جمعت "طريق الشعب" مجموعة من التساؤلات والاستفهامات التي تدور في الاذهان هذه الايام، وحملتها الى لقاء مع الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وعضو مجلس النواب عن تحالف سائرون، حيث طرحتها عليه، فكان الحديث الآتي:

طريق الشعب : ما هي قراءتكم لتقرير الحكومة الانجازي؟

فهمي: أصدرت الحكومة تقييمها الخاص لما حققته خلال أشهرها الستة الاولى، وكان هذا ما طالبته بها كتل وجهات سياسية عدة، بينها حزبنا الشيوعي العراقي. فقد اكدنا اهمية وضرورة ان تصدر الحكومة تقييماً مدعماً بالارقام والمعطيات لما تم انجازه. وهذا ما حصل، وهو أمر ايجابي رغم الملاحظات على منهجية التقييم وحصيلته. وطبيعي ان لحزبنا تقديراته في شأن ما تحقق في الفترة الماضية. فهو يرى ان ذلك يتسم عموماً بالبطء في الكثير من الميادين الملحة، لا سيما في مجالات مكافحة الفساد، وتحقيق الاصلاحات المطلوبة، وتثبيت حالة الاستقرار، وحصر السلاح بيد الدولة، وغيرها من القضايا الامنية الضرورية لتعزيز حالة الانتصار المتحقق على داعش. هذا الى جانب الاستعصاءات التي استمرت فترة غير قصيرة، وما زالت قائمة جزئياً، بشأن استكمال تشكيل الحكومة. والسبب الأساسي لهذا في رأينا هو التمسك بالمحاصصة، التي لا يزال جوهر نهجها قائما رغم الاختلاف في الشكل وفي بعض الآليات. وقد ترك هذا أثره السلبي على اكثر من صعيد، وبضمنها الاداء الحكومي بهذه الدرجة او تلك، وعلى عمل مجلس النواب وتشكيل اللجان فيه. كما انه قدم صورة غير مشجعة لعامة المواطنين عن مدى استعداد القوى المساندة للحكومة وعزمها على وضع مصلحة الشعب والوطن فوق المصالح الخاصة والضيقة والفئوية. وفي الحصيلة تولد انطباع عام بان البلد لم يخرج عن نهج وآليات المحاصصة. وانعكس هذا الاداء المتلكئ سلباً على مستوى تأمين الخدمات وتوفير فرص العمل، وفي مجالات النشاط الاقتصادي ككل. ونحن، من اجل ان نكون موضوعيين في التقييم، نعكف حالياً على دراسة متأنية للتقرير الانجازي للحكومة وعلى تحليله، لنتوصل الى تقييم شامل له ولمجمل عمل الحكومة وأدائها.
والحال مشابه في اطار سائرون، حيث ان للتحالف واطرافه تقييماتهم الخاصة للاداء الحكومي، وهم يشتركون في الرأي بانه دون الطموح بكثير، وقد اتسم في مجالات عدة بالتردد وعدم الحزم والبطء، خاصة في مجال التصدي الناجع للفساد، والمضي في اتخاذ الاجراءات على طريق الاصلاح، كذلك في تأمين الخدمات الاساسية للمواطنين.
وقد ارتأى سائرون التأني في اصدار موقفه النهائي حتى استلام التقارير والتقييمات الحكومية ودراستها، وهو ما يقوم به التحالف وكتلته البرلمانية حاليا.
وعلى صعيد مجلس النواب كُلفت لجنة مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي والتخطيط الاستراتيجي باعداد تقرير تقييمي بشأن المنجز الحكومي ومجمل الاداء. وتقوم اللجنة حالياً بدراسة تفصيلية لكل ابواب التقرير وتحليلها، ومقارنتها بما هو متحقق على الارض فعلاً. وكان قد سبق للجنة ان قامت بدراسة معمقة للبرنامج الحكومي، وسجلت العديد من الملاحظات في شأنه وبينت نقاط القوة والضعف فيه. وستضمن ما توصلت اليه في التقرير النهائي الذي ستقدمه بشأن تقرير الحكومة الانجازي.

