بعد استبعاد الشيوعي أندريه شاسانيه، مرشح تحالف اليسار الفرنسي لرئاسة الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، نتيجة لتحالف يميني، وتصوّيت 17 وزيرًا حصلوا على تفويض برلماني لكنهم ما زالوا يعملون في مناصب حكومية، على الرغم من أن الدستور الفرنسي يحظر على أعضاء الحكومة والسلطة التنفيذية المشاركة في التصويت داخل البرلمان. ورفض التعامل مع مرشحة تحالف اليسار الفرنسي لوسي كاستيت (كاستي)، أصبح واضحا ان الرئيس الفرنسي يعمل جاهدا وبكل الوسائل على حرمان تحالف اليسار الفائز بالانتخابات البرلمانية الأخيرة من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة.

إصرار الرئيس

 تسود أوساط فرنسية واسعة حالة من الاستغراب، فبدلاً من متابعة تشكيل حكومة في دولة لا حكومة لها، يلعب إيمانويل ماكرون حاليًا دورًا جديدًا كمنظم وراعي للألعاب الأولمبية.  قبل ساعة من مقابلة تلفزيونية مساء الثلاثاء دعا فيها الرئيس إلى "وقف سياسي لإطلاق النار" خلال الألعاب الأولمبية، قدم تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة مرشحتها لوسي كاستيت لمنصب رئيس الوزراء. لم يذكر ماكرون الغاضب والمتفاجئ بشكل واضح حتى اسم المرشحة اليسارية أمام الكاميرات. وقال الرئيس إن الأمر لا يتعلق بالشخصية، بل "إيجاد أغلبية واسعة" في البرلمان في نهاية آب المقبل، يمكنها "العمل وتوفير الاستقرار للبلاد".

يرى ماكرون الأمور بشكل مختلف. وقد أوضح ذلك مرة أخرى في الحوار التلفزيوني. "لم يفز أحد" في الانتخابات، ولا حتى الجبهة الشعبية التي تتمتع بأكبر عدد من المقاعد، لأن أياً من الكتل السياسية الثلاث لا تتمتع بالأغلبية البرلمانية المطلقة اللازمة للحكم. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يدعو ماكرون الأحزاب السياسية إلى الدخول في مفاوضات ائتلافية، ومن خلال التنازلات، لخلق الظروف الملائمة للحكم المشترك بما يخدم مصالح البلاد. وهذا أمر جديد بالنسبة لفرنسا، ولكنه معمول به منذ فترة طويلة في بلدان أوروبية أخرى. ووصف ماكرون مواقف الجبهة الشعبية، التي يجب أن يكون برنامجها أساس عمل الحكومة بأنه "عفا عليه الزمن وغير واقعي". وأعتبر الرئيس ان خسارة مرشح الجبهة الشعبية الجديدة لانتخابات رئيس الجمعية الوطنية، دليلا على ان تحالف اليسار لا يحظى بالدعم المطلوب.

ولا يرى ماكرون هذه الأغلبية في الجبهة الشعبية، التي فازت الجولة الثانية لانتخابات الجمعية الوطنية في 7 تموز، وحصلت على 180 مقعدا، متقدما على تحالفه "التجمع من أجل الجمهورية" الذي حصل على 156 مقعدا، وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي حصل على. 143 مقعدا. وبدلاً من ذلك، يدعو رئيس الحكومة إلى تشكيل "جبهة الجمهورية"، وهو ما يسمى بتحالف القوى المعتدلة.، بقيادة تحالفه الانتخابي، واليمين المحافظ (الجمهوريون)، واوساط من يمين الحزب الاشتراكي. ومن جانبه، يحلم زعيم المجموعة الجمهورية، لوران فوكييز، بتحالف يمين الوسط، أو "ميثاق تشريعي"، قادر على تقديم مشاريع القوانين وإقرارها بالأغلبية، وبهذا يتم دفع اليسار الى مقاعد المعارضة.

بعد الحوار التلفزيوني استبعد ماكرون إمكانية تشكيل حكومة جديدة في وقت قريب. ومن المتوقع أن تستمر الحكومة الحالية في عملها على الأقل حتى بعد انتهاء الألعاب الأولمبية في منتصف ايلول. وبدا واضحا استحالة تكليف الرئيس لمرشحة الجبهة الشعبية الجديدة، التي من الواضح أنه يستخف بها (الجبهة) ولا يعتبرها مناسبة لتشكيل الحكومة. بعد نهاية دورة الألعاب الأولمبية، يريد الرئيس اختيار عدد من الجبهة، المناسبين بشكل انتهازي للتحالف الحكومي الليبرالي اليميني الذي يحلم به. ومن الواضح أن التعاون العرضي مع أعضاء التجمع الوطني اليميني المتطرف ليس مستبعدا. لقد وصف الرئيس تجاهلهم التام في توزيع المناصب الرئيسية في البرلمان المنتخب حديثا – هيئة الرئاسة واللجان – بأنه "ليس بالأمر الجيد"، بالإضافة الى ان هناك حديث عن مفاوضات مستمرة بين معسكر الرئيس واليمين المتطرف منذ الشتاء الفائت.

