بواعث انبثاق الحركة الاحتجاجية في العراق

تشكلت الحركة الاحتجاجية في العراق على خلفية أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، أهم مظاهرها تعمق الفوارق الاجتماعية بفعل الاستقطاب الكبير في توزيع الدخل والثروة. الاحتجاجات تمثل أبرز صورة لرفض الأوضاع المزرية التي يقبع العراقيون تحت نيرها، رسمت مؤشرا واضحا على معارضة نظام المحاصصة الطائفية والفساد، وقد عبرت الاحتجاجات عن السخط على نهج اقتسام الغنائم الذي هو أساس بناء النظام السياسي والإداري بعد 2003. حيث تمترس الفساد في مؤسسات الدولة واستباح ثروات العراق وبددها، وتسبب في تدهور الوضع الأمني ووقوع ثلث مساحة العراق تحت احتلال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وفي تكوين المليشيات وانتشار السلاح خارج المؤسسات العسكرية للدولة.

إن أزمة النظام واضحة، وتجلت في عجز النظام عن ايجاد مخرج لأزمة الحكم، وعدم القدرة على توفير الخدمات للمواطنين. وكان النقص في تجهيز الكهرباء في الصيف وارتفاع درجات الحرارة فيه إلى أكثر من  50 مئوية، من بين أسباب اندلاع التظاهرات، التي بدأت في البصرة، واتسعت وشكلت اغلب محافظات العراق. والمرجح تجددها في الصيف المقبل للاسباب ذاتها.

موقف الرأي العام من الازمة هناك ثلاثة اتجاهات

الاتجاه الاول: اسقاط النظام السياسي وتغييره عبر العنف

الاتجاه الثاني: اليأس والقنوط وعدم الثقة بالقدرة على التغيير

الاتجاه الثالث: الحركة الاحتجاجية قادرة على احداث التغيير

مطالب الحركة الاحتجاجية:

اولا: اصلاح النظام السياسي

ثانيا: الموقف الواضح ضد الفساد ومحاسبة المفسدين

ثالثا: الخدمات التي تمس معيشة وحياة المواطنين

وسائل وادوات حركة الاحتجاج

1- الضغط

2- المدافعة

3- الاتصال

سمات الحركة الاحتجاجية

1- وضوح الهدف

2- البعد الوطني للتظاهرات    3- الطابع الشعبي العام

4- المحتوى الاجتماعي

5-  مشروعية المطالب

6- سلمية الأسلوب.

7-الهندسة الاجتماعية للاحتجاج

ماذا حققت الاحتجاجات؟

السؤال الذي يطرح على المحتجين باستمرار؛ ماذا حققت حركة الاحتجاج؟ 

1- تمكنت من توجيه الانظار الى الصراع الدائر الان في العراق بين اغلبية تطالب بحقوقها الاساسية، مقابل طغمة فساد نهبت خيرات البلد.

2- اصبحت مصدر قلق لطغمة الفساد، لما تحمله من ملفات في غاية الاهمية والخطورة في آن.

3- اشاعة مفهوم الدولة المدنية.

4- كسر هالة القداسة لعدد من رموز السلطة.

5- اهتزاز اساس البناء السياسي الطائفي.

6- تمرير عدد من القوانين المهمة بينها قانون الاحزاب.

7- فرض اقالة وازاحة مسؤولين كبار وتغيير اخرين في العديد من المحافظات.

8- الاعلان عن تخفيض رواتب ومخصصات اصحاب الدرجات الخاصة.

9- كسر حاجز الخوف والتردد وإنعاش المزاج الجماهيري.

10- انتشار فكرة العدالة الاجتماعية.

11- تعاظم شعبية شعار "الاصلاح والتغيير".

أثر الاحتجاجات على تنامي فكرة الاصلاح والتغيير

1- إن عملية الإصلاح، بالقراءة الجذرية لها، تتطلب فهما عميقا للازمة وتصورا متينا للخروج منها، وتناسب قوى فعال يحسم الصراع باتجاه بناء النظام على وفق المواطنة وتخليصه من منظومة المحاصصة والفساد، كي يكون قادرا على البناء والأعمار والتنمية.

2- لا يمكن ان تحقق الفعاليات الأحتجاجية والتظاهرات الشعبية كامل اهدافها ومطالبها السياسية دفعة واحدة، فالتغيير يأتي من خلال التأثير التراكمي لأشكال العمل الجماهيري الاحتجاجي بتنوعه.

3-  أن عجلة المطالبة بالإصلاح من الصعب إيقافها. والمهم أن تأخذ زخما واقعيا بما يحقق الأهداف المبتغاة.

4- بروز دور الشباب وفعاليته وقدرته على تحريك الراي العام وحشد المواطنين، ولم يبق تحريك الشارع فقط في يد بعض القوى التي تحركه بالشعارات الطائفية.

5- رفع مستوى الوعي لدى الشباب بأهمية مشاركتهم السياسية، واتساع المطالبة بالعدالة الاجتماعية.

انعكاس الاحتجاجات على الانتخابات ونتائجها:

1- لم تختلف طبيعة اغلب التحالفات من حيث الجوهر، عن طبيعة سابقاتها التي تسببت في ازمات النظام السياسي واحتقاناته، كما ان التغير في المظاهر التي اضفاها بعض التحالفات على نفسه وفي خطابها لم يقلل من وضوح اعتمادها البعد الطائفي في مناطق الوسط والجنوب، والقومي في اقليم كردستان.

2- أعلن عن تشكيل تحالف سياسي يوم الاربعاء 17/1/2018، في بغداد، وأطلق عليه (سائرون)، وضم التيار الصدري، وقوى من التيار المدني، بينها الحزب الشيوعي العراقي.بهدف تغيير موازين القوى في اتجاه اضعاف قوى المحاصصة، ومحاصرة طغمة الفساد، وحشد اوسع قاعدة اجتماعية ذات مصلحة في التغيير.

3- ان اهم اهداف هذا التحالف هو تبني مطالب حركة الاحتجاج، المدافعة عن مصالح الجماهیر الشعبیة ازاء مخاطر وتحديات الفساد. ولتحقيق الاصلاح والتغيير وشق الطریق نحو مستقبل يؤمّن مستلزمات مغادرة نهج المحاصصة، وما أنتج من أزمات وتداعيات هددت وتهدد نسيج المجتمع العراقي ووحدة العراق.

4- اضاءت نتائج الانتخابات بصيص أمل في سياق التوازن السياسي والاجتماعي الراهن.

5- ان الاحتجاجات الشعبية المتواصلة وجهت ضربة كبيرة الى المحاصصة، وشكلت استقطابات جماهيرية كبيرة لانهائها.

6- اسمهت بشكل غير مباشر في تفتيت كتل وتحالفات القوى المتنفذة، من خلال ظهور ائتلافات جديدة بعدما كانت في السابق موحدة.

7- أن قوى المجتمع القديم، المتنفذة، لن تستسلم بسهولة، بل ستهب، على الرغم من اختلافاتها وصراعاتها حول الامتيازات، دفاعاً عن مصالحها.

8- تمر عملية الاصلاح بمخاض عسير وتناقضات لا حصر لها. فنهج المحاصصة، الذي يتعارض مع أي اصلاح أو تغيير، يتواصل في ظل مناخ لا زال البعد الطائفي مؤثرا فيه.

9- أن عملية الاصلاح تتعارض مع امتيازات ومصالح قوى وشخصيات متنفذة غير مستعدة للتنازل عن سلطتها.

10- يجابه الاصلاح مقاومة عنيدة من قبل هذه القوى "القديمة" التي تدافع عن مواقعها، فضلاً عن المعارضة التي تبديها منظومات ومافيات الفساد.

11- إن معركة الاصلاح هي معركة سياسية واجتماعية من الطراز الأول، تتطلب تغيير ميزان القوى لصالح عملية الاصلاح.       

منهج سائرون في تشكيل الحكومة

1-   دار الصراع من اجل تشكيل الكتلة الأكبر بين توجهين رئيسيين، الاول الاستمرار في منهج المحاصصة رغم فشله، والاخر بناء دولة المواطنة.

2- اثرت (سائرون) على نفسها عدم الاشتراك في الحكومة، فاسحة في المجال لرئيس الوزراء، ان يختار وزارته دون ضغوط المحاصصة.

3- تدعم سائرون رئيس الوزراء ضمن وجهة مغادرة منهج المحاصصة، وتشكيل حكومة كفاءات فعالة قادرة على تنفيذ برنامج واقعي. وتعارض تسمية الفاسدين والفاشلين وغير الكفؤين كوزراء او كدرجات خاصة.

4- تبني موضوعة اختيار الشخص للمنصب على اسس، معيار الوطنية، النزاهة، الكفاءة.

افاق حكومة عادل عبد المهدي

حكومة السيد عادل عبد المهدي، التي لم يكتمل تشكيلها بعد رغم مرور أكثر من اربعة أشهر على التكليف يوم ٢ تشرين الاول ٢٠١٨، وانقضاء أكثر من سنة منذ تصويت مجلس النواب على المنهاج الوزاري يوم ٢٤ من الشهر نفسه. حصل السيد عبد المهدي على دعم لم يحض به أي من رؤساء الوزراء بعد التغيير، ولم يستثمره كما يجب. فقد اتفق الجميع على منحه الثقة.

لم تكن تسمية وزراء حكومة السيد عبد المهدي، على وفق معايير صارمة غير قابلة للمساومة، ومنها صفات الشجاعة والحزم والكفاءة والنزاهة وابتعاد الوزير عن التحزب والاستقطابات الطائفية.

اما طريقة اختيار الوزراء فاتسمت في الغالب بالارتجال، حيث لم يتم التدقيق المطلوب في اوضاعهم. وسرعان ما أثيرت على بعض الوزراء إشكالات ذات صلة بالمساءلة والعدالة وشبهات فساد. ان المجال ضيق وعلى رئيس الوزراء ان يستثمره لاستكمال تشكيل الوزارة من كفاءات وطنية نزيهة ومهنية وقادرة على تقديم منجز حقيقي.

اخيرا: من غير الممكن استمرار الحكومة وبقاؤها في الحكم في حالة عدم تنفيذ البرنامج. كما انه اذا واصل الآخرون – رغم كل تصريحاتهم واعلاناتهم – تمسكهم بالمحاصصة وعملوا على اعادة انتاجها، فان تحالف "سائرون" سيدرس خياراته ويكون صوت الناس في البرلمان، ويباشر العمل مع امتدادته في اوساط المعارضة الشعبية. 

ــــــــــــــــــــ

* مداخلة قدمها الرفيق جاسم  الحلفي عضو المكتب السياسي للقاء الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية / بيروت 20 – 21 حزيران 2019