بعد شهرين تقريبا من انطلاق التظاهرات الاحتجاجية والانتفاضة الشعبية في بغداد وتسع محافظات اخرى، ضد نظام المحاصصة والفساد والظلم والبؤس، وبعد شهر كامل من تجدد تلك التظاهرات السلمية في 25 من الشهر الماضي.
وبعد انتهاج الحكومة سبيل القمع الدموي ردا عليها، وازهاق قواتها الارواح البريئة لاكثر من 350 متظاهرا سلميا، وتحويل قرابة 3 آلاف آخرين الى معوقين دائمين، واصابة ما يزيد على 14 ألفا غيرهم بجروح مختلفة.
وبعد انقضاء اسابيع على تحويل ملفات التحقيق في مجازر الايام العشرة الاولى من الشهر الماضي الى القضاء، من دون محاسبة ومعاقبة القتلة الذين خططوا لها ونفذوها، وعلى اعتراف المسؤولين الحكوميين تكرارا في تصريحاتهم العلنية بعدالة مطالب المتظاهرين السلميين ومشروعيتها.
وبعد كل التأكيدات المتعاقبة على ألسنة هؤلاء المسؤولين ونظرائهم العسكريين والامنيين، ان القوى الامنية لا تسعى الى غير حماية المتظاهرين، وان اوامر مشددة صدرت وتصدر اليها بعدم استخدام الرصاص الحي وعدم توجيه القنابل المسيلة للدموع والصوتية الى رؤوس وصدور المتظاهرين.
بعد هذا كله، وغيره الكثير، يُلاحظ في الايام الاخيرة بوجه خاص، تصعيد للعنف الدموي من جانب القوى الامنية ضد المتظاهرين، يستخدم فيه الرصاص الحي بالذات وبكثافة، وهو تصعيد يذكّر بوحشية العنف الذي استخدمه القناصون وأقرانهم في الايام الاولى من الشهر الماضي، غداة اندلاع التظاهرات السلمية.
وقد بلغت حصيلة ذلك منذ الخميس الماضي حتى امس الاثنين، وحسب المعلومات الصادرة عن مفوضية حقوق الانسان، عشرات آخرين من الشهداء وما يقرب من مئات الجرحى.
ووصل الامر بالمفوضية نفسها ان وجهت امس الاول الاحد، نداء الى الحكومة دعتها فيه الى التدخل العاجل لتدارك الامور في البصرة والناصرية، حيث امعنت القوات الامنية في التعامل الوحشي مع الجماهير المحتجة.
فهل بهذه الطريقة القمعية الموغلة تريد الحكومة اقناع المنتفضين، ومن ورائهم جماهير الشعب المليونية، بحسن نواياها وصدق مسعاها الى تجاوز المأزق القاتل، الذي قادت البلاد اليه، هي ومن سبقها من حكومات المحاصصة والفساد؟
وهل حقا بوسع حكومة كهذه، وبمثل أساليبها هذه، ان تعالج احوال البلد المروعة الناجمة عن 16 سنة من حكم المحاصصة والفساد، خلال 45 يوما كما تطلب الاحزاب والكتل المتنفذة في "وثيقة الشرف"؟
ان استمرار الحكومة في نهجها هذا الممعن في القمع والدموية، والذي تتوالى في اطاره الاعتقالات والاختطافات والتهديدات للمنتفضين والناشطين، الى جانب تصعيد اجراءات تكميم الافواه وتقييد حرية التعبير، لن يؤدي في النهاية الا الى المزيد من تعقيد الاوضاع، والا الى ادخال البلاد في درب مسدود، تتزايد صعوبة إخراجها منه. وهذا ما لا يمكن ان يخفى على الحكومة.