بعد اكثر من نصف قرن من الكفاح المسلح ضد سلطة اليمين المتحالف مع الإقطاع تم التوصل في خريف 2016، برعاية كوبا والنروج الى اتفاقية سلام بين الحكومة الكولومبية، والحركة المسلحة الثورية (فارك)، تحولت بموجبه الأخيرة الى حزب سياسي علني، واحتفظت لدورتين انتخابيتين بعشرة مقاعد نيابية.

يذكر ان الصراع المسلح ادى الى وقوع 220 الف ضحية وشرد الملايين من مناطق سكناهم. وفي مجرى هذا الصراع وظفت الحكومات الدكتاتورية واليمينية المتعاقبة مليشيات اليمين المتطرف المسلحة، او ما يسمى بـ"فرق الموت" في صراعها ضد الحركة المسلحة وقوى اليسار السياسية والحركات الاجتماعية.

في السنوات الأخيرة، وفي كل من المناطق الريفية والحضرية في كولومبيا، ظهرت منظمات وتحالفات جديدة وتعزز دورها. وتمثل  هذه المنظمات مجموعات اجتماعية مختلفة وبعضها يمثل  ضحايا للنزاع الاجتماعي والمسلح. وعلى هذا المنوال، ظهرت المزيد والمزيد من المنظمات القاعدية ومنتديات الحركة النسوية.

 وقبل التوقيع على اتفاقية السلام، دأبت السلطات، وبشكل تعسفي، على وضع الاحتجاج الاجتماعي، وممارسة الكفاح المسلح في مستوى واحد، مما ترتبت على اساسه عواقب وخيمة على الحركات الاجتماعية وقادتها. وفي الوضع الراهن، وعلى الرغم من توقيع معاهدة السلام مع (فارك) واستمرار الحوار مع "الحركة الوطنية المسلحة"، لا تزال الحركات الاجتماعية تواجه هجمات ميلشياوية منظمة، ففي شباط 2017، نشرت شبكة المنظمات غير الحكومية "بروغو سوموس ديفنسوريس" (نحن المدافعون) تقريراً يتحدث عن أكثر من 500 جريمة قتل ضد نشطاء حقوق الإنسان في كولومبيا خلال العقد الماضي. وفي تقرير آخر صادر عن منظمة "رد المظالم" في  30 آذار من نفس العام،  جرى التأكيد على أن التهديدات والاعتداءات على قادة حركات ومنظمات المجتمع المدني "زادت بعد توقيع معاهدة السلام في مناطق مختلفة من البلاد". وينطبق هذا بشكل خاص على "أنشطة  الدفاع عن أراضي السكان الأصليين، والمقاومة السلمية للمشاريع الاقتصادية الاستغلالية، وكذلك ضد المبادرات المهتمة بالتربية السلمية والعمل على بناء السلام الإقليمي"، اي مواجهة العنف والعمل على تثبيت السلام في مناطق مختلفة من البلاد.

 ويشير التقرير ايضا الى أنه في الفترة ما بين 1 كانون الثاني 2016 - 5 آذار 2017، قُتل 156 من النشطاء البارزين ونشطاء حقوق الإنسان. وذكرت الصحيفة " إسبكتادور" (الشاهد) الصادرة في 16 ايلول 2017، انه تم تصفية  200 من النشطاء في 2016 /  2017.  واشارت تقارير اخرى الى اسماء المقاطعات التي شهدت هذه الجرائم. ويسجل تقرير "رد المظالم" 33 اغتيالا وخمس حالات اختفاء قسري و 500 تهديد ضد قادة المنظمات الاجتماعية. ووفق تقرير"نحن المدافعون"، فان 86 في المائة من الضحايا كانوا من الرجال و14 في المائة من النساء. وفيما يتعلق بالنساء، يشير تقرير "رد المظالم" إلى أن "الاعتداءات عليهن تمثل  خطرا استثنائيا، لأنها تهدف الى إذلال النساء، وايصال رسائل الى عوائلهن وقراهن. وان عمليات الاغتصاب والاعتداء الجنسي على النساء تهدف إلى  تدمير سلامتهن البدنية والنفسية، وحقهن في الخصوصية، والاساءة الى شرفهن الانساني". وفي العديد من الحالات، يعتبر الجناة، على طريقة ارهابيي داعش، أجساد النساء جزءا من غنائم الحرب.

 وفي الماضي، عانت الحركات الاجتماعية في كولومبيا من تجريم  الحكومات واضطهادها الواسع، ومن جرائم العنف التي تنفذها القوات النظامية والمليشيات المسلحة. ويتمتع أفراد القوات المسلحة النظامية بدرجة حماية عالية، تساعدهم على الإفلات من العقاب. وبعد توقيع اتفاقية السلام، يحاولون استخدام الترتيبات القضائية الخاصة، المرتبطة باقرار السلام، لتجنب المقاضاة عن الجرائم التي ارتكبوها. وباقرار قانون الشرطة الوطنية الجديد، يتعزز مبدأ الإفلات من العقاب وتضفى عليه الشرعية. ويقيد القانون  الحق في الاحتجاج والتعبير عن الرأي، ويسمح بالتفتيش دون اذن قضائي مسبق، في بلد تعرف فيه الدولة بجرائمها. وتزيد وسائل الإعلام من تفاقم الوضع من خلال تبريرها لقمع الحركات الاجتماعية وللحرمان من الحقوق الأساسية.

عرض مقالات: