بغداد ـ طريق الشعب
يشكك مراقبون للشأن السياسي والأمني في قدرة الحكومة على فرض القانون وتحقيق الاستقرار، لأن قاعدة المحاصصة المعتمدة في تشكيل الحكومات، لا تقيم اعتبارا لمفهوم الدولة وسلطة القانون، إنما تتقاسم القوى المتنفذة السلطات في ما بينها، وبالتالي فان أي خلل في إيقاع المعادلة، يدفع ثمنه المواطن، بدءا من محاولة تأجيج الصراع الطائفي في العام 2006 وحتى الآن.
وشهدت العاصمة بغداد، مؤخرا، اعتداءات استهدفت بعض العلامات التجارية الأمريكية والبريطانية، ما خلق ارتباكا في الوضع الأمني والاقتصادي، تحت عنوان التضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاطعة المصالح الامريكية لموقفها الشائن في تقديم الدعم اللامحدود لحرب الابادة الجماعية التي تشنها قوى الاحتلال الصهيوني، على شعبنا الفلسطيني في غزة.
مع مقاطعة مصالح الدول الداعمة للاحتلال
واعتبر الرفيق حسين النجار عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في تصريح ادلى به لـ" طريق الشعب"، مقاطعة مصالح الدول الداعمة للعدوان الصهيوني ، بشكل سلمي، أمرا مشروعا وشكلا من أشكال التضامن الشعبي مع غزة الصامدة ونضال الشعب الفلسطيني.
وذكر النجار، ان "عدداً كبيراً من شعوب المنطقة العربية والبلدان الأجنبية ومنها مواطنون وناشطون مدنيون في العراق، يقومون منذ فترة بحملة مقاطعة مصالح الدول الداعمة للاحتلال الصهيوني، بشكل سلمي، من خلال حملات شعبية واسعة نجحت في تشكيل ضغط مؤثر دفع بعضها للإغلاق».
وقال: إن "الهجمات التي حدثت في بغداد رافقها العنف وأشاعت أجواء من التوتر وعدم الاطمئنان في صفوف الأهالي، ومما زاد من القلق العام أن رتل العجلات الذي استخدمه المهاجمون كان يتحرك بحرية من دون تدخل القوات الأمنية".
واضاف النجار: إن هذه الأحداث تسيء إلى صورة العراق الخارجية وتشكل تهديدا للسلم الأهلي وتؤشر إلى عدم استقرار وضعف في ضبط الأوضاع ما لا يساعد في توطيد مكانة العراق في المنطقة والعالم وفي تشجيع الاستثمار الخارجي وفب اجتذاب الشركات العالمية الرصينة.
وتابع إن «الحكومة والقوى والفعاليات السياسية القابضة على مقاليد السلطة، مطالبة باتخاذ الإجراءات السياسية والأمنية الحازمة الكفيلة بوضع حد لمثل هذه الانتهاكات للقانون ولحقوق المواطنين وأمنهم وسلامتهم، وذلك بالقبض على الجناة واحالتهم الى القضاء والكشف عن الجهات التي تقف خلفهم ومحاسبتها، وذلك من أجل أن يشعر المواطنون بالأمن والاستقرار أسوة بالشعوب المستقرة بعد ان أنهكتهم السنوات الطوال من الدكتاتورية والحروب والإرهاب، ولكي تحفظ هيبة الدولة».
تتطلب المواجهة
عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر إسكندر وتوت، تحدث عن وقوف جهات سياسية خلف هذه التحركات، مؤكدا دعمه الكامل للأجهزة الأمنية في عملها على ردع أي جهة سياسية تتجاوز على الزي العسكري الرسمي.
وأضاف وتوت في تصريح لـ ”طريق الشعب”، ان هناك اتصالا وتنسيقا مستمرين بين اللجنة النيابية ووزير الداخلية، حيث تم القاء القبض على اثنين من المتورطين بهذه الافعال الأخيرة في بغداد، محذرا من انها تستهدف المصالح العراقية وحركة الاستثمار في البلاد.
وألمح وتوت الى ان الحكومة بدأت تتلمس تطبيق النظام والقانون، لذلك تحاول القوى المتضررة من ذلك تنفيذ هذه الأعمال لإثارة الفوضى والبلبلة في البلاد، مشددا على عدم السماح “لهذه المجاميع في التمادي والتجاوز على سلطة القانون”.
الداخلية تتوصل للمنفذين
وأعلنت وزارة الداخلية، أمس الأول الثلاثاء، التوصل لأسماء المنفذين للهجمات على المطاعم. فيما أكدت صدور أوامر قبض بحقهم.
وذكرت الوزارة في بيان تلقته “طريق الشعب”، أنه “خلال الأيام 26 و27 و30-5-2024 حصلت حوادث تخريب ورمي عبوات محلية الصنع في بغداد طالت كل من (مطعم KFC ومطعم جلي هاوس وليز ومعهد كامبرج ضمن منطقة شارع فلسطين ومطعم KFC وشركة كتربلر في منطقة الكرادة بالجادرية) من قبل اشخاص يستقلون (6) عجلات ودراجة نارية”.
وأضافت انه “على الفور تم تشكيل فرق عمل استخبارية وفنية لغرض متابعة الموضوع لغرض التوصل الى الجناة من الخارجين على القانون”، مبينة انه “بعد جمع المعلومات الدقيقة تم التوصل لأسماء المنفذين ومحلات عملهم وسكناهم، حيث تم عرض الموضوع أمام أنظار قاضي التحقيق الذي إصدار امر القبض بحق المنفذين وفق احكام المادة 4 إرهاب”.
وتابعت أنه “بعملية نوعية تم القبض على عدد من المتهمين الذين اعترفوا خلال التحقيق بقيامهم بالاشتراك مع مجموعة من المتهمين الهاربين بأعمال التخريب أعلاه”، مبينة ان “مذكرات قبض قضائية صدرت بحق متهمين آخرين وستتم متابعة باقي المطلوبين من قبل اجهزة وزارة الداخلية وباقي الاجهزة الامنية الأخرى”.
وأشارت الى ان “بعضهم للأسف ينتمي إلى احد الأجهزة الامنية وان قيامهم بالأعمال انفا بحجة الأضرار بالمصالح الأمريكية”، مؤكدة انه “تم توقيفهم اصوليا بغية إحالتهم الى المحاكم المختصة”.
تضارب الصلاحيات
الكاتب والصحافي عباس عبود، يقول إنه في ظل الظروف الحالية والوضع السياسي في البلاد، لا توجد إمكانية لفرض القانون؛ على اعتبار ان ذلك مرتهن بالمحاصصة أيضا.
ويضيف عبود في حديث لـ ”طريق الشعب”، أن هناك انعداما في التكامل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مشيرا إلى ان فوضى في استيعاب السلطات لشاغليها.
ويؤكد عبود، أنّ تطبيق القانون ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب إرادة سياسية وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية. فهناك العديد من الشخصيات السياسية الموجودة في السلطة، تفضل مصالحها الخاصة على المصلحة العامة.
وينوه عبود بأن تطبيق القانون يتطلب تقديس المصلحة العامة، ومصلحة الدولة العليا، ومصلحة مؤسسات الدولة، وليس مصلحة الأشخاص والأحزاب والكيانات المسيطرة على الدولة، وبالتالي فان إضعاف الدولة أدى إلى وجود قوة لدى الجماعات والأحزاب والعشائر، أصبحت أقوى من الدولة، ما أدى إلى ضعف القانون. وبالتالي، بدأ المواطن يلجأ إلى القوة العشائرية أو قوة الجماعة بدلاً من القانون.
الاستقلالية اهم المعايير!
الخبير الأمني د. احمد الشريفي، أكد أنّ حسم هذه الفوضى “يتعلق بقدرة صانع القرار السياسي على ضبط ايقاع الجهات التي تحرك هذه الجماعات”.
وقال الشريفي لـ ”طريق الشعب”، إنّ “الاستقلالية غير موجودة. وبالتالي فان رئيس الوزراء يخضع للمحاصصة التي ترهن القرار السياسي بتوازنات وصراعات إقليمية ودولية”.
وأضاف، أن ما يحصل يعكس “صراعا سياسيا غايته توسيع دائرة الامتيازات والاستحقاقات المالية عبر الاستثمار والسيطرة عليه”.
محاولة زعزعة الأمن
فيما قال فاضل أبو رغيف، مراقب للشأن الأمني، ان “من غير المقبول ان ترضخ الحكومة والأجهزة القضائية لأية تهديدات تطال اي وكالة أجنبية أمريكية كانت او غيرها. اعتقد ان الامور ماضية في اتجاه إحكام القبضة على جميع من يتصرف بشكل احادي، ويحاول زعزعة الأمن”.
وأضاف أبو رغيف في حديث مع “طريق الشعب”، ان الغاية من هذه الحركات هي “جعل العراق بيئة طاردة للاستثمار. وان لهذه الأفعال ارتدادات، واحدة منها جعل العراق بيئة غير آمنة وطاردة للاستثمار، ما يعزز فرضية ان العراق يشكل مصدر قلق لدول العالم المنطقة، ولا يعد بيئة مشجعة لجلب رؤوس الأموال الأجنبية والعربية والدولية للعراق”.
قوى لا تؤمن بالدولة
المحلل السياسي احمد الياسري، قال: ان هناك “إمكانية لإنفاذ القانون، وهناك شروط لتحقيق ذلك، أولها فهم القانون ومعرفة ماهيته”.
وأضاف الياسري في حديث مع “طريق الشعب”: “الدستور تم تحريف مواده وليها وتحويرها بالشكل الذي ينفع مصلحة الكتل السياسية والاحزاب المتنفذة”.
واكد الياسري، ان هناك حاجة لـ ”الفصل بين السلطات. كما ان القوانين غير محمية اجتماعياً. فلا المجتمع يحمي القوانين، ولا القانون يحقق رغبة المجتمع، لذلك يجب ان تكون هناك ثقافة قانونية”.
وتابع الياسري ان “أداء الكتل السياسية التي لا تؤمن بمفهوم الدولة، يعد احد اسباب المشكلة؛ فغالبية الكتل السياسية تشترك في الدولة لتستثمر مواردها”، الامر الذي يبقي على العراق منقسما سياسيا واجتماعيا.