لنا ملاحظات على اداء مجلس النواب

طريق الشعب: يتضمن جدول عمل مجلس النواب حاليا العديد من التشريعات المهمة، فما دور كتلة سائرون البرلمانية في ذلك؟
فهمي: قام مجلس النواب منذ فصله التشريعي الاول باعادة ارسال جميع مشاريع القوانين التي كانت بحوزته الى الحكومة، وطالبها بان تعيد من جانبها ارسالها اليه وفقاً لاولوياتها وبرنامجها الحكومي. وفعلاً ارسلت الحكومة 13 من مشاريع القوانين التي تعد اساسية للبلد، ومنها قوانين الخدمة المدنية، المحكمة الاتحادية، الادارة المالية، تعديل قانون الشركات، الكسب غير المشروع، هيئة الاعلام والاتصالات، حرية التعبير والتظاهر. ثم أرسلت لاحقا ٣٠ مشروع قانون غيرها، لكنها ليست مما يعتبر ذا اولوية ملحة، ومنها مشاريع قوانين لاتفاقات دولية.
وتمكن مجلس النواب في فصله التشريعي الثاني من تمرير عدد من القوانين، اضافة الى موازنة 2019 التي أقرت في فترة زمنية جيدة قياساً بسابقاتها. وكان بين ما تمت اجازته قوانين الادارة المالية، المدن الصناعية، تعديل قانون عمل الشركات.
وامام المجلس الآن عدة مشاريع قوانين، كقانون استثمار الثروات المعدنية، وقانون التصنيع الحربي، فيما توجد مقترحات قوانين مهمة قدمها المجلس، مثل قانون الضمان الصحي، الى جانب تشريعات تتعلق بتوزيع الاراضي على المواطنين.

طريق الشعب : وهل هذه الحصيلة مقنعة لتحالف سائرون؟

فهمي: لقد سجلنا ملاحظة مفادها ان اداء المجلس كان يمكن ان يكون اكثر كفاءة. فالصراعات السياسية تعيق العمل، وهذا ما لاحظناه عند تشكيل اللجان البرلمانية وفي عملها، وهي التي يقع عليها العبء المهم في دراسة القوانين وممارسة الدور الرقابي. وهناك ملاحظات اخرى في خصوص ادارة مجلس النواب، من حيث طريقة التصويت واهمية ضبطها واللجوء الى التصويت الالكتروني، وهناك وعود بتحقيق المطلوب.
كذلك نلاحظ هدراً في وقت المجلس، بفعل تأخر الجلسات وعدم انتظام حضور قسم من النواب، مما يحول دون تحقيق النصاب القانوني.

لا بد من مغادرة نهج المحاصصة

طريق الشعب: معلوم ان مجلس النواب ينظر الآن في ملف الدرجات الخاصة، فالى اين وصلت الامور على هذا الصعيد؟
فهمي: نود ان نؤكد اولا ان الدرجات الخاصة والوكالات تمثل المسؤوليات الاساسية في ادارة الدولة. وانها من حيث المبدأ ينبغي ان تحسم وفقاً لمعايير المواطنة او ما يقترب منها، وبما يوفر تكافؤا للفرص بالنسبة للجميع. ومعنى هذا انها لا تشكل استحقاقاً سياسياً او انتخابياً كما هو حال المواقع الوزارية. والى جانب معيار المواطنة يتوجب ان تتوفر معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة، وبما يهيئ مستلزمات اجتذاب افضل الكفاءات والخبرات والطاقات الوطنية. وهذا يتطلب بالطبع مغادرة التقاسم التحاصصي، الذي كان معتمدا طيلة السنوات السابقة تحت عنوان "التوازن".
في الدورة الحالية لمجلس النواب جرى تضمين قانون الموازنة لسنة 2019 مادة تقول بانهاء اسناد الوظيفة العامة وكالةً، كما تنص على الانتهاء من أمر المعينين وكالةً في 30/6/2019. واليوم ونحن نقترب من الموعد المذكور، لم يتسلم مجلس النواب سوى (7) اسماء، ولم يجر التصويت عليها بعد. وفي الاثناء صوت مجلس الوزراء على قائمة تضم (70) مديرا عاما. علماً ان الحديث يدور حول ما لا يقل عن (4000) درجة خاصة في جميع الوزارات المدنية والعسكرية. وكانت قد تشكلت خلال الاسابيع القليلة الماضية لجان تفاوضية للكتل السياسية الاساسية، لتقديم مرشحين لحوالي 430 درجة. لكن عمل هذه اللجان توقف الآن، واتخذ قرار على مستوى سائرون وكتل اخرى، باسناد مهمة الاختيار والترشيح الى مجلس الوزراء، مع تأكيد اهمية مراعاة المستقلين والتكنوقراط ومنحهم الاولوية.

التباين في المواقف يمكن استيعابه في إطار التحالف

طريق الشعب : وماذا عن الحراك السياسي الذي تشهده الساحة العراقية اليوم، وأين سائرون منه؟
فهمي: نعم، تشهد الساحة حركة تفكك واعادة تشكيل او قيام اصطفافات سياسية جديدة. وما يحصل يؤشر حقيقة ان الكثير من التحالفات التي كانت قائمة، لم تستند الى اسس برنامجية واضحة وثابتة، وانما قامت على اسس توافقات ظرفية عابرة. ولعل التجربة بينت ان تحالف سائرون هو الاكثر تماسكاً وثباتاً، لانه قام على مشتركات برنامجية سياسية وطنية، عنوانها الدعوة للاصلاح والعمل لتحقيقه.
وفي ظل المتغيرات الحاصلة يبقى سائرون متمسكا بتحالف الاصلاح والاعمار، وهو يرى ان التباينات في المواقف والتقديرات السياسية، التي تظهر عند بعض اطرافه، قابلة للاستيعاب في اطار التحالف. وذلك هو موقف سائرون ازاء تحالف الاصلاح والاعمار حالياً.
ولا بد من الاشارة هنا الى ان سائرون يحدد موقفه ازاء اي حراك سياسي، انطلاقاً من مدى قربه او بعده عن مشروعه السياسي الاصلاحي.

تحالف سائرون قام على أسس نُعدّها من الثوابت

طريق الشعب: والى اين يسير سائرون، وما موقف الحزب منه؟ وبالمناسبة: ماذا عن آلية اتخاذ القرارات فيه؟
فهمي: تحالف سائرون قام على عدد من الاسس التي نعدها نحن من الثوابت، وهي: اولا ان يتبنى برنامجاً ذا طبيعة وطنية مدنية ديمقراطية اصلاحية على قاعدة العدالة الاجتماعية، وان تكون مطالب وحاجات الشعب في مقدمة اولوياته، وثانياً ان تقوم آليات عمله الداخلية على مبدأ احترام الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي لكل طرف من اطرافه. وثالثا ان يتم تجسيد ذلك (البرنامج والآليات) في عمل ونشاط قوى التحالف على الصعد السياسية والبرلمانية والجماهيرية.
ونحن متمسكون بالتحالف طالما كانت هذه العناصر متوفرة.
وخلال الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية واعقبتها، وفي اطار عملنا المشترك في مجلس النواب، لمسنا في التحالف تمسكاً ببرنامجه. وانعكس ذلك بدرجات واضحة في مواقف الكتلة البرلمانية لسائرون، سواء في مجال التشريع او عند ممارسة الدور الرقابي للمجلس. ولكن كان يمكن للتحالف ان يقدم ما يفوق الذي قدمه حتى الآن.
وفي ما يخص عمل الكتلة البرلمانية، فانها تعقد اجتماعات منتظمة قبل عقد جلسات مجلس النواب، يجري فيها تداول وتحديد الموقف الذي تتخذه الكتلة ازاء ما هو مطروح في جدول العمل، وعند التصويت ايضا. وقد يأخذ ذلك شكل مؤتمرات صحفية مشتركة للكتلة او لاعضاء فيها.

مع مراعاة خصوصية أطراف سائرون

طريق الشعب : وهل تحصل تباينات في عمل الكتلة البرلمانية، وفي ما يصدر عنها من بيانات ومواقف؟
فهمي: لا شك ان تطورات الاحداث على مختلف الصعد كثيرة ومتسارعة، وقد تنشأ وجهات نظر وتقديرات مختلفة عند اطراف التحالف من هذه القضية او تلك.
وفي اجتماعات الكتلة النيابية لسائرون يبقى المجال مفتوحا وحرا لطرح الافكار والآراء. وهناك على الدوام سعي للتوصل الى مشتركات في خصوص وحدة الموقف وصياغته.
وقد تظهر في مجرى العمل بعض الاختلافات في الصياغات المستخدمة في التعبير عن المواقف، لكن التداول يركز اساساً على جوهر الموقف، وليس بالضرورة على الصياغات والتعابير. وهذا ما تجلى في بيان الكتلة البرلمانية الصادر في 24/6/2019، بشأن ما جاء في تغريدة السيد مقتدى الصدر، حيث لا اختلاف في الجوهر على ما تضمن من نقاط، ولكن جاءت في البيان صياغات ليس معتادا ان يتضمنها خطاب حزبنا. وهو ما حرصنا على إيضاحه للأخوة في الكتلة البرلمانية لسائرون، وأكدنا اهمية مراعاة خصوصية أطراف التحالف كافة.
وأخيرا نقول ان جهداً مشتركاً من اطراف التحالف كافة يتواصل، للارتقاء به والسعي الى مأسسته وتكثيف المشاورات وتحقيق الجماعية في اتخاذ القرارات، وفي رسم التوجهات وتوسيع دائرة المشتركات.

عرض مقالات: