يعد اجراء انتخابات عادلة ونزيهة وذات صدقية مطلبا أساسياً للمنتفضين وللشعب كله. ولاجراء هذه الانتخابات وضمان مشاركة جماهيرية واسعة فيها، وتأمين خلوها من التزوير وتزييف إرادة الناخب، يتوجب اصلاح المنظومة الانتخابية بكاملها: تشريع قانون انتخابات عادل ومنصف، بناء مفوضية انتخابات مهنية ومستقلة حقا وقادرة على أداء مهامها ، اقرار ضوابط  ملزمة تنظم الحملات الانتخابية، وتفرض سقوفا ورقابة على الاموال التي تنفقها الكتل الانتخابية والمرشحون، اعلان المنع الواضح والصريح لاستخدام المال السياسي في شراء الذمم، والاستعانة بالدعم الخارجي، والتهديد  المباشر وغير المباشر وبأي شكل كان، والتطبيق السليم وغير الانتقائي لقانون الأحزاب وحرمان من يمتلك تشكيلات مسلحة او مليشياوية من المشاركة في العملية الانتخابية، وضمان اشراف دولي فاعل .

 ان الدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة وتهيئة مستلزمات اجرائها، تنطلق من أهمية الاستجابة الى الصوت الشعبي المتطلع الى التغيير، إلى جانب كونها التزاما أدرجه رئيس مجلس الوزراء في منهاج حكومته. فالانتخابات تمثل أداة سلمية ودستورية رئيسة لإحداث التغيير، بما يمكن ان تفرزه من توازنات جديدة تعكس  المستجدات والفرز الحاصل في مواقف مختلف القوى والأحزاب والكتل السياسية، وما فرضته انتفاضة تشرين الباسلة من معطيات جديدة في المشهد السياسي. 

فالانتخابات بهذا المعنى لا بد ان تكون رافعة لتغيير جدي في قوام مجلس النواب، بما يجعله اقرب الى هموم الناس وتطلعاتهم، وأقدر على حماية حقوقهم وتوفير مستلزمات العيش الكريم الآمن  لهم .

يتحدث عدد من الكتل السياسية والنواب عن صعوبات تحول دون اجراء انتخابات مبكرة، ومن ذلك عدم إقرار قانون الانتخابات بصيغته النهائية، بسبب صعوبة تحديد الدوائر الصغيرة التي جاءت بها الصيغة الجديدة غير الموفقة للقانون، وبسبب الازمة  المالية، وعدم تشريع قانون المحكمة الاتحادية وعدم اكتمال قوامها .

ان تلك الكتل السياسية المتنفذة، التي دفعت بهذه الصيغة غير الناضجة لقانون انتخابات مجلس النواب، كانت تعرف جيدا ومنذ البداية، المعوقات الفنية التي تحول دون تطبيق الصيغة، وبذلك فقد ساهمت عملياً  وفعلياً في عرقلة اجرائها .

فكيف يجري تبني صيغة غير قابلة للتطبيق، ولا يتوفر العديد من مستلزمات اجرائها، ومنها الإحصاء السكاني، وعدم وضوح حدود الاقضية ( إن اعتبرت هي الدائرة الصغيرة)  وحجم سكانها ، والقضايا ذات العلاقة بالمناطق المتنازع عليها، وإمكانية تحقيق نسبة تمثيل للنساء وفقا لما جاء في الدستور؟

لقد سبق لنا أن نبهنا إلى سلبيات اعتماد نظام الدوائر المتعددة الصغيرة، فإلى جانب المعوقات العملية التي اشرنا إليها في ما تقدم، فإنه، على عكس ما يجري ترويجه ، لا يوفر العدالة المطلوبة. إذ يعطي فرصا أكبر لممثلي التشكيلات الاجتماعية التقليدية، ولمن يمتلك المال وقوة التنظيم وأدوات السلطة والنفوذ.  لذا نرى أن القانون الذي  يعتمد المحافظة دائرة انتخابية واحدة، وتوزيع المقاعد حسب سانت ليغو بصيغته الاصلية غير المعدلة، أكثر عدلاً وإنصافا.

فهذا هو الانسب لواقع وظروف بلدنا ، وإذا ما اقترن باعتماد صيغة القائمة الوطنية الواحدة المفتوحة، فسيكون أفضل معبّر عن رأي شعبنا بكل مكوناته، وينسجم مع الرغبات والدعوات إلى إعمال مبدأ المواطنة، ومغادرة المحاصصات، وتعزيز الوحدة الوطنية،  وجعل مجلس النواب ممثلاً لكل العراقيين ولمصالح الوطن العليا. كما ان الدائرة الواحدة تمثل الطريقة المثلى  لتجسيد مبدأ مشاركة المراة بنسبة لا تقل عن ٢٥ في المائة .

اننا، مع جماهير شعبنا والمنتفضين، نتطلع الى اجراء الانتخابات المبكرة والمشاركة الفاعلة فيها، وننتظر ان يعمل مجلس النواب والحكومة على استكمال متطلباتها. وان الصعوبات التي يجري الحديث عنها ، يتوجب ان يجري التعامل معها كتحديات. وان إنجاز ذلك هو استجابة  لمطالب المنتفضين ودعوتهم الى تغيير كامل المنظومة السياسية الحاكمة،  وبما يفضي في نهاية المطاف الى الخلاص من المحاصصة والفساد ، وتحقيق دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية .