بات واضحاً الآن ان المنتفضين لم يعودوا يركزون على المطالب الجزئية والخدمية وللحصول على فرص عمل، التي خرجوا اصلا من اجلها. بل هم ادركوا، كما تعبر رسائلهم وتصريحاتهم، ان المشكلة لا تنحصر في سوء الخدمات وتردي الإدارة. انما الاساس في ما حصل ويحصل هو المنهج المتبع في إدارة البلد والبناء الحكومي المؤسس عليه، وفي تحاصص المتنفذين، وهيمنة منظومة الفساد التي تشابكت مصالحها كثيراً مع مصالحهم، وهم اصحاب القرار.

بعد شهرين من اندلاع الانتفاضة والصراع الدموي المرير من اجل اهدافها، صارت جماهير المنتفضين ترى بأم العين كيف ان الاجراءات والخطوات الحكومية المتخذة حتى الآن، لا تؤشر وجود جدية حقيقية في البحث عن حل شامل يعالج اس المشكلة، ويحول دون ترسخ حالة عدم الثقة، ويحفظ الدماء الزكية التي تهدر ظلماً وعدواناً وتعسفاً.

ومن جانب آخر فان الأزمة بعمقها وشموليتها، لا يمكن لتعديل وزاري ضيقا كان ام واسعا، ان يعالجها، وان من حق المواطن المنتفض ان يتساءل اليوم عن جدوى ومغزى الاكتفاء بتغيير بعض من وزرائها، حتى لو كان عددهم عشرة او اكثر، مع الابقاء على جسمها الاساس ورئاستها.

ان نقطة البدء والشروع الجدية، كما يرى المنتفضون، تكمن في استقالة الحكومة او إقالتها. لكن هذا ليس الحل للازمة بعد، وانما هو خطوة على الطريق. خطوة يتوجب ان تستكمل بخطوات أخرى تتصل بالتغيير الشامل في المنظومة الانتخابية وقوانينها، بما يمهد الى اجراء انتخابات مبكرة تحت اشراف دولي فاعل، وبما يضمن وصول الممثلين الحقيقيين للشعب الى البرلمان وتدشين مرحلة الإصلاح والتغيير الشامل.

ان القمع والتشبث بالسلطة والاصرار على الحلول الجزئية وبضمنها التعديل الوزاري، لن تقود البلد الا الى المزيد من الصعوبات والانسدادات، وهو ما تتحمل مسؤوليته السلطتان التنفيذية والتشريعية.