كان مطلب الإصلاح الديمقراطي للنظام الانتخابي ولا يزال أحد أهم المطالب الديمقراطية لتصحيح جانب من عيوب النظام الانتخابي وسلبياته وتطوير العملية الانتخابية والارتقاء بالعمل البرلماني ليصبح عملاً سياسياً مؤسسياً ديمقراطياً يضع أساسآً لحياة حزبية سليمة ونظام ديمقراطي برلماني مكتمل الأركان يفتح المجال أمام قيام دولة ديمقراطية مدنية حديثة عادلة اجتماعيًا يكون فيها نظام الحكم، مثلما ينص الدستور، ديمقراطياً السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً.
ومنذ بداية الاستقلال وحتى قبل قيام العهد الدستوري حرصت السلطة على وضع نظام انتخابي قاصر يقوم على الترشيح الفردي والفوز الأكثري بما أدى إلى إضعاف الطابع السياسي للانتخابات وللعمل البرلماني وتعطيل الانتقال إلى نظام ديمقراطي برلماني مكتمل الأركان، ومن هنا فإنّه لم تكن صدفة أن تعتور العيوب والاختلالات النظم الانتخابية المتعاقبة جميعها منذ ١٩٦٢ بدءاً من الدوائر العشر بخمسة أصوات بين ١٩٦٢ إلى ١٩٧٥، مروراً بنظام الدوائر الخمس والعشرين بصوتين، الذي فرضته السلطة منفردة بين ١٩٨٠ إلى ٢٠٠٦، وصولاً للدوائر الخمس بأربعة أصوات، الذي كان بين ٢٠٠٦ إلى ٢٠١٢، وانتهاءً بنظام الصوت الواحد المجزوء في ظل الدوائر الخمس، الذي انفردت السلطة بفرضه عبر مرسوم بقانون، لأنها جميعاً كرّست العمل الفردي وعرقلت العمل المؤسسي الديمقراطي الحزبي وأفسحت المجال أمام الاصطفافات القبلية والطائفية والمناطقية والعائلية، وأتاحت الفرصة أمام تدخلات السلطة ومراكز النفوذ في التأثير على الانتخابات عبر الخدمات والمال السياسي، ما أدى إلى تخريب العملية الانتخابية والمؤسسة البرلمانية، وانعكس سلباً على الأداء النيابي والحكومي.
وتصاعدت في السنوات الأخيرة مطالبات التيارات السياسية الديمقراطية والمجاميع الشبابية والنواب الإصلاحيين بضرورة إحداث إصلاح ديمقراطي حقيقي على النظام الانتخابي بالانتقال من النظام الفردي الأكثري إلى القوائم والتمثيل النسبي، وجرى تقديم اقتراحات بقوانين من بعض النواب كان يمكن أن تحقق درجة من هذا الإصلاح المنشود، ولكن على خلاف ما تم تقديمه من اقتراحات نيابية بقوانين، وعلى خلاف ما دعمته القوى الإصلاحية خلال الأشهر الماضية، التي أعقبت الانتخابات، وفجأة ومن دون مقدمات قامت اللجنة التشريعية والقانونية في مجلس الأمة بحركة التفاف تثير الاستغراب وصرفت نظرها عن تلك الاقتراحات بقوانين لإحداث إصلاح ديمقراطي للنظام الانتخابي عبر القوائم والتمثيل النسبي، التي كانت الآمال الإصلاحية معلقة عليها، وأعلنت توصلها إلى نظام انتخابي يبقي على النظام الأكثري بعيوبه المعروفة ويتجاهل التمثيل النسبي ويقوم على تمكين الناخب من التصويت عبر الإدلاء بصوتين: الأول لقائمة تتكون من أربعة إلى ستة مرشحين والآخر بالتصويت لمرشح فرد.
وإزاء هذا الوضع ترى الحركة التقدمية الكويتية ما يلي:
١- إنّ هذا النظام المستحدث لا يمثل مدخلاً لإصلاح ديمقراطي للنظام الانتخابي، وإنما هو التفاف عليه وتراجع عنه.
٢- لا يكفي القول إنّ النظام المستحدث يفسح المجال أمام تشكيل قوائم، ذلك أن شرط الإصلاح الانتخابي هو وجود قوائم وفق نظام التمثيل النسبي وليس الأكثري القائم، الذي يشبه ما يجري في النقابات العمالية واتحاد الطلبة.
٣- صحيح أنّ النظام المقترح سيطوي صفحة الصوت الواحد المجزوء، ولكن هذا النظام المستحدث سيخفف العبء على مرشحي الانتخابات الفرعية المجرّمة، ولن يفيد هنا الحظر اللفظي بعدم تشكيل قوائم قبلية أو طائفية، إذ يمكن الالتفاف عليه بتشكيل قوائم ذات غالبية مرشحين من انتماء طائفي أو قبلي أو مناطقي أو عائلي وتمريرها عبر مرشح محلل من خارج هذا الانتماء لغالبية مرشحي القائمة.
٤- إننا ننبّه الرأي العام الشعبي إلى ما طرحناه من ملاحظات في كرّاسنا المنشور والمعنون "نحو إصلاح ديمقراطي للنظام الانتخابي في الكويت"، والذي تناولنا فيه بالتفصيل مختلف مشاريع إصلاح النظام الانتخابي المقدمة في مجلس الأمة ووضّحنا أفضلها، ونؤكد تمسكنا بالتوجه الإصلاحي الوارد في الاقتراحات التي تخلى عنها النواب بشأن إصلاح النظام الانتخابي عبر القوائم والتمثيل النسبي.
الكويت في ١٠ ديسمبر ٢٠٢٣