المبادر لعقد المؤتمر الرفيق ميركو ميسنر

احتضنت بناية "بيت الشعب" في كلاغنفورت السلوفانية في الفترة 14 – 15 أيار الفائت مؤتمرا حول النزاع التاريخي للذاكرة المقاومة للفاشية تحت شعار "لن يمروا"، في إشارة لشعار حركة الأنصار المقاومة للفاشية في اوربا، خصص للذاكرة المقاومة لمنطقة الألب الأدرياتيكي، التي تضم 11 منطقة موزعة بين النمسا، إيطاليا، هنغاريا، سلوفينيا، وكرواتيا. وقد نظم المؤتمر من قبل المنتدى الإقليمي لحزب اليسار الأوربي، وبدعم من شبكة "تحول" للبحوث، وشاركت في المؤتمر شخصيات علمية وثقافية وفنية، ومبادرات المجتمع المدني في البلدان التي تتوزع المناطق قيد البحث عليها. وبهذه المناسبة نشر موقع شبكة "تحول" حوارا مع الرفيق ميركو ميسنر، القيادي في الحزب الشيوعي النمساوي، وسكرتيره السابق، والمبادر لتنظيم المؤتمر، تناول فيه الحدث، والعلاقة بين مناهضة الفاشية والنضال من اجل التحولات الاجتماعية، وجوانب الضعف في التجربة التاريخية لسياسات الذاكرة التاريخية لليسار. فيما يلي عرض لأهم الموضوعات التي احتواها الحوار.

 عن المؤتمر

 انطلقت فكرة المؤتمر من المشاركين في المنتدى الإقليمي لحزب اليسار الأوربي. الذين تلمسوا الحاجة لمواجهة سياسات الذاكرة التاريخية المهيمنة في المنطقة ببديل تقدمي. ان هناك العديد من أوجه التشابه والتناقض في منطقة الألب الأدرياتيكي، والحقائق التاريخية والحالية مختلفة أيضًا، لكنها في الأساس تدور حول التحريفية الأوروبية. كان هدف المؤتمر التعرف على الاستراتيجيات المختلفة من خلال تبادل اممي للرؤى لمواجهة هذا الاتجاه. وكذلك مراجعة سياسات الذاكرة اليسارية، المعادية للفاشية والنازية ونقاط ضعفها. وأخيرًا، كان الدافع الحاسم، هو تناول الفجوة المعرفية بين جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، والأجيال الأصغر سنا.  ان هناك فجوة آخذة في الاتساع باستمرار، تعززها سياسات النسيان وإلغاء الذاكرة التاريخية المخطط لها، وخصوصا بعدها الاجتماعي، الذي يجري دفعه الى زوايا الإهمال.

