منذ الثامن والتاسع من أيار 1945 يحتفل العالم بيوم النصر على الفاشية، كل حسب قراءته واولوياته، وحتى في سنوات صعود الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وبلدان المنظومة الاشتراكية السابقة من جهة، وبلدان الناتو بزعامة الولايات المتحدة الامريكية من جهة أخرى، لم تشهد اوربا حظر او منع لرفع رموز النصر سواء كانت شرقية او غربية.

وبقيت هذه المعادلة سائدة، حتى في العقود التي تلت تفكك الاتحاد السوفيتي وغياب منظومة البلدان الاشتراكية. وهذا لا يلغي التباين في قراءة تاريخ الحرب العالمية الثانية ومجرياتها والتركيز على هذا الحدث او ذاك وفق أولويات القوى المهيمنة، واختلاف مناهج التحليل.

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبح توظيف التاريخ السوفيتي في الصراع الأيديولوجي والإعلامي بين أطراف الحرب والقوى الداعمة لها، أحد أسلحة حربها العبثية. وفي هذا السياق أصبح يوم التحرير من الفاشية، او يوم الانتصار في الحرب الوطنية العظمى بلغة شعوب الاتحاد السوفيتي والموقف منه جزء من هذه الحرب وتداعيتها.

لقد طغت، هذا العام، الحرب في أوكرانيا، على إحياء ذكرى الانتصار على الفاشية الألمانية. وترافق ذلك مع حظر سخيف على رفع الأعلام. لأسباب أمنية، بحجة ضمان "إحياء ذكرى الجنودالسوفييت الذين سقطوا آنذاك". لقد منعت شرطة برلين، خلال أيام إحياء الذكرى في 8 / 9 أيار، رفع العلمان الروسي والأوكراني، وكذلك عزف اناشيد المسيرة العسكرية حول النصب التذكارية السوفيتية في تريبتو وتيرغارتن وشونهولزر هايد. ومن الغريب أن الحظر شمل علم الاتحاد السوفيتي بالمطرقة والمنجل وعلم الجيش الأحمر بالنجمة الحمراء أيضًا.

وبعد إقامة دعوى من قبل احدى الجمعيات الأوكرانية، وافقت المحكمة الإدارية على رفع الاعلام الأوكرانية، دون ان تستأنف الشرطة القرار. وعندما رفعت المحكمة الإدارية في برلين الحظر على الاعلام السوفيتية والروسية، بادرت الشرطة الى استئناف قرار الرفع لدى المحكمة الإدارية العليا. لقد اعادت الأخيرة الحظر على الاعلام السوفيتية والروسية، في قرار انتقائي واضح: السماح برفع الاعلام الأوكرانية، ومنع مثيلتها السوفيتية والروسية.

لقد دفن في مواقع النصب التذكارية السوفيتية رفات أكثر من 13 ألف من ضباط وجنود الجيش الأحمر، استشهدوا في المعارك الأخيرة في منطقة برلين في نيسان / أيار 1945، بالإضافة الى قبور 7 آلاف جندي سوفيتي قتلوا في المدينة. في هذه المقابر وغيرها دفن الجنود السوفييت جنبا الى جنب، من روس وأوكرانيين، وباقي قوميات الاتحاد السوفيتي.

لقد قام الشعب السوفيتي، وبتضحيات هائلة، بهزيمة الفاشية الألمانية، ولم يكن المقاتلون حينها يحملون علما روسيا او أوكرانيا او اية قومية أخرى، وبالتالي لا معنى لرفع اعلام الدول والأنظمة المتحاربة اليوم، عند استذكار يوم النصر العظيم، في حين يغيب العلم الذي مثل المقاتلين والشعوب التي دحرت الفاشية قبل 78 عاما.

صحيح أن الحرب والمقاومة ضد النازيين لم يخضها الشيوعيون فقط. لقد شن الأمريكيون والبريطانيون الحرب ضد هتلر حتى النهاية. وكانت فرق المقاومة المناهضة للفاشية تضم أيضا ديموقراطيون برجوازيون وليبراليون ومتدينون.

ولكن الموضوعية التاريخية وطبيعة ما جرى بشكل الملموس يحتم على المنصفين القول، انه بدون الشيوعيين، من ستالينغراد إلى أثينا، ومن بلغراد إلى باريس، ومن روما وميلانو إلى بكين، وبدون جيش التحرير العالمي هذا، الذي كان قوته الأساسية الجيش الأحمر السوفيتي، وبدون قوات الأنصار، الذين قاتلوا واستشهدوا من أجل التحرر من الفاشية وكذلك من أجل العدالة الاجتماعية، وضد الرأسمالية، دون التضحيات الهائلة لأولئك الذين أرادوا الاشتراكية، باعتبارها مستقبل أفضل للبشرية، لما كانت الفاشية النازية قد هُزمت في عام 1945 وربما مات هتلر على سريره مثل فرانكو في اسبانيا وبينوشيه في تشيلي.

لقد كانت رموز المقاتلين العلم الأحمر والمطرقة والمنجل والنجمة الحمراء. وغدت الأخيرة رمزا للتحرير أوربا من الفاشية الألمانية.

لذلك، من العبث حظر رموز الاتحاد السوفياتي على النصب التذكارية. انها محاولة لإعادة الروح للعداء للشيوعية في اسوء صورها، وسلوك يجسد الكراهية والخوف من دور الشيوعيين في حرب التحرير ضد الفاشية النازية. ان الذين يريدون مراجعة التاريخ اليوم عن طريق حظر الرموز السوفيتية سيخبروننا غدًا، ان الجيش الأحمر لم يحرر معسكر أوشفيتز النازي، بل كتيبة آزوف بقيادة ستيبان بانديرا الفاشية، هي التي أنجزت المهمة.

من المؤسف جدا ان الدبابات الروسية في أوكرانيا، يقودها اليوم نساء ورجال هم احفاد الذين دافعوا مع رفاق السلاح الأوكرانيين سوية عن الاتحاد السوفيتي، وقدموا تضحيات لا توصف. وهزموا هتلر وجيوشه النازية وحرروا اوربا ومعها العالم. الآن يقتل بعضهم البعض، لهذا لا بديل للمطالبة بألقاء السلاح وانهاء هذه الحرب المجنونة فوراز

*- نشرت لأول مرة في جريدة المدى في 14 أيار 2023

عرض مقالات: