طريق التغيير، فيما يقف ضد كل ما يذهب بالعكس من ذلك.

الحركات الاحتجاجية

إن عوامل اندلاع الحركات الاحتجاجية، بما فيها انتفاضة تشرين ٢٠١٩، ما زالت قائمة، واضيفت اليها تداعيات الازمة المالية، وشحة عائدات تصدير النفط العراقي الخام، وما يمكن ان يؤدي اليه هذا من صعوبات جدية في تامين الرواتب ومستحقات الرعاية الاجتماعية، الى جانب ما سببته وتسببه الإجراءات الوقائية الضرورية للتصدي لجائحة كورونا، من صعوبات جدية لملايين العراقيين الذين يعتمدون على الكدح اليومي في توفير لقمة العيش لانفسهم ولعوائلهم. كذلك ما يتلمسه المواطنون، خاصة الشباب، من غياب للعدالة في التعيينات التي جرت في الأيام الأخيرة لحكومة عادل عبد المهدي، والتي استحوذت عليها الكتل المتنفذة ومريدوها رغم ما قيل عن انها جاءت استجابة لمطالب المنتفضين بتوفير فرص عمل. اضافة الى الحديث الواسع عن ملفات فساد جديدة، طالت عددا من الوزارات والوزراء والمسؤولين السابقين، وشبهات فساد تحوم حول البعض في الحكومة الحالية. وهناك ايضا قضية فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، والعجز المزمن في تجهيز الطاقة الكهربائية، وارتفاع أسعار المولدات الأهلية، ما يؤدي الى المزيد من السخط والتذمر. وقد كانت ازمة الكهرباء باستمرار الشرارة التي تشعل فتيل الاحتجاج والتظاهر، فكيف وقد عمقت حالة الاستعصاء السياسي والمماطلة والتسويف من جانب القوى المتنفذة، أجواء عدم الثقة المخيمة. وان هذا كله يجعل من نهوض الحركة الاحتجاجية مجددا، وتعاظم زخمها، امرا ممكنا بدرجة كبيرة، وقد يأخذ أشكالا متعددة وغير مسبوقة.

ويتوجب القول أيضا ان الساحات لم تعد في تركيبتها ومنطلقاتها كما كانت في الأول من تشرين ٢٠١٩، فقد طرأت تغيرات عديدة بما فيها تبدل أولويات بعض القوى التي كانت داعمة للتظاهر، كذلك دخول قوى جديدة بدوافع وأجندات لا تتوافق بالضرورة مع الأهداف العامة المعلنة في ساحات التظاهر والاعتصام.

ومع أهمية متابعة هذه التطورات وتأثيرها على الحركة الاحتجاجية السلمية، فان الوجهة العامة للحركة تحتفظ بسلامتها وآنية منطلقاتها وأهدافها، لتواصل ممارسة دورها الفاعل المعبر عن الارادة الشعبية في تسليط المزيد من الضغط لتحقيق الأهداف المعلنة، وفرض إرادة الشعب وتطلعه الى التغيير الجدي والحياة الكريمة، التي تليق بالشعب وتضحياته وتجسد الوفاء لدماء الشهداء البررة.

ان تحقيق اهداف الحركة الاحتجاجية يستلزم مراجعة مسؤولة لمسارها واستخلاص العبر والدروس منها، لجهة ردم الثغرات ومعالجة النواقص، وتأمين سلامة وصحة الشعارات المرفوعة وواقعيتها، والابتعاد عن العدمية في المواقف، وضمان التنسيق والتعاون بين المنتفضين في ما هو موضع توافق عام ومشترك، ان لم يكن من جانب الجميع فمن الغالبية المطلقة من المشاركين المجربين الفعليين فيها، في كل محافظة وفي ما بين المحافظات. فبلورة المواقف والمطالب المشتركة، وتحقيق نوع مرن من القيادة الجماعية، بات امرا ملحا لملاقاة المستجدات ورسم التوجهات اللاحقة، ولادامة زخم الحركة الاحتجاجية المطلوب الان وفِي المستقبل.

وان على الحكومة ومجلس النواب تأمين المستلزمات والظروف والامكانات العملية، لان يمارس المواطنون جميعا حقهم المكفول دستوريا، في التعبير عن الرأي والاحتجاج والتظاهر السلمي، مع الادراك الراسخ ان هذا حق وليس منة او مكرمة من احد.

وفِي هذا السياق يتوجب على حكومة الكاظمي الإسراع في تنفيذ الاجراءات التي أعلنتها بخصوص ملاحقة قتلة المنتفضين، وإطلاق سراح المعتقلين من المتظاهرين حالا والكشف عن المغيبين والمختطفين. ومطلوب منها أيضا وقف أية ملاحقات واعتقالات واختطافات وممارسات تعذيب بحق المواطنين والمنتفضين، وإبطال الدعاوى الكيدية والبراءات سيئة الصيت، والكشف عن السجون والمعتقلات غير النظامية وتقديم الجماعات المسؤولة عنها الى القضاء لينالوا جزاءهم، بجانب الاستجابة للمطالب المشروعة للمحتجين.

إن حزبنا يؤكد مجدداً انحيازه التام الى الانتفاضة السلمية ومطالبها العادلة، داعما لها ومشاركا فيها ومدافعا عنها بوجه كل من يحاول الإساءة اليها، كما يدين القمع المسلط ضدها والاعتداء عليها من اية جهة أتى، رسمية كانت ام غير رسمية، ويشدد على المطالبة بكشف ملفات التحقيق ذات العلاقة، وإعلان نتائجها وتقديم المتورطين الى القضاء لينالوا جزاءهم العادل. وتضامنا مع الانتفاضة الباسلة وتنديدا بالقمع الذي تعرضت له واحتجاجا على فشل مجلس النواب في ممارسة دوره في مساءلة الحكومة والأجهزة الأمنية على الجرائم التي ارتكبت بحق المنتفضين، قدم نائبا الحزب في مجلس النواب استقالتهما، وفعل مثلها الشيوعيون أعضاء مجالس المحافظات. كما سخّر الحزب طاقاته وإعلامه ونشاط منظماته، داخل الوطن وخارجه، لمساندة الانتفاضة، وصولا الى تحقيق أهدافها.

وما يكتسب أهمية خاصة وملحة في الظرف الحالي هو كيفية تحويل المطالب الشعبية الملحة ومشاعر الاستياء والغضب لدى فئات وشرائح متنامية من شعبنا، إلى حراك جماهيري سلمي متعاظم وضاغط، والاستناد اليه في تحقيق أهداف الانتفاضة ومطالبها، ودحر نظام المحاصصة والفساد، واحداث التغيير المنشود بفرض إرادة الشعب والانتقال الى دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، الدولة المدنية الديمقراطية.

أزمة كورونا وتداعياتها

لا تزال جائحة كورونا بعيدة عن السيطرة والاحتواء، سواء في بلادنا او بلدان العالم الأخرى، وفِي كل يوم تضاف أعداد جديدة إلى المصابين ومن يفارقون الحياة.

ورغم الإجراءات المتخذة وما قامت به خلية الأزمة الحكومية والنيابية ووزارة الصحة والبيئة والكادر الصحي والعاملون فيها، بدعم القوات العسكرية والأمنية واسنادها، إلا أن أعداد المصابين تواصل الارتفاع وتثير القلق، رغم التأكيدات ان الوضع لم يخرج عن السيطرة.

ومع تعدد الأسباب التي يوردها المتخصصون وخلية الأزمة لتزايد أعداد المصابين، فان الأمر المتفق عليه هو إن الانتقال من الحظر الشامل إلى الجزئي، وعودة بعض النشاطات الاقتصادية وحركة وسائل النقل، صاحبهما نوع من التراخي وعدم تقيد المواطنين والمؤسسات بإجراءات الوقاية وتطبيق التباعد الاجتماعي، الامر الذي قاد إلى تصاعد أعداد المصابين، خاصة في بغداد.

وفيما تبرز الحاجة إلى التطبيق الفاعل للإجراءات الصحية الضرورية وتقيد المواطنين بها، فان نجاح الخطط المهيئة يرتبط أيضا وعلى نحو وثيق بتوفير متطلبات الحياة والعيش لملايين العراقيين، الذين تتقطع بهم السبل عند فرض الحظر سواء كان جزئيا أو شاملا. وهذا ما لم يتحقق حتى الآن باستثناء الحديث والوعود بشأن منحة طوارئ بائسة (30 ألف دينار للفرد و150 ألفا للأسرة)، وبقيت حملات التكافل المجتمعي المغيث الوحيد عمليا للمتضررين، وقد ادت بالفعل دورا لا يستهان به في سد جزء من هذا الفراغ الذي تركته الحكومة، الأمر الذي يستحق التقدير والثناء للقائمين على تلك الحملات.

ويؤشر هذا ضرورة إقدام الحكومة ومجلس النواب على إجراءات متكاملة ومتوازنة تشمل الجوانب الصحية والمعيشية والخدمية، وبضمنها خصوصا تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين ومستحقات الرعاية الاجتماعيةً.

إن من واجب ومسؤولية الحكومة والجهات الصحية والعسكرية- الأمنية ومجلس النواب والمواطنين، تأمين تطبيق خطة التصدي للوباء، والمزيد من الشفافية في التعامل معه ومن حملات التوعية بمخاطره وكيفية درئها، وتجنب المقامرة بحياة الناس وسلامتهم، والدراسة المتأنية للخطوات المتكاملة اللازمة لإنقاذ شعبنا من هذا الوباء الخطر، بما في ذلك الحد من فتح الحدود، وعدم اخضاع ذلك لأي اعتبار غير مصلحة الناس وسلامتهم.

من جانب آخر كشف تفشي جائحة كورونا نواحي القصور والخلل الواضحة في نظامنا الصحي، سواء على صعيد التخصيصات المالية المطلوبة أو في ما يخص تهالك البنى التحتية وهشاشتها وكذلك مدى انتشار الفساد في القطاع، وهو ما انعكس بوضوح في شحة الأدوية وقلة المستشفيات والمراكز الصحية، كذلك أماكن الحجز التي تحدث العديد ممن زاروها ومكثوا فيها عن عدم انطباق شروط الحجز الصحي عليها. ولعل هذا أحد أسباب تهرب المواطنين من الإفصاح عن إصابتهم المحتملة بهذا المرض اللعين.

وليس مقبولا بقاء هذا الضعف الواضح في النظام الصحي أيا كانت الذرائع، ومن الواجب أن تأخذ الدولة ومؤسساتها الدور الريادي والمسؤول في توفير الرعاية الصحية المجانية لجميع المواطنين.

إن العاملين في وزارة الصحة والقوات المسلحة والأمنية والمؤسسات ذات العلاقة، التي تصدت وما زالت تتصدى لهذا الوباء، يستحقون الثناء والتقدير على ما يقومون به من جهد وتتوجب رعايتهم وتوفير مستلزمات حمايتهم.

إجراء الانتخابات المبكرة

يشكل إجراء انتخابات عادلة ونزيهة وذات صدقية مطلبا أساسياً للمنتفضين وللشعب كله. ولأجل ذلك يتوجب إصلاح المنظومة الانتخابية بكاملها:

  • تشريع قانون انتخابات عادل ومنصف، وبناء مفوضية انتخابات مهنية ومستقلة حقا وقادرة على أداء مهامها.
  • إقرار ضوابط ملزمة تنظم الحملات الانتخابية، وتفرض سقوفا ورقابة على الأموال التي تنفقها الكتل الانتخابية والمرشحون.
  • إعلان المنع الواضح والصريح لاستخدام المال السياسي في شراء الذمم، وللاستعانة بالدعم الخارجي، وللتهديد المباشر وغير المباشر وبأي شكل كان.
  • التطبيق السليم وغير الانتقائي لقانون الأحزاب رقم ٣٦ لسنة ٢٠١٥ وحرمان من يمتلك تشكيلات مسلحة أو مليشياوية من المشاركة في العملية الانتخابية، كذلك خضوع واردات الأحزاب والكيانات السياسية وصرفياتها الى متابعة المفوضية وتدقيق ديوان الرقابة المالية.
  • وضمان إشراف دولي فاعل ومن قبل الأمم المتحدة.

إن الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة وتهيئة مستلزمات إجرائها، تنطلق من أهمية الاستجابة إلى الصوت الشعبي المتطلع إلى التغيير، إلى جانب كونها التزاما أدرجه رئيس مجلس الوزراء في منهاج حكومته. فالانتخابات تمثل أداة سلمية ودستورية رئيسة لإحداث التغيير.

والانتخابات بهذا المعنى وفقا للشروط أعلاه، لا بد أن تكون رافعة لتغيير جدي في قوام مجلس النواب، بما يجعله اقرب إلى هموم الناس وتطلعاتهم، وأقدر على حماية حقوقهم وتوفير مستلزمات العيش الكريم الآمن لهم.

ومؤخرا اخذ عدد من الكتل السياسية والنواب يشكك بإمكانية إجراء انتخابات مبكرة، نظرا الى عدم إقرار قانون الانتخابات بصيغته النهائية، ارتباطا بصعوبة تحديد الدوائر الصغيرة التي جاءت بها الصيغة غير الموفقة للقانون، وبسبب الأزمة المالية، وعدم تشريع قانون المحكمة الاتحادية وعدم اكتمال قوامها.

إن تلك الكتل السياسية المتنفذة، التي دفعت بهذه الصيغة غير الناضجة لقانون انتخابات مجلس النواب، كانت تعرف جيدا ومنذ البداية، المعوقات الفنية التي تحول دون تطبيق الصيغة، وبذلك فقد ساهمت عملياً وفعلياً في عرقلة إجراء الانتخابات المبكرة.

ولقد سبق لحزبنا أن نبه إلى سلبيات اعتماد نظام الدوائر المتعددة الصغيرة، فإلى جانب المعوقات العملية التي اشرنا إليها في ما تقدم، فإن هذا النظام، وعلى عكس ما يجري ترويجه، لا يوفر العدالة المطلوبة. فهو يوفر فرصا أكبر لممثلي التشكيلات الاجتماعية التقليدية، ولمن يمتلك المال وأدوات السلطة والنفوذ. لذا وارتباطا بالظروف الحالية نشدد على اعتماد المحافظة دائرة انتخابية واحدة، وتوزيع المقاعد حسب الطريقة النسبية والباقي الأقوى كخيار مفضل، أو اعتماد سانت ليغو بصيغته الأصلية غير المعدلة.

ونشير في هذا السياق الى أن اعتماد صيغة القائمة الوطنية الواحدة المفتوحة والباقي الأقوى لتوزيع المقاعد، هو أفضل خيار يعبّر عن رأي شعبنا بكل مكوناته، وينسجم مع الرغبات والدعوات إلى إعمال مبدأ المواطنة، وجعل مجلس النواب ممثلاً لكل العراقيين ولمصالح الوطن العليا. كما أن الدائرة الواحدة تمثل الطريقة المثلى لتجسيد مبدأ مشاركة المرأة بنسبة لا تقل عن ٢٥ في المائة.

إننا نتطلع، مع جماهير شعبنا والمنتفضين، إلى إجراء الانتخابات المبكرة، وننتظر أن يعمل مجلس النواب والحكومة على استكمال متطلباتها. وان الصعوبات التي يجري الحديث عنها، يتوجب أن يجري التعامل معها كتحديات.

تغيير مستحق  

تتواصل حالة الاستعصاء واستفحال الأزمة العامة، وعجز القوى المتنفذة عن إيجاد الحلول والمخارج لها. وتتكاثر كل يوم المشاكل مستعصية الحل في إطار منظومة الحكم الفاشلة، القائمة على منهج المحاصصة الطائفية – الاثنية والبناء المكوناتي.

وقد دفعت الأوضاع المتردية في بلادنا وانسداد آفاق تحسنها على يد منظومة المحاصصة والفساد الماسكة بالحكم، مجاميع كبيرة من أبناء شعبنا، خصوصا من الشباب المهمش الباحث عن أبسط مقومات العيش الكريم، إلى ساحات الفعل الاجتماعي والسياسي، ورفض هذه الحالة بأشكال ووسائل متعددة، والتحرك في اتجاه التغيير، وهو ما دلل على تحول ملحوظ في المزاج الشعبي والجماهيري وعلى الانتشار الواضح لعناوين ومؤشرات الحياة المدنية.

ورغم ما قدمت انتفاضة تشرين من معطيات جديدة وما كشفت من عورات النهج المعتمد في إدارة شؤون الدولة، فان هذا لم يدفع القوى المتنفذة الحاكمة إلى اجراءمراجعة شاملة. فلَم تقدم على إجراء جدي وجوهري لتغيير المنهج والسلوك، وانما قامت بمحاولات للتكيف لا أكثر.

وأعلن عدد من السياسيين على حين غرة، انهم من دعاة الإصلاح. ولكن أي إصلاح، وما مداه؟ هذا ما لم تجرِ الإجابة عليه، ولن تحصل !

ولا شك في ان الأمور لم تعد كما كانت قبل الأول من تشرين 2019، فقد تدفقت مياه جديدة وحملت معها الكثير من المعطيات والمتغيرات. وساهمت الانتفاضة والحراك الشعبي والتظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات الواسعة متعددة العناوين في تشديد الضغط لإدراج عملية التغيير على جدول عمل الحياة السياسية.

فالمنظومة السياسية الحاكمة بمكوناتها المختلفة التي تحاصصت الدولة ومؤسساتها وتقاسمت النفوذ والمغانم وزرعت في مفاصلها عناصر الدولة العميقة وشبكات الفساد، تمادت من دون أي رادع في الاستحواذ على المال العام وتبديد موارد البلاد وثرواتها وإفساد مؤسسات الدولة وتضخيم أعداد منتسبيها وفق معايير الولاء السياسي والانتماء الهوياتي، بعيدا عن معايير المواطنة والعدالة والنزاهة والكفاءة وقواعد الإدارة الرشيدة، وعرّضت البلاد الى تدخلات خارجية سافرة. وفي النهاية أوصلت البلاد إلى شفير الهاوية، إن لم تكن تتدحرج فيها بالفعل، وليس هناك أفق حقيقي لوقف التداعي والانهيار مع استمرار هذه المنظومة في الحكم، وهي التي حصرت السلطة والمال والسلاح والاعلام بيد القلة، على حساب غالبية شعبنا التي تشتد معاناتها ومحنها وتتردى ظروفها المعيشة.

لذا غدا التغيير مطلبا جماهيريا واسعا، وضرورة يفرضها تطور الأوضاع في بلادنا، والحاجة إلى ضمان تطوره اللاحق والحفاظ عليه ككيان وطني موحد. وهو تغيير في المنهج وأساليب الأداء ونمط التفكير، ويعني تبني مشروع وطني ديمقراطي يستجيب لحاجات الوطن والمواطن، ويتصدى للتحديات التي تواجه بلدنا والمنطقة. كما يفتح الآفاق نحو بناء وحدة وطنية حقيقية، ويحفظ سيادتها ويجنبها التدخلات الخارجية وثلم القرار الوطني العراقي المستقل.

ومن الواضح أن التغيير المطلوب لن يتحقق إلا بتغيير موازين القوى السياسية لصالح أصحاب هذا المشروع ومناصريه وداعميه، وأن الوصول إلى ذلك يحتاج إلى حشد طيف واسع من القوى الداعمة، السياسية والمجتمعية، لخطوات إصلاحية جذرية، فيما تبقى البوصلة تؤشر الهدف وهو الوصول إلى تغيير شامل.

إزاء ذلك فان المطلوب بإلحاح من الشيوعيين والديمقراطيين وأنصار الدولة المدنية الديمقراطية العصرية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، ومن سائر أنصار الديمقراطية، ومن تنسيقيات الحراك المدني والشعبي والانتفاضة المجيدة، العمل على جمع وتوحيد الصف، والمزيد من المبادرات والحراك في اتجاه تغيير موازين القوى لمصلحة الغالبية الساحقة من الشعب.

إن الحزب الشيوعي العراقي يسعى بمثابرة عبر مساهمته الفاعلة في الحراك الشعبي والجماهيري متعدد الأشكال، وعبر علاقاته مع مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية، إلى دفع عملية التغيير قدما حتى الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والطائفية السياسية، وتحقيق الوحدة الوطنية وتدشين بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.

تحالفات الحزب وعلاقاته

سبق وان أشار حزبنا في أكثر من وثيقة، إلى التوجه نحو العمل في مستويات عدة، أولها الحزب وأهمية تعزيز صفوفه وترقية دوره وتوسيع دائرة صلاته وعلاقاته مع أوسع القطاعات الجماهيرية، ثم تنمية الحراك الشعبي والاحتجاجي والارتقاء به، وتبني مطالب الناس والدفاع عنها، والإقدام على مختلف المبادرات الداعمة لهذا التوجه على صعيد المركز كما في المحافظات وخارج الوطن، مؤكدا أنها مهمة لها راهنيتها وضرورتها.

والحلقة الأخرى هي تنمية دور التيار الديمقراطي ببعديه السياسي والاجتماعي، وتعزيزه واستنهاض قواه، والاهتمام بذلك في مختلف فعاليات الحزب ونشاطاته، والعمل على تطوير صيغ واطر العمل الكفيلة باجتذاب وتعبئة الشرائح والفئات الواسعة والشخصيات الاجتماعية التي تلتقي مصالحها ورؤاها مع المشروع الوطني والمدني الديمقراطي، وإعادة الحيوية والفاعلية إلى هيئات التيار الديمقراطي وأطر عمله في ضوء ذلك. وحصلت بعض الخطوات الملموسة على هذا الصعيد.

وإذ يدرك الحزب الصعوبات القائمة فانه يشدد كذلك على الاستمرار في تعزيز دور القوى المدنية والديمقراطية، وزيادة المشتركات بين أطرافها، وعلى قيامها بالفعاليات والنشاطات والترويج لمواقفها.

أما الأطر الأخرى فهي علاقات الحزب مع سائر الأحزاب والقوى الوطنية الأخرى، وسعيه إلى إيجاد المشتركات معها والعمل سوية بما ينسجم مع مصالح الشعب.

تحالف سائرون

قام تحالف سائرون على أسس برنامجية، منها: القضايا الوطنية ومكافحة الفساد وتحقيق المطالَب الشعبية وتبني إقامة الدولة المدنية واعلاء شأن المواطنة اضافة الى قضايا ذات صلة بالعدالة الاجتماعية. وقد مهد له التنسيق والتعاون الميداني بين الحزب الشيوعي العراقي والتيار الصدري.

وانبثق هذا التحالف الانتخابي أساساً بين الحزب الشيوعي وقوى سياسية مدنية أخرى من جهة، وحركة سياسية واجتماعية شعبية واسعة ذات فكر إسلامي من جهة أخرى، وهو يتمتع بقدرة تعبوية كبيرة وإمكانية تطوير العلاقة ومضامينها السياسية والبرنامجية في حال تم تعزيز المشتركات وتعميقها، وتفعيل قواعد عمل التحالف المتفق عليها وآلياته. ومن العوامل الموضوعية المهمة التي تؤسس لهذه الإمكانية طبيعة جمهور وقاعدة كل من الحزب والتيار، وهم عموما من الكادحين والفقراء والمحرومين والمهمشين.

وكان حزبنا يدرك جيداً ان توسيع دائرة المشتركات يتطلب جهودا مثابرة وصبورة، وحرص كل الأطراف المعنية على تنمية ذلك، مع إمكانية حصول اختلافات في وجهات النظر والتقدير في هذا الموقف او ذاك.

إلاّ أن مجريات عمل سائرون تؤشر حقيقة انه لم يحصل ارتقاء بالعمل إلى مستوى ما علق عليه من آمال، وما يجسد بشكل مقنع أهدافه البرنامجية، وبضمنها في المحاور والملفات التي كان ينتظر من تحالف سائرون أن يكون مبادرا ومحركا رئيسا فيها. ومن ذلك ما يتعلق بقضايا الاصلاح وتشريعاته وخطواته، وتجاوز التقاسم المحاصصي للمناصب العليا في الدولة، وتشريع قانون انتخابي عادل ومنصف، وتجهيز ملفات الفساد، والممارسة الفعالة للدور الرقابي واستخدام ادواته البرلمانية لمحاسبة الفاسدين.

علما ان التحالف لم يؤثر على مواقف حزبنا من بعض القضايا التي كان له فيها رأي خاص، كما ان الحزب عمل من اجل أن تكون الأفعال متطابقة ومنسجمة مع أولويات برنامج سائرون الإصلاحي. ومن ذلك مثلا الموقف من التعديلات الاقصائية لقانون انتخابات مجالس المحافظات التي رفضها حزبنا، وفي شأن مفاوضات وتوزيع مناصب الوكالات والدرجات الخاصة على أسس تحاصصية لا تمثل قطيعة مع الممارسات السابقة لها. ولحزبنا، أيضا، موقفه الخاص بشان قانون انتخابات مجلس النواب وقانون المحكمة الاتحادية.

وعمل الحزب على تأكيد الاستقلالية الفكرية والسياسية والتنظيمية، وواصل طرح وجهات نظره الخاصة ومواقفه المستقلة.

وفِي مجرى الانتفاضة، قدم ممثلا الحزب في مجلس النواب استقالتهما تضامنا ودعما لها واحتجاجا على القمع ضدها وعجز مجلس النواب عن فعل مؤثر لدعم مطالبها وإيقاف القتل الممنهح ضد المنتفضين. وبهذا لم يعد الحزب ممثلا وعضوا في الكتلة النيابية لسائرون. وخلال ذلك اتخذ الحزب موقفا منحازا الى مطالب المنتفضين وأدان مساعي الاضرار بهم.

ان تحالف سائرون وأسسه البرنامجية تجربة مهمة في تاريخ بلادنا السياسي، وجديرة بالتوقف الموضوعي عند كافة جوانبها وهي التي مثلت لقاء نوعيا بين أطراف مدنية واُخرى إسلامية التوجه، ساهم في تبديد بعض التصورات الخاطئة والمواقف الاقصائية الشائعة في اقسام شعبية غير قليلة من المجتمع إزاء المدنيين، والشيوعيين على وجه الخصوص، وفي كسر بعض الحواجز السياسية والثقافية والنفسية القائمة بينهم وبين المتدينين، وفي السعي الى تكريس ثقافة القبول بالاختلاف في الفكر. ذلك ان تحالف سائرون قام بالأصل على احترام الاستقلالية الفكرية والسياسية لكل طرف، والعمل على أساس المشتركات السياسية التي تضمنها برنامج التحالف.

وبينت التجربة ان هناك قضايا معينة يمكن التنسيق والتعاون بشأنها، من دون دفع ذلك الى اطر تحالفية، لانها تحتاج الى مقاربات أخرى لها علاقة بمنهج الأداء السياسي وطبيعة الأطراف ونمط ادارتها، ولا يكفي في هذا الشأن تشابه المنحدر الاجتماعي لطبيعة جمهور القوى المتحالفة.

ولم يكن التحالف في اطار سائرون عائقا امام الحزب لمواصلة جهوده من اجل تطوير التعاون والتنسيق مع القوى والشخصيات المدنية والديمقراطية والسعي لتحقيق وحدة عملها.

وإذ لم يعد سائرون بالنسبة لحزبنا قائما كتحالف، كما نشأ عشية انتخابات ٢٠١٨، فان الحزب يحرص على إدامة علاقاته مع مختلف الأحزاب والقوى الوطنية، وعلى نحو متكافئء ويحترم استقلالية كل طرف والحق في الاختلاف والتباين في الموقف والأسلوب وآليات العمل. وهذا يشمل التيار الصدري وغيره من القوى الوطنية، التي نتقاسم معها مواقف ورؤى معينة، مع الاحتفاظ بحق الاختلاف والتباين السلمي الديمقراطي.

الوجود العسكري الأجنبي

إن الحزب رفض أساسا اللجوء إلى الخارج والاستعانة به عسكريا، للخلاص من النظام الدكتاتوري المقبور. وعند وقوع الاحتلال الأمريكي لبلادنا عملنا مع غيرنا من القوى السياسية على إنهائه واستعادة السيادة العراقية كاملة.

وفِي خضم المعركة ضد داعش والإرهاب اضطر العراق إلى الاستعانة بالدعم اللوجستي والتدريب، والى توفير غطاء الجوي للقوات العراقية المسلحة.

وقد أكدنا مرارا موقفنا الواضح الرافض للوجود العسكري الأجنبي ولبناء قواعد في بلادنا، وميزنا بين هذا، وبين حاجات المعركة ضد الإرهاب، وكذلك الحاجة إلى تمكين القوات العراقية.

ويرى حزبنا أن إنهاء كل تواجد عسكري أجنبي على أرض بلادنا مطلب وطني وهدف ينبغي العمل الحثيث وبثبات وجدية لتحقيقه، وتوفير جميع الشروط والمستلزمات التي تمكن العراق من الحفاظ على أمنه وسيادته واستقراره ذاتيا. ومن أهم هذه المتطلبات تحقيق إجماع سياسي وطني حول إنهاء أي تواجد عسكري أجنبي، وتعزيز الوحدة الوطنية وأجواء الثقة بين مختلف أطياف ومكونات شعبنا، إلى جانب تعزيز قدرات قواتنا المسلحة تسليحا وتدريبا وجاهزية، وحصر السلاح والعمليات العسكرية بيد الدولة.

واننا نجدد رفضنا لأي تدخل خارجي في شؤون بلدنا من أية جهة أو طرف، وان يحترم الجميع حقوق العراق ومصالحه وسيادته وقراره الوطني المستقل، ولا بد أن يكون تثبيت هذه المبادئ والتشديد على الالتزام بها محورا أساسيا في الحوار العراقي- الأمريكي بشأن مراجعة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، إلى جانب موضوع تواجد القوات الأمريكية وتفعيل بنود اتفاقية الاطار الاستراتيجي في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية وغيرها من المجالات غير العسكرية والأمنية.

من أجل تعزيز القوات المسلحة ودحر داعش

حققت قواتنا المسلحة على اختلاف صنوفها وتشكيلاتها انتصارات عسكرية كبيرة على داعش الإرهابي وحررت محافظات بلدنا من سيطرته.

إلاّ أن معركة شعبنا مع الإرهاب لم تنته بعد، ولأجل أن تحقق النصر النهائي على الإرهاب تحتاج إلى مقاربات متعددة ومنظومة توجهات وإجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية، في مقدمتها تطوير قواتنا كضرورة ملحة ومهمة وطنية متواصلة. وهذا يتطلب رفع إمكاناتها وقدراتها وتعزيز تسليحها وتنويعه، وأيضا حسن تدريبها وإعادة بنائها في ضوء عقيدة وطنية قوامها الإخلاص للوطن والولاء له وتنفيذ مهامها وفقا للدستور، كذلك إسناد المهام فيها إلى ذوي الكفاءة والنزاهة وتخليصها من الفاسدين والمرتشين و"الفضائيين". فهذه القوات هي المعول عليها أساسا في الدفاع عن الوطن وصيانة نظامه الدستوري وتحقيق الاستقرار الداخلي.

 وبموازاة ذلك يتوجب العمل جديا على وضع حد للتجاوز على القانون وللعمل خارج منظومة الدولة الرسمية، في سياق تهيئة مستلزمات التطبيق الفعلي والعملي لشعار حصر السلاح بيد الدولة، وما يتطلبه من إلغاء أي وجود عسكري خارج الأطر القانونية ومؤسسات الدولة المعنية، وما يقود في نهاية المطاف إلى دمج المؤهلين في الحشد المنظم في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، كذلك عدم السماح باي وجود للتشكيلات المليشياوية،أيا كانت مسمياتها.

وبات ملحا اتخاذ الخطوات الرادعة لأي تمرد على سلطة الدولة وهيبتها، ولأي مسعى يستهدف إضعافها، بما في ذلك التصدي بحزم لجماعات الجريمة المنظمة وعصابات السطو المسلح وتجار المخدرات واختطاف المواطنين واغتيالهم، والتدخلات العشائرية "ودكات" بعضها. وان على القائد العام للقوات المسلحة أن يتحمل مسؤوليته كاملة في السيطرة على القوات المسلحة والأمنية على اختلاف صنوفها وتشكيلاتها وفي توجيهها، لإنهاء التجاوزات والخروقات التي تهدد السلم الأهلي والسيادة الوطنية وتصادر دور الدولة.

إن من شان تحقيق ذلك وتهيئة الأجواء السياسية المناسبة، أن يسهما في تعزيز إمكانات حفظ سيادة العراق وتحكمه في أرضه وأجوائه ومياهه، وتأمين استقلالية القرار الوطني العراقي، وتحقيق النصر الكامل على داعش الإرهابي.

الأوضاع في اقليم كردستان والعلاقة بين حكومته والحكومة الاتحادية

يعاني الإقليم أوضاعا صعبة وتعقيدات سياسية واقتصادية ومالية. وهذا ليس بعيدا عن الوضع العام المتردي في العراق ككل، وما يواجهه من تحديات ومن حالة استعصاء، إلى جانب التدخلات الخارجية في شؤون الإقليم.

وكما في مناطق العراق الأخرى يعاني الإقليم من تداعيات وباء كورونا وتأثيره على الحياة العامة والواقع الاقتصادي والمعيشي وحركة الإنتاج، وعدم ضمان رواتب الموظفين والمتقاعدين كافة في الإقليم، وما اثاره ذلك من حالة استياء وتذمر واحتجاجات شعبية.

وما زالت الأوضاع السياسة في الاقليم تشهد اختناقات وتوترات وعدم تنسيق وتعاون بين الأجهزة والمؤسسات فيه، بل وتقاطعها، ما يزيد من قلق وتذمر المواطنين.

وتمس الحاجة في الإقليم إلى الإصلاحات متعددة الجوانب، والى تعزيز الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير والاحتجاج، وضمان حق الاحتجاج السلمي وممارسة الشفافية في الكشف عن الإيرادات والنفقات العامة، خاصة في مجالات النفط والغاز وواردات الكمارك والمنافذ الحدودية، والتصدي بحزم لمظاهر الفساد، وإنهاء مظاهر نظام الإدارتين السابق، خصوصا في مجال قوات البيشمركة والأمن، والتركيز على البناء المؤسسي.

ومع تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة في العراق، بات ملحا بدء مباحثات جدية وبناءة وفي إطار الدستور، لحل الإشكالات القائمة في ما يخص الرواتب والنفط والكمارك والمادة ١٤٠، وعدم السماح باي مسعى يستهدف تغيير الطابع الديموغرافي للمناطق المشمولة بها، كذلك الإسراع في تشريع قانون النفط والغاز وتفعيل المادة ١٠٦ من الدستور بشان الموارد المالية الاتحادية. فتحقيق هذا من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الاستقرار والتعاون المثمر والبناء.

وتبقى الحاجة قائمة إلى مبادرات حثيثة، خاصة من جانب من بيدهم القرار لتحريك الأجواء ومنع تراكم المشاكل، والى توفير الإرادة السياسية لحل كل قضية في وقتها عبر الحوار الجاد الصبور المتواصل وبعيدا عن القطيعة والجفاء، وقطع الطريق على المتربصين والشوفينيين ممن لهم مصلحة في إدامة التوتر والحؤول دون استقرار البلاد.

نحو سياسة اقتصادية بديلة

أفضت السياسة الاقتصادية المتبعة منذ ٢٠٠٣ حتى الآن إلى تعميق المشاكل البنيوية للاقتصاد العراقي، وتشديد طابعه الريعي واعتماده على الموارد النفطية، وما ينجم عن ذلك من وضعه تحت رحمة سوق النفط العالمية.

ومن الواضح اليوم أن انخفاض أسعار النفط عالميا وتضاؤل الطلب عليه ارتباطا بتفشي وباء كورونا، أديا إلى تقليص كميات النفط العراقي المصدرة بالتزامن مع انخفاض سعره، فكانت الحصيلة انخفاضا كبيرا في عائدات النفط التي هي المصدر الأساس، وبنسبة تزيد عن ٩٥ في المائة، لتمويل الموازنة العامة ونفقات الدولة.

وواقع الحال أن الحلول المقترحة من طرف اللجان البرلمانية والسلطة التنفيذية للخروج من هذا المأزق المالي تتسم جميعا بالقسوة.

إن بلدنا يواجه اليوم اختلالات اقتصادية هيكلية بلغت حدا غير قابل للاستدامة. فقد طغى النمط الاستهلاكي على الانفاقين الحكومي والخاص على حساب الادخار والاستثمار وتطوير البني التحتية والأنشطة الإنتاجية الوطنية، وهو ما كرس الطابع الريعي للاقتصاد العراقي والاعتماد المفرط على العوائد النفطية، فيما فشلت الحكومات المتتالية في انتهاج السياسات المناسبة للتحوط إزاء التقلبات في الأسعار وفي أسواق النفط العالمية، وتوجيه العائدات النفطية نحو الأغراض التنموية وتطوير القطاعات الانتاجية غير النفطية. فعلى مدى سنوات ظلت أسعار النفط التخمينية في الموازنة العامة أدنى من الأسعار الفعلية، وبدلا عن تأسيس صناديق سيادية تودع فيها فوائض الفروقات، مثلما يفعل العديد من البلدان الأخرى المصدرة للنفط، جرى التصرف بالفوائض على نحو غير شفاف من قبل السلطات التنفيذية. وإلى جانب ذلك تضخم الإنفاق التشغيلي على حساب الاستثماري في الموازنات الحكومية، حتى انتهينا إلى الحال الراهن المناقض لكل منطق اقتصادي، حيث يتم تخصيص كل العائد النفطي الناتج عن ثروة طبيعية ناضبة للاستهلاك، فيما يجري اللجوء إلى الاقتراض لتأمين التخصيصات الاستثمارية المحدودة أصلا!

إن ما نشهد اليوم من أزمات متفاقمة، ينبغي مواجهته برؤية إستراتيجية وليس بمنطق إدارة أزمة عابرة تتطلب حلولا آنية، لا سيما وأن الكثير منها من شأنه أن يزيد معاناة قطاعات شعبية واسعة، وارتهان الدولة للقروض الداخلية والخارجية. وهذا يفترض التوقف عن الركض وراء سراب سياسة السوق المفتوحة والليبرالية الجديدة، وأمامنا صورة ومشهد ما يجري هذه الأيام في معاقل دول الرأسمالية ذاتها، وما يلحق من أذى بالغ بغالبية شعوبها.

لقد حان وقت المراجعة الشاملة، وبات ملحاً أن يجري تبني سياسة تنويع مصادر الدخل الوطني، وتنمية قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات الإنتاجية والسياحية، وضبط موارد المنافذ الحدودية والكمارك، واعتماد الضريبة التصاعدية، وإنشاء الصناديق السيادية. كذلك مراجعة مسألة الرواتب العالية والمخصصات والامتيازات وتخفيضها، وتشريع قانون موحد للرواتب عادل ومنصف، ووقف الهدر والبذخ على كافة المستويات، والتصدي الناجع للفساد، واسترداد الأموال المنهوبة، ومراجعة عقود التراخيص بما يضمن مصالح العراق ويؤمّن تجنيبه تبعات التذبذب في أسعار النفط. كما يتوجب التدقيق في عمل نافذة بيع العملة في البنك المركزي، ووضع حد لحالات الفساد فيها ولتسرب الأموال إلى الخارج، والعمل بصورة مكثفة على وضع نهاية عاجلة لأزمة الكهرباء الدائمة، ولقضية استيراد المشتقات النفطية في الوقت الذي تتوفر فيه عندنا كل مستلزمات الصناعات البتروكيماوية، بما يمكن العراق من تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاجها.

إن هذا وغيره من الأمور الملحة يحتاج إلى وضع خطط مرنة قابلة للتنفيذ، والحرص على توفير مستلزمات تحويلها إلى التطبيق العملي.

مستجدات إقليمية

- في الشرق الأوسط، جاء إعلان اتفاق "ترامب – نتانياهو" في واشنطن في 28 كانون الثاني الماضي وكشف تفاصيل ما سمي "صفقة القرن"، تتويجاً للمؤامرات والدسائس التي تهدف إلى تصفية قضية الشعب الفلسطيني، واقتلاعه من أرضه تماما وإنكار حقه في إقامة دولته الوطنية، وتحويله الى مجموعة من اللاجئين والمشردين. وقد أعلن نتانياهو مؤخراً عزمه على التعجيل في تنفيذ خططه لضم أكثر من ٣٠ في المئة من مساحة الضفة الغربية، بعد الأول من تموز، كجزء من الاتفاق الائتلافي لتشكيل الحكومة الجديدة. وكان ضم غور الأردن وشمال البحر الميت وجميع المستوطنات التي أقامتها سلطة الاحتلال على أراضي الضفة الغربية، وعداً رئيسيا لحملته في الانتخابات الأخيرة.

وما كان لإدارة ترامب وسلطة الاحتلال الصهيوني ان تمضي قدما في تنفيذ خططها وتحاول فرضها، لولا حال الشلل الذي تعيشه المنطقة والنهج التساومي لأنظمتها وإضعافها قدرات شعوبها، ولولا استمرار حال عدم التوافق بين القوى الفلسطينية وانقسامها الداخلي.

ولقيت هذه الصفقة إدانة وشجبا واسعين من قبل القوى الوطنية والتقدمية في المنطقة التي اعتبرتها نسخة جديدة من وعد بلفور المشؤوم، ودعت إلى تعبئة الجهود والطاقات لوأدها ودفنها في مهدها. وجدد حزبنا الشيوعي موقفه الثابت في دعم الشعب الفلسطيني ونضاله البطولي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتأييد حقه المشروع في إقامة دولته الوطنية المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس، وفقاً للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

- وفي لبنان واصل الشعب انتفاضته الباسلة التي انطلقت في منتصف تشرين الأول الماضي، رغم العنف والترهيب الذي مارسته السلطة، رافضاً سياسات التجويع والإفقار والهدر والفساد والطائفية السياسية والتبعية والتدخلات الخارجية، ومطالباً بحقوقه المشروعة في الحياة الكريمة والوطن الحر المستقل. وأكد حزبنا تضامنه الكامل مع الشعب اللبناني وقواه وأحزابه الوطنية والديمقراطية وبضمنها الحزب الشيوعي اللبناني الشقيق الذي اعتبر ان لا حل إلّا بكسر النظام الطائفي المتخلف عبر الانتقال إلى نظام انتخابي قائم على النسبية خارج القيد الطائفي.

- وفي السودان، تسعى قوى الثورة المضادة وبقايا النظام الدكتاتوري إلى التجمع من جديد والتآمر على وحدة الشعب ونسيجه الاجتماعي وضرب المكتسبات التي حققها الشعب، فيما تظهر بوادر انقسام وتشتت في قوى الثورة والتنازع حول المواقع السياسية والتنفيذية وتتعثر مسألة السلام بسبب خطأ منهجي ودستوري في معالجتها. واعتبر الحزب الشيوعي السوداني ان ثورة ديسمبر (كانون الأول) تمر في منعطف خطير، ودعا إلى وحدة قواها حول مهام الثورة المُعبّر عنها في إعلان ميثاق الحرية والتغيير والمواثيق الأخرى والمجسدة في شعار الثورة الجامع "حرية سلام وعدالة" كما طالب باستكمال هياكل السلطة بإعلان تشكيل المجلس التشريعي كخطوة مهمة في طريق تدعيم السلطة المدنية الكاملة، ومشاركة أوسع للمنتفضين في الرقابة وعملية صنع القرار وتنفيذه.

- وفي منطقة الخليج تصاعد التوتر في مطلع السنة إثر عملية الاغتيال التي نفذتها القوات الأمريكية في بغداد واستهدفت شخصيات إيرانية وعراقية قيادية وما أعقبها من مسلسل إحداث خطيرة يهدد بإشعال فتيل حرب أخرى ستكون لها نتائج كارثية يدفع شعبنا العراقي وشعوب المنطقة ثمنها الباهض. وهناك من يتحين الفرص لصب المزيد من الزيت على النيران الملتهبة في المنطقة، ويسعى إلى خلط الأوراق لحسابات خاصة به، وفي مقدمة هؤلاء حكام إسرائيل.

- ويعاني الشعب الإيراني من ظروف صعبة، وتتفاقم أوضاع الناس المعيشية جراء عوامل عدة، منها الحصار متعدد الأشكال الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على إيران، والذي اخذ يترك آثاره السلبية على المواطنين، فيما تتسع المطالبات بالإصلاح والانفتاح والتوظيف الأفضل للموارد المالية وتحقيق التنمية المستدامة، وإقامة علاقات متكافئة مع شعوب المنطقة والعالم على أساس التكافؤ والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام إرادة الشعوب وخياراتها.

- وتشهد الأوضاع الداخلية في تركيا تفاقما متزايدا على خلفية سياسات اردوغان وحزبه الحاكم، واستمرار مصادرة الديمقراطية وحقوق الشعب الكردي فيها، والتدخلات الفظة في شؤون دول المنطقة، ومنها العراق وسوريا وليبيا.

- إن تصعيد التوترات في المنطقة إلى جانب تزايد عنجهية إسرائيل، واستمرار الحروب العدوانية والنزاعات المسلحة ونشاط التنظيمات الإرهابية في العديد من بلدان المنطقة، ومحاولات إعادة العالم إلى أجواء الحرب الباردة وسباق التسلح، واستخدام العقوبات الاقتصادية والسياسية على نطاق واسع خاصة من قبل الإدارة الأمريكية، وتصدير السلاح خصوصاً إلى منطقة الشرق الأوسط لإدامة الهيمنة عليها والتحكم بثرواتها وتأجيج النزاعات على أسس طائفية واثنية، وحفز التفكك الداخلي لمجتمعاتها.. ان هذه السياسات وغيرها تقود إلى عدم الاستقرار وضياع فرص التنمية والتقدم وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لشعوب المنطقة، والى تهيئة أرضية خصبة لنمو الحركات اليمينية المتطرفة والفاشية والإرهابية التي تهدد أيضا السلم العالمي.

- لذا يجدد حزبنا موقفه الداعي إلى بذل الجهود من اجل نزع فتيل الحرب والجنوح إلى السلم والحوار والتفاوض، وعدم الترويج لما يمكن أن يشعل المنطقة ويلحق أفدح الخسائر بها وبشعوبها. وهو يؤكد في الوقت ذاته على حق شعوب المنطقة بأن تختار أنظمتها السياسية وفق إرادتها الحرة من دون حروب وعقوبات اقتصادية وحصار.

مستجدات دولية

- يشهد العالم على نحو غير مسبوق أسوأ أزمة صحية عالمية منذ عقود، بعد انتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد -19" في نهاية العام الماضي في الصين وانتقاله إلى العديد من البلدان الاخرى، وتحوله إلى وباء يهدد حياة الملايين من البشر في أرجاء المعمورة.

- ولم يعد الامر مجرد أزمة صحية، بل غدا أزمة سياسية واجتماعية وبيئية. وتتداخل هذه الأزمات بأشكال يصعب التكهن بها، وقد أصبحت تهدد دعائم النظام الرأسمالي. كما أنها ستهدد بشكل خاص البلدان والاقتصادات النامية، بسبب لضعف أنظمتها الصحية ومحدودية الموارد المتاحة لها لدرء آثار هذه الأزمة العالمية. وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة اكبر تحدٍ يواجه العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

- وتتضح الآن على نحو متزايد الآثار الكارثية، الاقتصادية والاجتماعية، لهذا الوباء. فقد دخل الاقتصاد العالمي في ركود وأزمة مالية أسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية في 2008، وقد فقد الملايين فرص عملهم واخذت تتدهور الاستثمارات الأجنبية في العالم، وهو ما سيفضي أيضا إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات، مع ما يخلفه من آثار اقتصادية وخيمة.

- وكما هو الحال دائماً في أزمات الرأسمالية، تسعى احتكاراتها والحكومات والقوى السياسية التي تمثل مصالحها، إلى تحميل الشغيلة والشعوب أعباء الأزمة وحلها على حسابها، وتبرير ذلك بطرق دنيئة مستخدمة امكاناتها الدعائية والإعلامية الهائلة، ومسخرة دولها وأجهزتها والمؤسسات المالية الدولية الخاضعة لهيمنتها من اجل تحقيق هذا الهدف، دون اكتراث لمصائر الشعوب وأرواح البشر. وتُسفر الرأسمالية واحتكاراتها بذلك، ومن جديد، عن الجوهر الاستغلالي لنظامها الذي كشفت عنه مراراً الحروب العدوانية التي أشعلتها والنزاعات المسلحة والتدخلات المكشوفة والمستترة التي تغذيها، لإدامة نظامها العالمي الجائر وهيمنتها وتحكمها بثروات العالم، ولتكثيف استغلال شعوبه في سعيها المحموم لتحقيق أقصى الأرباح.

- وكشفت الأزمة الصحية الخطيرة، وهي لا تزال تتفاقم، عن عجز الأنظمة الصحية العامة للعديد من بلدان الاتحاد الأوروبي، من ضمنها ايطاليا واسبانيا وبريطانيا وفرنسا، عن توفير متطلبات أساسية للوقاية والرعاية الصحية، ليس للمواطنين فحسب بل أيضا للعاملين في هذه الأنظمة، من أطباء وممرضين وموظفين يقفون في الصفوف الأمامية في مواجهة وباء كورونا، ويعرّضون ارواحهم للخطر. ويكمن السبب الرئيسي وراء هذا العجز الفاضح، الذي جعل الأنظمة الصحية لبعض الدول تقف على حافة الانهيار، في سياسات الخصخصة وإجراءات التقشف القاسية التي طبقتها حكومات هذه البلدان وفقاً لنهج الليبرالية الجديدة، وشملت قطاع الصحة العامة.

- وفي الولايات المتحدة لم تكتف إدارة ترامب بتجاهل التحذيرات التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية وعلماء وباحثون، حاثّة على اتخاذ تدابير عاجلة للوقاية من مخاطر الوباء، خصوصا بعد انتشاره في العديد من البلدان، واعتباره يمثل "حالة طوارئ صحية عالمية"، بل تعاملت معها بازدراء. وتوّجت ذلك بالانسحاب من هذه المنظمة الدولية، واوقفت مساهمة الولايات المتحدة المالية فيها. وفي محاولة لصرف الانتباه عن الأزمة الصحية والاقتصادية المتفاقمة، حمّلت الصين مسؤولية انتشار الفيروس. وسعت في الوقت عينه إلى إشعال "حرب باردة" جديدة عبر تصعيد المواجهة مع الصين سياسياً وتجارياً.

وتكشف حصيلة ضحايا الوباء الوجه البشع للرأسمالية في اكبر اقتصاد عالمي، حيث لا يزال النظام الصحي للولايات المتحدة قائماً على الخصخصة والربح، بدلاً من جعل الرعاية الصحية أحد حقوق الإنسان الأساسية.

- وفيما كانت الأزمة الاقتصادية التي أشعلها وباء كورونا تجتاح الولايات المتحدة، تفجرت في ارجائها احتجاجات شعبية ضد "وباء العنصرية"، غداة جريمة قتل جورج فلويد، المواطن الأمريكي من أصول افريقية، على أيدي أفراد من شرطة مدينة مينيابوليس. وخرج مئات الألوف للمشاركة في تظاهرات عارمة في أرجاء البلاد ضد التمييز والعنف العنصريين وللمطالبة بالعدالة، كان شعارها العبارة الأخيرة التي قالها فلويد قبل وفاته: "لم اعد استطيع التنفّس".

وسعت إدارة ترامب إلى مواجهة هذه الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة بالقوة وبالاستعانة بالحرس الوطني والتهديد بنشر قوات الجيش. لكن الاحتجاجات تحولت إلى إدانة شعبية للسياسات الاقتصادية والعنصرية لهذه الإدارة، ولفشلها في مواجهة وباء كورونا الذي فاقم معاناة الشغيلة من الملونين والأقليات، الذين يلقون حتفهم بمعدلات هي الأعلى بين مكونّات المجتمع. كما مثلت الاحتجاجات، التي حظيت بتضامن عالمي كبير، إدانة قوية للرأسمالية ونظامها الذي يعمق التفاوت الاجتماعي ويشدد اضطهاد الشغيلة واستغلالها، ويهدد مكتسباتها وحقوقها الأساسية كلما تعمقت أزماته.

- في المقابل، تمكنت الصين من التصدي للوباء واحتوائه بنجاح، عبر تعبئة كل موارد الدولة واستنهاض الشعب بالاستناد إلى خطة محكمة وتدابير استثنائية شاملة وجهود وطنية هائلة. وفيما يستمر تحسن أعمال الوقاية والسيطرة على الوباء تتسارع استعادة الإنتاج والحياة. فيما بوشر بتقديم المساعدة الصينية للعديد من البلدان التي تفشى فيها الوباء على نطاق واسع، مثل ايطاليا واسبانيا، كذلك عرضت الصين خبراتها ونتائج أبحاثها الطبية على البلدان الاخرى ومنها مثلا بلدنا العراق. وبذلك قدمت الصين، ومثلها كوبا وروسيا، في مقابل غياب الاتحاد الأوروبي، مثالاً جيداً في التضامن العالمي المطلوب على نحو استثنائي بين الدول والشعوب لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية العالمية، وللانتصار على هذا الوباء الخطير. ويكتسب هذا التضامن أهمية حاسمة في مساعدة الدول النامية، الأقل استعدادًا لمواجهة هذه الأزمة. وهو ما عبّر عنه القرار الذي تبنته بالإجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 نيسان 2020 ودعت فيه إلى "تعاون دولي" متعدد الأطراف لمواجهة الوباء بشكل موحد.

- وإزاء التحديات الجسيمة التي أثارتها على نحو غير مسبوق هذه الأزمة الصحية العالمية ووباء كورونا، وتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دعت قوى اليسار والأحزاب الشيوعية والعمالية إلى خطوات عاجلة لتعزيز نظم الصحة العامة وقدراتها بتمويل من الدول، وتوفير وسائط الحماية والوقاية الضرورية، وحماية مداخيل وحقوق الشغيلة والفئات الشعبية المسحوقة، والتصدي لمحاولات التضييق على الحريات والحقوق الديمقراطية للشعوب تحت ستار مكافحة الوباء، وإنهاء العقوبات والحصار الاقتصادي الذي يعمق معاناة شعوب البلدان التي يُفرض عليها، ومنع كل ما يهدد صحتها وحياتها.

- من جانب آخر، تثار اليوم تساؤلات كبيرة عن عالم ما بعد كورونا. فهل سيدشن نهاية العولمة الاقتصادية، أم أنها ستشهد تحولاً وانتقالاً إلى صيغة أخرى للاندماج العالمي، محدودة أكثر بالمقارنة مع تلك التي القائمة خلال العقود الثلاثة الماضية. وهل سيكون من أبرز سمات عالم ما بعد كورونا تصعيد التنافس الجيو سياسي واحتدام الحرب التجارية، خصوصاً بين الولايات المتحدة والصين، أم سيتجه العالم نحو نظام عالمي جديد يتمحور حول القيم الإنسانية، ونحو قيام عالم متعدد الأقطاب يغلّب، في مواجهة التهديدات المشتركة، مبدأ التعاون الدولي والتضامن الإنساني، ويخفض التوترات الدولية ويقلص نفقات التسلح. عالم يقوم على زيادة الحس المدني، وحماية البيئة، واللجوء على الصعيد الاقتصادي إلى أنماط إنتاج وتبادل مختلفة، وإحداث تغيير جذري فيها، والتركيز مجددا على الإنتاج الوطني، وعدم إخضاع الخدمات العامة، خصوصاً القطاع الصحي، لقوانين السوق، وإعطاء الأولوية للسياسات التي تسمح بالحد من أشكال اللامساواة، وبتوفير قدر من العدالة الاجتماعية.

مهماتنا في الفترة القادمة:

- تعزيز زخم الحراك الشعبي والضغط على الحكومة المؤقتة لتحقيق مطالب الانتفاضة، المتمثلة في إجراء الانتخابات المبكرة، وتقديم قتلة المتظاهرين إلى القضاء، وكشف ملفات الفساد، وتحقيق إجراءات اقتصادية اجتماعية لصالح الجماهير الكادحة ومحدودي الدخل.

- إعادة بناء التيار الديمقراطي واستنهاضه، وتعزيز دور القوى المدنية والديمقراطية، والعمل على توسيع دائرة المشتركات على طريق تحقيق الإصلاح والتغيير.

- تعزيز العلاقات مع الأحزاب والقوى السياسية الوطنية والتعاون معها بما ينسجم مع مصالح الشعب، والتوجه لتعزيز الديمقراطية السياسية والمواطنة وتحقيق العدالة الاجتماعية.

- الاستعداد المبكر لانتخابات مجلس النواب القادم، والعمل على تعديل قانون انتخابات مجلس النواب المقر لإجراء الانتخابات المبكرة بإشراف أممي فاعل، والمطالبة بتشكيل مجلس المفوضية العليا للانتخابات وجهازها الإداري، المركزي وفِي المحافظات، من كفاءات وطنية نزيهة، والتطبيق السليم لقانون الأحزاب.

- المطالبة بإلغاء القرارات والقوانين المتنافية مع مصالح الناس، وسن قوانين تخدم المواطنين، ومنها للضمان الصحي والاجتماعي، وتعديل قانون التقاعد الموحد ووضع سلم عادل للرواتب والأجور.

- تنشيط دور منظمات الحزب في تعزيز صلاتها بالجماهير وتبني مطالبها العادلة، وادامة زخم الانتفاضة الشعبية الباسلة والحركة الاحتجاجية، والمشاركة في الفعاليات والتجمعات الجماهيرية، ونسج العلاقات مع التنسيقيات الاحتجاجية على اساس التعاون والتنسيق لتحقيق أهداف الانتفاضة.

- المشاركة الفاعلة في حملة التصدي لوباء كورونا والالتزام بالإجراءات الصحية الوقائية التي تتخذها الجهات ذات العلاقة.

- دعم المطالبة بجعل قطاعي الصحة والتعليم في مقدمة أولويات الدولة والموازنة العامة، والارتقاء بمستوى الخدمات الصحية العامة، وإصلاح المنظومة التربوية والتعليمية في مختلف مراحلها، وصيانة حرمة الجامعات واستقلالها، واحترام الحريات الأكاديمية.

- رفع مستوى العمل الفكري والسياسي لمنظمات الحزب، والتثقيف بمواقف الحزب ورؤيته للتغيير.

- التوجه نحو تعزيز الصلات مع مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، وبضمنهم الشباب والطلبة والنساء والمثقفون، والعمل على تنمية الوعي الاجتماعي بحاجات ومطالب الناس وضرورة واهمية عملية التغيير.

- السعي الى تعزيز دور المنظمات الجماهيرية والديمقراطية والنقابات العمالية والاتحادات المهنية ومنظمات المجتمع المدني، لتحقيق اهدافها والمساهمة في بناء الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

- تطوير المنابر الإعلامية للحزب واستخدام تكنولوجيا الاتصالات الحديثة في الترويج لخطاب الحزب ومواقفه وسياسته وإيصالها إلى أوسع الجماهير.

- بدء التهيئة والتحضير للمؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب، واطلاق حملة علنية للمشاركة الواسعة في مناقشة برنامج الحزب والتقرير السياسي ونظامه الداخلي.