 العلاقة بين مناهضة الفاشية والتحول الاجتماعي

 تعاني المعرفة بالمقاومة المناهضة للفاشية من ضعف في فهم جوهرها، لكونها كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالرغبة في التحول الاجتماعي. وبالإضافة الى أسئلة مثل كيف تمكنت للفاشية والنازية أن تحتل موطئ قدم، وكيف يمكن أن تستحوذ على الناس، وكيف يمكن أن تتطور حتى من مزيج من التناقضات الطبقية والسياسية والثقافية. الأنظمة التعليمية لا تساهم في الإجابة على هذه الأسئلة، بل على العكس من ذلك: فهي تعمل بدرجات متفاوتة كأداة لترسيخ سياسة النسيان. إن المنظمات المناهضة للفاشية، تعمل بأساليب تقليدية، تؤدي مهامها قدر المستطاع، وبالتالي هي منظمات تقليدية بمعنى إيجابي، لكنها غالبًا ما تبدو متحجرة في لغتها. وهذا لا يمثل بأية حال استخفافا بأنشطة هذه المنظمات، ولكن نشاطها يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالماضي. تكرس هذه المنظمات نشاطها للتعريف بضحايا النظام النازي، وتكريم ممثلي المقاومة التاريخية، لكن ارتباط نشاطها الحيوي بالنضالات الاجتماعية الراهنة ضعيف. ومن ناحية أخرى، يتم دفع المقاومة المناهضة للفاشية، في الراي العام من قبل الأجهزة الإيديولوجية، إلى الخلف، وفي الخطاب الشمولي، يتم الضغط عليها، وفي أحسن الأحوال يتم حصرها في بُعدها القومي. لقد كانت مقاومة الفاشية، بالنسبة للمناضلين في صفوفها، قائمة على رؤيا محورية لتحول اجتماعي تضامني. وكما قال المناضل ضد الفاشية ليبي كولينيك (1925 -2008): "إذا انتصرنا على النازيين، لا نريد الاحتفاظ بنفس المجتمع كما كان من قبل. نحن نريد مجتمعا أفضل ". ويمتد هذا الارتباط بين مقاومة الفاشية والتحول الاجتماعي من حركة الأنصار اليوغسلافية، التي ربطت نضالها بمنظور اشتراكي، الى الشيوعي الايطالي ألتييرو سبينيلي، الذي صاغ بيان فينتوتيني، وكان يفكر في بناء اتحاد أوروبي، باعتباره الإطار الذي تحرر فيه الطبقة العاملة نفسها من الرأسمالية. لقد كانت المقاومة المناهضة للفاشية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بدوافع اجتماعية اشتراكية، أو بعبارة أكثر تعقيدًا: بالرغبة في التحول الاجتماعي.

 بيان فينتوتيني

 بيان فينتوتيني، الذي كان عنوانه في الأصل "من اجل أوروبا حرة وموحدة": هو بيان سياسي أصدرته مجموعة من المعتقلين المناهضين للفاشية في جزيرة فينتوتيني الإيطالية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية. تم نشر البيان، الذي اكتمل في حزيران 1941، في إيطاليا من خلال المقاومة ضد موسوليني وهتلر. ويدعو البيان إلى قطيعة جذرية مع ماضي أوروبا من أجل بناء أوروبا ديمقراطية واشتراكية. لقد نصحت مجموعة من الشخصيات اليسارية النسوية في المانيا وإيطاليا استعادة البيان في الظروف الراهنة.

انظم الكثير الى حركة الأنصار، نتيجة لرد فعل على المخاطر الجدية التي كانت تهدد الحياة. ولهذا فان عدد المقاتلين الفعليين كان لا يشكل الأكثرية من مجموع الذين دعموا الحركة، والذين وفروا للحركة المأكل والملبس والمساعدات الطبية، وكل ما يحتاجه المقاتلون. لقد شكل النساء والشباب العمود الفقري لهذه القواعد الداعمة، والتي بدونها لم يكن الكفاح المسلح ممكنا. وكان معظم هؤلاء الناس كاثوليكيين، في حين كان منظمو المقاومة في الغالب شيوعيين. كان هؤلاء المنظمون مجموعة صغيرة مقارنة بالقواعد الشعبية، والتي بدورها لا علاقة لها بالشيوعية من الناحية الإيديولوجية، ولكن في المقاومة تعرفوا على رؤية مختلفة للعالم ومنظور اجتماعي مختلف، مع صورة تحررية للمرأة، وامور كثيرة أخرى.  وخلال تجربة المقاومة أصبح الكثير من هذه القواعد الداعمة شيوعيين.  ان التحولات التي عاشتها المقاومة وتعزز قوتها تعود الى التقاء الدوافع الاجتماعية والطبقية. ولم ينحصر هذا التلاقي بالنمسا او مناطق في سلوفينيا، بل عاشته الحركات المناهضة للفاشية، بدرجات مختلفة، في بلدان اوربية أخرى، والامر يتعلق بهذا المحتوى. ولهذا فان سياسات ذاكرة التاريخ السائدة في اوربا تسعى إلى تمييع هذا المحتوى الاجتماعي الثوري، أو التحرري بصيغة ادق، وفرض الخطاب الشمولي المجنون عليه، وتقليص النضال التحريري في البعد القومي.