وتجاهل ماكرون مطلب استقالته في ضوء مأزق الوضع السياسي الداخلي وتمهيد الطريق لانتخاب رئيس جديد. لقد انتخبه الفرنسيون لمدة خمس سنوات وسيقوم بواجبه حتى اليوم الأخير.

الشيوعي الفرنسي: ماكرون يسخر من الفرنسيين

وصف الرئيس ماكرون تصريح  النائب اليساري  توماس بورتس من حركة فرنسا الابية،  الذي تناول فيه جرائم إسرائيل ضد سكان قطاع غزة، واعلانه أن الرياضيين الإسرائيليين "غير مرحب بهم" في الألعاب الأولمبية، ويجب عليهم، في أحسن الأحوال، التنافس تحت علم محايد "، وصفه الرئيس بـ "الشنيع"  وأكد ماكرون  أن الرياضيين الإسرائيليين "مرحب بهم مثل جميع الرياضيين الآخرين في هذه الألعاب" وأن فرنسا ستبذل قصارى جهدها لخلق أفضل الظروف الممكنة للمنافسات ولجعل الألعاب الأولمبية حدثًا بارزًا ليس فقط للرياضة ولكن أيضًا للتفاهم الدولي.

وأدان قياديون في الجبهة الشعبية الجديدة موقف ماكرون تجاه الوضع السياسي الداخلي الذي عبر عنه في الحوار التلفزيوني، باعتباره "دليلًا جديدًا على إنكار القواعد الأساسية للديمقراطية". وأعلن السكرتير الوطني للحزب الشيوعي فابيان روسيل أن "الرئيس يسخر من الفرنسيين". وأشار إلى أن هذا الشعور يصبح أكثر حدة، و"السخط يتحول أكثر فأكثر إلى غضب". و" رغم الهزيمتين الخطيرتين في الانتخابات الأوروبية والانتخابات النيابية المبكرة، إلا أن المعسكر الحكومي لا يريد التنازل عن أي شيء من سلطته. بل إن ماكرون يذهب إلى حد وضع تحالف اليسار واليمين المتطرف (فاشيون جدد) بنفس المستوى من التطرف. وهو بهذا يحاول تبرير مناوراته السياسية التي يريد بواسطتها منع اليسار من تنفيذ إرادة الناخبين في تولي المسؤولية الحكومية.

وقال زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور، الذي طرح اسم المرشحة لصحيفة لوموند: "أعتقد أن إيمانويل ماكرون فوجئ بإعلاننا". و "لم يكن يتوقع هذا (الاتفاق)".

 من هي مرشحة اليسار؟

ولدت لوسي كاستيت في كاين في نورماندي عام 1987 وأكملت دراستها، وفق المعيار الكلاسيكي للنخبة الفرنسية المتعلمة. درست الاقتصاد السياسي والقانون العام في معهد العلوم السياسية وكلية لندن للاقتصاد وتخرجت من المدرسة الوطنية للإدارة في عام 2013. وهي المديرة المالية لبلدية باريس، صنعت لنفسها اسمًا بين الخبراء لملاحقتها الأثرياء الذين يتهربون من دفع الضرائب.

وكانت في أعوام (2008 – 2011) عضوة في الحزب الاشتراكي الفرنسي، وهي الآن عضو مستقل في كتلة حركة فرنسا الابية في الجمعية الوطنية. وفي عام 2020، أسست مع توماس بورتس "المرصد الوطني لشؤون اليمين المتطرف.

وفي نيسان 2021، شاركت في تأسيس حركة "خدمتنا العامة"، وهي منظمة ناقدة للأداء الحكومي، وتدعو الى زيادة كبيرة في عدد الموظفين الحكوميين. وفي أعداد موظفي الخدمة العامة، وزيادة تمويلهم. وتعد سياسيا غير معروفة على نطاق واسع.

 

وقالت لوسي كاستيت لإذاعة فرانس إنتر يوم الأربعاء "أنا مستعدة وأطلب من الرئيس أن يظهر نفس القدر من المسؤولية ويكلفني بتشكيل الوزارة. وفي الوقت نفسه رفضت التعاون مع المعسكر الحكومي.: ان “التحالف مع المعسكر الحكومي مستحيل، وناخبونا لا يريدون ذلك أيضًا". وشددت على أن البرنامج الانتخابي للجبهة الشعبية الجديدة يبقى أساسها. وأكدت مجددًا في حال ترأسها للحكومة فستلغي إصلاح نظام التقاعد، الذي رفع به ماكرون سن التقاعد في فرنسا من 62 إلى 64 عامًا. وتنفذ إصلاح مالي بهدف لتحقيق قدر أكبر من العدالة، وتعزيز القوة الشرائية وتحسين الخدمة العامة في فرنسا.

عرض مقالات: