جاء انسحاب السيد محمد توفيق علاوي واعتذاره عن تشكيل الحكومة ليؤكد عمق الازمة العامة في البلد بجوانبها المتعددة، وحالة الاستعصاء السياسي، ومأزق نظام المحاصصة الذي ما اكثر ما اشرنا الى كونه هو نفسه ولادا للازمات، ولا ينتظر منه حل او مخرج. فما حصل ويحصل لا يعكس ازمة تشكيل الحكومة فقط، بل ايضا ازمة نظام الحكم ومنهجه، ونمط التفكير السائد. انه يؤشر ازمة المنظومة السياسية بكاملها .
من جانب اخر اشرت مجريات تشكيل الحكومة الانتقالية مدى انانية وضيق القوى المتنفذة، واصرارها على ادامة نهج المحاصصة، وتقديم مصالحها ونفوذها على كل شيء آخر ، وان اختارت لذلك مسميات وتعابير اخرى.
كذلك اشرت التطورات منذ اعلان التكليف قبل شهر حتى الاعتذار يوم امس الاول، خللا كبيرا في اعتماد معايير التكليف والترشيح، لهذا فان مصير من يكلَّف وفق النهج والسياق المعتمدين لن يختلف عما انتهى اليه السيد محمد توفيق علاوي. وعليه يتطلب الحال دراسة ما حصل واستخلاص الدروس منه، حتى لا يتحول بلدنا الى حقل تجارب فيما تواجهه التحديات من كل حدب وصوب ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يضاف اليها فايروس كورونا اللعين.
ان الخروج من ازمة تشكيل الحكومة يتطلب موقفا مسؤولا من الكل، والارتقاء الى مستوى الصعوبات الجمة التي تواجه البلد، وان يتوفر الادراك لطبيعة الحكومة المطلوبة ، باعتبارها حكومة انتقالية مؤقتة لن يزيد عمرها عن شهور، ويترأسها شخص غير جدلي يمتلك القدرة والارادة والفهم لطبيعة مهامها، التي يتقدمها الكشف عن نتائج التحقيق في ملف قتل المنتفضين وتغييبهم، وتهيئة ظروف اجراء انتخابات مبكرة وفق قانون عادل ومنصف وبادارة مفوضية انتخابات مستقلة حقا وتحت اشراف دولي فاعل ونشط. انتخابات تؤمّن مخرجا سلميا ودستوريا من حال الانسداد السياسي، ويمكن التعويل عليها في بدء عملية التغيير بعدما فرضت الانتفاضة السلمية من حقائق جديدة الى المشهد السياسي العراقي، الذي حان الوقت دخوله عملية تغيير شاملة .
وان تحقيق هذا يتطلب بنحو خاص زيادة زخم وحجم وفاعلية الحركة الاحتجاجية، وتنسيق مطالبها ومواقفها، وتأكيد تمسكها بالسلمية، كي تنهض بدورها المنشود في فرض المطالب وتحقيق الاهداف المشروعة وفاء لدماء الشهداء والضحايا، وفي تقديم الحلول الناضجة على هذا الصعيد. وان الكثير سيعتمد على هذا في راهن الحال وفي المستقبل.