إنّ المشهد السياسي بعد انقلاب 25 أكتوبر، وفي أتون حرب مدمّرة يديرها طرفاها بالوكالة خدمةً لمصالح قوى عالمية وإقليمية، يفضح حقيقة لا لبس فيها: السودان مختطف بين قبضتين دمويتين، مليشيا الجنجويد وتحالف "تأسيس" من جهة، وحكومة الإخوان في بورتسودان من جهة أخرى.

ورغم ما يظهر من تنافس على النفوذ والنهب بينهما، فإنّهما في جوهرهما جبهة واحدة متآمرة، يجمعهما العداء لثورة ديسمبر المجيدة، والتآمر على تصفيتها، وإعدام كل مكتسبات الشعب التي تحققت بدماء الشهداء وتضحيات الجماهير.

تحالف “تأسيس” لم يكن أكثر من واجهة مزيفة لمليشيا الجنجويد، التي ارتكبت أبشع الجرائم ضد المدنيين: القتل الجماعي، التهجير القسري، الاغتصاب، وحرق القرى والمدن. إنها قوة بلا حدود ولا وطنية، قائمة على النهب والتوسع، وبيع الدماء والسلاح والذهب، وفرض إرادتها بقوة الرصاص والنار. حكومة تأسيس وقسمها ليسا سوى إعلان ولاء لمشروع إجرامي يسعى لتثبيت سلطة أمراء الحرب، وشرعنة القمع، ورهن السودان للقوى الخارجية.

في الوجه الآخر من المؤامرة، تعود حكومة بورتسودان، الخاضعة لإخوان الحركة الإسلامية، لإعادة إنتاج نظام منبوذ يسعى لدفن الثورة وتمكين النظام البائد من جديد. إنّها آلة سياسية لإحياء دولة القمع والإقصاء والطفيلية، عبر ملاحقة قوى الثورة وتصفية لجان المقاومة، مستفيدة من أجواء الحرب والفوضى، ورافعةً شعار “الشرعية” زورًا لتبرير مشروع رجعي لا صلة له بمصالح الشعب. وهي، شأنها شأن مليشيا الجنجويد، عدو مباشر للثورة والجماهير، لا سبيل لمواجهتها إلا بالمقاومة الشعبية الشاملة وتنظيم الصفوف لإسقاطها واقتلاع جذور الردة من أرض السودان.

قد يبدو أنّ ثمة صراعًا دمويًا بين الجنجويد والإخوان، لكن الحقيقة أنهم وجهان لمشروع واحد: مشروع مضاد للثورة، قائم على القمع، ونهب الموارد، وتمزيق الوطن، وتكريس تبعيته. ما يفرقهم مجرد صراع على الغنائم والسلطة، أما ما يجمعهم فهو العداء الصريح لثورة ديسمبر وشعاراتها في الحرية والسلام والعدالة.

إنّنا ندين بأشدّ العبارات هذا المشروع المزدوج لتصفية الثورة: مليشيا الجنجويد وتحالف "تأسيس" من جهة، والإخوان وحكومة الأمر الواقع في بورتسودان من جهة أخرى. فكلاهما بلا شرعية، وكلاهما عدوّ للحرية، وكلاهما يجرّ البلاد إلى مزيد من الحرب والخراب والانقسام، ويكرّس تبعية السودان ويسخّر موارده لخدمة الداعمين الدوليين والإقليميين.

إنّ شعب السودان لن يقبل بعد اليوم أن يُحكم بمليشيا إرهابية أو بحكومة إخوانية مستبدة. فلننهض جميعًا لتوحيد الصفوف، وتصعيد المقاومة الشعبية، وبناء أوسع جبهة قاعدية لإسقاط السلطتين معًا. فلنحوّل الشوارع والميادين إلى جبهات نضال مفتوحة حتى تُفتح الطريق أمام مشروع وطني ديمقراطي جذري يحقق أحلام الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية والتحرر الوطني.

الخميس 4 ايلول/سبتمبر 2025.