أسئلة المؤتمر المهمة

ان من اهداف المؤتمر الرئيسة صياغة امثلة إيجابية. لقد صاغ كلاوس شونبيرغر (جامعة كلاغنفورت / سيلوفيك) مصطلحًا مثيرًا للاهتمام، وهو مصطلح "الذاكرة التحررية". بالضبط كيف يمكن أن تبدو مثل هذه الذاكرة، هذا ما يجب العمل عليه. وفي سياق هذه العملية، يتعين أيضًا تناول أسئلة مثل: ما هي الظروف التي استطاعت الفاشية بموجبها اكتساب القوة اساسا؟ كيف يرتبط هذا بالتناقضات الطبقية؟ كيف تمكن الفاشيون من شل الحركة العمالية وحتى كسب أجزاء منها، كيف تمكنوا اليوم من استخدام القوة الاستبدادية لليبرالية الجديدة وركوب موجتها؟ كيف تكسر جدران عدم الفهم التي اوجدها نظام الذاكرة المهيمن؟ لا يمكن كسر هذه الجدران إلا إذا تم طرح نقاط الترابط ميدانيا. وإذا ما دمجت مع العناصر الاجتماعية لمناهضة الفاشية التي يمكن اسقاطها على الحاضر، مع الصراعات الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية الحالية، وبالتالي سيثار نقاش اجتماعي سياسي ينتج قوى ابداعية جديدة. ان العناصر الاجتماعية للمقاومة المناهضة للفاشية راهنا لا يمكن إلا أن تكون: الكوكب مهدد بأسلوب الحياة والإنتاج الرأسمالي - اجتماعيًا وبيئيًا وحضاريا. يسير هذا التهديد جنبًا إلى جنب مع فرض الاستبداد الليبرالي الجديد، الذي يمهد الطريق للفاشية الجديدة، والتي تقوض أيضًا الديمقراطية البرجوازية، مع هيمنة الشركات الضخمة التي تسيطر على حياة الناس، وصعود العنصرية وأشكال أخرى من التمييز - لكن كل هذا يواجه أيضًا مقاومة في أوساط واسعة من الشباب.

مواطن ضعف

تتمثل نقطة الضعف الأكثر أهمية، على الأقل في النمسا، في تجريب أساليب غير كافية، فيما يتعلق بكيفية تطوير سياسة ذاكرة يسارية، وتحويلها الى فضاء اهتمام مجتمعي أكبر. ويمكن أن يحدث هذا، على سبيل المثال، في دفع فعل "مقاومة صغير" في الوعي العام. هناك عدد من الأمثلة الإيجابية على ذلك في كارينثيا، وكذلك في الولايات الفيدرالية النمساوية الأخرى، لخلق ترابط بين النقد المناهض للفاشية والرأسمالية على نطاق واسع، والذي سيقود إلى مركز الصراع الراهن مع المتطرفين اليمينيين والتحريفية الليبرالية.

وأخيرا فان الحماس للمؤتمر مبني على الاجابات على حاجة العديد من المشاركين. الشيء الرئيسي الآن هو دعوة العديد من المبادرات المحلية التي تنشط في مجال سياسات الذاكرة، بتضامن وفي مشروع مشترك عابر للحدود في منطقة الألب الأدرياتيكي، يضع الإرث الأوروبي التقليدي المناهض للفاشية في المجتمع الحالي. لقد تم بالفعل اتخاذ الخطوات العملية الأولى في هذا الاتجاه، وإذا كان من المأمول أن يكون كل شيء على ما يرام، فيجب أن تصبح النتائج قريبا مرئية، تحت عناوين عملية أحدها: دروب التحرير.

 *- نشرت لأول مرة في العدد 157 من مجلة الشرارة النجفية

عرض مقالات: