في دراسة نُشرت في 11 آب في المجلة العلمية Communications Earth and Environment، قدر فريق من الباحثين النرويجيين والفنلنديين أن درجات الحرارة في القطب الشمالي ارتفعت أربع مرات أسرع من المتوسط العالمي على مدار الأربعين عامًا الماضية. والسبب الرئيسي هو "تضخم القطب الشمالي": حيث يؤدي ذوبان الجليد والثلج إلى تمدد سطح الماء، والذي لا يعكس ضوء الشمس بل يمتصه.
ولا تنحصر عواقب هذا التطور في المناخ فقط، بل تمتد الى السياسة أيضًا.، فعندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن نيته شراء جزرغرينلاند في عام 2019، قوبل إعلانه بالرفض الواسع، باعتباره غباءً نموذجيا للرئيس الأمريكي. لكن حقيقة الأمر تتعلق بالمصالح الاقتصادية والعسكرية، فقد أدى ذوبان الجليد الى تسهيل عمليات استغلال الموارد الطبيعية في القطب الشمالي، و وفقًا لتقديرات وكالة الحكومة الأمريكية USGS، يوجد قرابة 30 في المائة من الغاز الطبيعي في العالم و13 في المائة من احتياطيات النفط في هذه المنطقة. بالإضافة الى العديد من المعادن، وبعضها نادر. لقد أدى ذلك الى فتح طرق بحرية جديدة أيضا، بالإضافة الى ذلك، تتزايد الأهمية العسكرية للمنطقة بالتوازي مع استمرار هذه المتغيرات.
في عام 1996تشكل مجلس القطب الشمالي، ويضم ممثلين حكومات: الولايات المتحدة وكندا وأيسلندا والدنمارك والنرويج والسويد وفنلندا وروسيا. وغالبًا ما تتقاطع مصالح و مطالبات دول المنطقة. وفي بعض الأحيان يتم اللجوء الى حلول ذكية للتقاطعات، فعلى سبيل المثال في النزاع بين كندا والدنمارك على جزيرة هانز، ففي حزيران 2022، وبعد عقود من المفاوضات، تم تقسيم ملكية الصخور غير المأهولة التي تبلغ مساحتها كيلومترًا مربعًا في مضيق ناريس، والتي تفصل الجزء الشمالي الشرقي من كندا عن غرينلاند الدنماركية.
ومع ذلك، لا تزال العديد من النزاعات دون حل. والصراع على "المناطق الاقتصادية الخالصة" مستمرا على قدم وساق. ومن المعروف أن تمنح الدولة حقوقًا حصرية في الاستخدام الاقتصادي في المياه الاقليمية الممتدة 200 ميل بحري (370 كيلومترًا) على طول ساحل تلك الدولة. وفي ضوء النزاعات الإقليمية المتصاعدة في القطب الشمالي، يجرى التحذير من "بلقنة" (نسبة الى الصراع بين دول البلقان) المنطقة بشكل متكرر.
في الوقت الحالي، لا يستطيع مجلس القطب الشمالي فعل الكثير للمساهمة في تهدئة الأجواء بين المتنافسين. ولم يجتمع المجلس، منذ بالغزو الروسي لأوكرانيا، عملا بسياسة عزل روسيا دوليا. ومع ذلك، لا تنظر بلدان الغرب إلى روسيا باعتبارها تهديدًا في القطب الشمالي فقط، بل تضيف الصين اليها ايضا. وتقدر لجنة الشؤون الخارجية في الحزب الجمهوري الأمريكي الاستثمارات الصينية في القطب الشمالي على مدار العشرين عامًا الماضية بما يصل إلى 100 مليار يورو، خاصة في قطاعي التعدين والطاقة. ومن جانبها تعتبر الصين نفسها "دولة قطبية".
سيكون لصراعات دول المنطقة تأثير على عمليات الشحن أيضا و لا تزال عمليات النقل متواضعة المستوى. في عام 2019، ووفقًا لمجلس القطب الشمالي، تم تسجيل 1628 سفينة تعمل في المنطقة لأغراض اقتصادية أو علمية أو عسكرية. وفي العام نفسه، مرت 18,880 ألف سفينة عبر قناة السويس. ويمكن أن ترتفع الأرقام في القطب الشمالي قريبًا. ولا يرتبط السبب في استخدام طرق تجارية جديدة فقط، بل تكتشف السفن السياحية أيضًا المنطقة كمنطقة جذب سياحي، والتي سيكون لها عواقب بيئية وثقافية مهمة. وبالإضافة إلى الآثار الاقتصادية، هناك مشكلة الأساطيل العسكرية العاملة في المنطقة. لعقود من الزمن، كان من الصعب تحديد موقع الغواصات تحت الغطاء الجليدي الكثيف في القطب الشمالي. ومع ذوبان الجليد يتغير هذا الأمر، ويفرض توجهاً استراتيجياً عسكريا جديداً، وفي كثير من الأحيان، يتم تجاهل السكان المحليين في المناقشات الجيوسياسية بشأن القطب الشمالي.
إن مجتمعات السكان الأصليين هي جهات سياسية فاعلة مهمة تدافع بشكل متزايد عن وجودها ضد استغلال مناطق سكنها التقليدية. وحكومة غرينلاند والمنظمات الناشطة في المنطقة ، تؤكد أن مستقبل القطب الشمالي لا يمكن رسمه بدون ساكنيه.