تمر يوم غد الجمعة ذكرى انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ الأسود، الذي اطلق عملية الاجهاز على ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ المجيدة، التي حررت العراق من الاستعمار والأحلاف والقيود التي كانت تكبله، ووضعته على طريق التحرر والتقدم والرخاء واستعادة الثروات واستثمارها لصالح ابناء الشعب.
في ٨ شباط الدموي وما تلاه من أيام عجاف، وما رسمه البيان رقم ١٣ من نهج فاشي دموي، تحولت بلادنا الى سجن كبير، وجرى على نطاق واسع سفك الدماء الزكية، واطلاق حملات الاغتيال والتصفيات والإعدامات، ومعها انتهاك الأعراض وحرمة المساكن، والزج بالآلاف في السجون ومراكز التوقيف والاعتقال.
كان يوما لا يقارن ما ارتكب فيه من جرائم الا بما اقترفه الفاشيون والنازيون، وقد يكون فاقهم فيها. ثم تكاملت خيوط المؤامرة الدنيئة وتشابكت ابعادها الداخلية والخارجية مع وقوع انقلاب ١٧ تموز، وعودة البعث العفلقي من جديد الى الحكم، حيث تجسدت الفصول الماساوية في حكم الدكتاتور صدام حسين، وما سببه لبلادنا من ماسٍ وكوارث ما زالت تركتها الجسيمة تثقل كاهل ابناء شعبنا.
لقد راح ضحية انقلاب شباط الآلاف من خيرة بنات وابناء شعبنا، باختلاف قومياتهم وطوائفهم وأديانهم، من الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين. واستشهد على ايدي الانقلابين الملطخة بالدماء، العديد من قادة ثورة 14 تموز وفِي مقدمتهم الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم.
واستهدف الانقلابيون القتلة الحزب الشيوعي على نحو خاص، وقد استُشهد وعذب واعتقل على ايديهم الآلاف من أعضائه وكوادره ومناصريه، وفِي المقدمة الشهيد المقدام سلام عادل ورفاقه الميامين جمال الحيدري ومحمد العبلي ومحمد حسين ابو العيس وجورج تلو وعبد الرحيم شريف وحمزة سلمان ونافع يونس وحسن عوينة وطالب عبد الجبار وصبيح سباهي والياس حنا ومحمد الجلبي ومهدي حميد وجلال الأوقاتي وفاضل البياتي وعبد الجبار وهبي( ابو سعيد ) وغيرهم الكثير من الرفاق.
يصعب تصور حجم الدماء الشيوعية الغالية التي سفحها الانقلابيون الفاشيون، وكم الارواح العزيزة التي ازهقوها. لكنهم لم يجنوا في النهاية سوى الخزي وازدراء الشعب، فيما بقي حزب الشيوعيين نخلة باسقة تشير على الدوام الى المستقبل الواعد للعراقيين، وتشيع الأمل والاطمئنان والثقة بان عراقا آخر ممكن التحقيق.
نعم، صمد الحزب بفضل تضحيات رفاقه وانصاره وأصدقائه وصمودهم المتفاني، وكفاحهم الباسل المفعم بنكران الذات والممتلئ حبا للوطن والشعب، واستعدادا دائما لتقديم المزيد من العطاء لهما ولخيرهما وتقدمهما. وصمد – والحق يقال – بفضل حملات التضامن الأممي الواسعة ايضا.
لقد كان انقلاب ٨ شباط 1963جريمة شنعاء ومأساة مروعة، ومن اجل ان لا يتكرر او يتجلى بأي شكل كان، يتوجب استيعاب العبر والدروس المستخلصة منه ومن وقائعه وبشاعاته. ومن تلك العبر ضرورة تجريم أي مظهر من مظاهر العنف وفوضى السلاح واللجوء الى القوة والاكراه، ايا كان المبرر.
وان على الدولة بسلطاتها المختلفة، العمل على الغاء اي وجود ميليشياوي ومسلح خارج مؤسساتها الدستورية. وان على جميع المساهمين في العملية السياسية ان يعلنوا ذلك على الملأ ويجسدوه بالقول والفعل.
ويبقى الضامن الاساس يتمثل في قيام دولة المؤسسات والديمقراطية الحقة، والقانون الذي يتوجب ان يسري على الجميع، واعلاء شأن المواطنة والقبول بالآخر المختلف وبحقه في الحياة، وضمان حرية الإبداع والاعتقاد، واحترام التنوع القومي والديني والطائفي والتعددية الفكرية والسياسية في المجتمع، وتجسيد ذلك بقوانين وتشريعات.
وان تحقيق ذلك يتطلب المضي على طريق التغيير والإصلاح والتجديد، والخلاص من المحاصصة والفساد، واستكمال مقومات الانتصار على الاٍرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار، وان يتمتع المواطن العراقي بالحرية الكاملة والحياة الكريمة اللائقة. وفِي هذا السياق تبرزاهمية وآنية أنصاف عوائل ضحايا ٨ شباط، وتمتعها بحقوقها كاملة.
واننا ونحن نعيد التذكير بما حصل في ٨ شباط 1963، نحيّي بفخر واعتزاز ذكرى المقاومين الأبطال للانقلاب الفاشي، ونمجد حركة الشهيد حسن سريع ورفاقه، ونجدد التضامن مع عوائل الضحايا، ونستذكر بفخر واعتزاز شهداء الحزب والشعب، وما اجترحوه من مآثر وبطولات تبقى زادا لنا ومعينا لا ينضب لمواصلة الكفاح والعطاء من اجل غد وضاء، تنتصر فيه قيم الانسان العليا، ويهزم الجهل والعنف وكل مظاهر التوحش والتخلف.