نقف اليوم معاً، في حضرة كوكبة من مئات وآلاف الشهيدات و الشهداء الشيوعيين، الذين رفعوا راية التحرر والتقدم منذ ما يزيد على ثمانين عاماً.. شهداء الكفاح ضد الاستعمار الأجنبي ونظامه الملكي الاقطاعي، شهداء ثورة 14 تموز المجيدة والنضال في سبيلها.. شهداء ردة شباط الفاشية عام 1963.. شهداء النضال اليومي والعلني والسري والكفاح المسلح ضد النظام الدكتاتوري الاجرامي.. شهداء التغيير من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية بعد العام 2003.
بأجلال نقف امام ذكرى أولئك الميامين، لا لنستذكر مآثرهم، فهي حاضرةٌ معنا في كل كلمة، وكل موقفٍ، وكل خطوة، في سفر النضال الطويل.. نقف بإجلال لنعاهدهم، بأن دماءهم الزكية لم تَسِلْ هدراً، فهي تروّي جذور حزبهم، وتدفع به نحو القضية الأولى: قضية الوطن الحر والشعب والسعيد.
الرابع عشر من شباط كل عام، بالنسبة للشيوعيين العراقيين، ليس مناسبةً عابرةً بين عشرات المناسبات التي حَفِلَ بها تاريخ حزبنا العريق. إذ يحمل هذا اليوم بين طياته ذكرى استشهاد القائد المؤسس الرفيق فهد، والرفيقين حازم وصارم.. الذين أرسوا ركائز حزبنا في ربوع الوطن كله، ولهم أول الفضل بما عرف عن الشيوعيين من شجاعة وثبات على المبادئ الإنسانية التقدمية، وتمسك بقضية الشعب والوطن.
إنها مناسبة تختزل الكثير من معاني التضحية في سبيل القضية العادلة، التي تهدف إلى تحرير الناس وانقاذهم من الفقر والعوز وشتى أشكال الاستغلال والقهر.. تختزل الكثير من معاني الصمود بوجه الجلادين والمستبدين والجبابرة الظلام... هذه المعاني المثلى، التي نتوارثها جيلاً بعد جيل.
إن المحنة التي يمر بها العراق والعراقيون اليوم ليست قطعاً أبدية، كما إن أسبابها معروفة للجميع، وهذا ما يعزز قناعتنا بإمكانية تحقيق الإصلاح والتغيير الحقيقيين.. على الأمد غير البعيد.
فمعاناة الناس تشتد يوماُ بعد آخر، وأوضاعهم المعيشية تتدهور، فيما تتعقد الأزمات كل حين بفعل السياسات الفاشلة وغياب البرامج والخطط، وتفشي الصراعات اللامبدئية بين مختلف القوى المتسببة في الأزمة.. وهي القوى التي تحمي النظام المحاصصاتي ذي النزعة الطائفية الاثنية المهلكة.. والتي لا تستمرئ أن تكون منفذة أمينة لأجندات خارجية مخربة، لتؤمن بقاءها متسلطة على مقدرات الشعب وثرواته.
وللخلاص من هذه المحنة، نقول بصوت عالٍ: إن التغيير ضروريٌ وحتمي، ولا بد من التعجيل به!
ونعني بذلك التغيير في النهج والممارسة، وفي نمط التفكير وإدارة الدولة. وهذا غير ممكن التحقيق من دون تكاتف جهود الوطنيين والخيّرين من دعاة الإصلاح الحقيقي.. من دون إدامة الحراك الجماهيري وتمكين الناس من استرداد حقوقها المنهوبة.
إن أمام العراقيين جملة تحديات تقفز على رأس الأولويات الملحة الراهنة، والتي يلعب الشيوعيون دورا مشهوداً في مواجهتها.. وهي تتمثل في:
1- معالجة تداعيات الحرب على الإرهاب، وإنهاء معاناة من تضرروا مباشرة من جرائمه وأفعاله الشنيعة، وفي مقدمة ذلك اعمار المدن المهدمة وإعادة النازحين الى مساكنهم، وتأمين حياة كريمة لهم.
2- التصدي للأزمة الاقتصادية البنيوية التي تعصف بالبلاد، عبر إجراءات إصلاحية جذرية في السياسة الاقتصادية، بما يحقق استثماراً سليما لموارد الدولة.
3- مكافحة الفساد المالي والإداري، واستعادة الأموال التي سرقها كبار الفاسدين وزبانيتهم من الطفيليين والمتاجرين بدماء العراقيين.
4- بناء مؤسسات الدولة على أسس المواطنة، وبعيداً عن المحاصصة، بما يضمن قدرتها على تقديم الخدمات للمواطنين.
5- حماية المكاسب الديمقراطية التي أسس لها الدستور، وضمان تداول سلمي ونزيه للسلطة، وتعزيز الحريات المدنية، بما فيها حرية التعبير والتظاهر السلمي.
أن هذه التحديات، وغيرها كثيرةٌ، لا يمكن مواجهتها إلا من خلال الدفع بالجماهير لتكون مساندة لمشروع التغيير.
فهذه المعركة الكبرى، وهي معركة بحق، ليست معركة الشيوعيين وحدهم، وإن كانوا في المقدمة، بل معركة جميع القوى الوطنية، المدنية منها وغيرها المعتدلة.. ومن أجل ذلك نستحث الخطى نحو توحيد الجهود وبناء قوة سياسية قادرة على التأثير في إدارة الدولة.
أيها الرفاق الأعزة..
ونحن نخوض غمار المواجهة السياسية، جماهيرياً وفكرياً، فأننا مدعوون أن نجعل من مناسبة يوم الشهيد الشيوعي، حافزاً لأجل استنهاض الهمم، وانطلاقة متجددةً نحو تحقيق أهدافنا النبيلة.
فما أرتقى الشهيد الشيوعي إلى منزلة التضحية بحياته، من أجل مكاسب شخصية، أو مصالح حزبية ضيقة. فآلاف الشيوعيين استشهدوا من أجل حياة أفضل للعمال والفلاحين، من أجل تعليم رصين مجاني، من أجل ضمانات اجتماعية وصحية للعاطلين وكبار السن وغير القادرين على العمل، من أجل استرجاع الحقوق المسلوبة للمرأة، شريكة الرجل في الحياة والعمل.. وغير ذلك الكثير.
ما ارتقى الشهيد الشيوعي إلى منزلة المضحي، إلا لمواجهة الظلم والاستبداد وسياسات التجويع والافقار، والاستغلال والتهميش والاستعباد وسلب حريات الناس.
تلك هي قضايا الشهيد الشيوعي. ومن ينتصر لدم الشهيد، غير عدالة قضيته؟! ومن يخلّد ذكرى الشهيد غير مآثره الإنسانية؟!
مجدا لطيوف الهداة الضخام حاضرة معنا على الدوام..
ومجداً للسائرين على دربهم، اليوم وغداً.. غير متهيبين صعاب النضال من اجل حرية الوطن وسعادة الشعب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*كلمة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، القاها عضو اللجنة الرفيق علي صاحب في حفل يوم الشهيد الشيوعي المقام في بغداد أمس الاول.