على مدى أشهر عدة حذرت هذه الصحيفة ("عالم الشعب" People’s World) من أن ترامب نصّب نفسه زعيماً لحركة فاشية جماهيرية وأنه لن يتوقف عند أي شيء للحفاظ على قبضته على السلطة. وقدم الانقلاب/ التمرد الذي حدث في واشنطن العاصمة يوم الأربعاء تأكيداً للحقيقة التي لا يمكن إنكارها لهذا التحذير، فقد جرى بثه على الهواء مباشرة عبر شاشات التلفزيون والهواتف الذكية في ارجاء العالم.

ومنذ ان طرح ترامب للمرة الأولى فكرة تأجيل الانتخابات ونشر القوات الفيدرالية ضد المتظاهرين من  حركة "حياة السود تهمنا" في حديقة لافاييت بارك (قرب البيت الابيض)، إلى إنشاء لجان لملاحقة سرقة الأصوات في ولاية بنسلفانيا في تشرين الاول (أكتوبر) الماضي، والأكاذيب التي لا نهاية لها حول "الانتخابات المسروقة" منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كان ترامب يغذي النار في مرجل يغلي من التطرف اليميني العنصري.

لقد غلي هذا المزيج القاتل الآن ونتج عنه انقلاب فاشي كامل في عاصمة البلاد.

وكان شاغل المكتب البيضاوي (ترامب) المنتهية ولايته أمضى أسابيع في استدعاء هذه الغوغاء إلى واشنطن "للاحتجاج" ظاهرياً على مصادقة الكونغرس على خسارته، وفقاً لما توصل اليه المجمع الانتخابي، لصالح الرئيس المنتخب جو بايدن. لكنهم في الواقع كانوا بمثابة القوة الخارجية لدعم "مجموعة الفتنة" في مجلس الشيوخ التي كانت تعمل من الداخل لتخريب حسم هزيمة ترامب الانتخابية.

وبعد أن حشد ترامب قواه في وسط العاصمة واشنطن، أشعل فتيل انفجار العنف صباح الأربعاء بصرخة الحرب التي اطلقها: "لن نستسلم أبدًا! لن نتنازل أبدا! ". وقال رودي جولياني (محامي ترامب الشخصي)، الذي بدا مثل جوزف غوبلز (وزير الدعاية السياسية في المانيا النازية)، مخاطباً انصار ترامب أن الوقت قد حان لاجراء "محاكمة بالقتال". وبعد تأجيج مشاعرهم، أرسلهم ترامب واتباعه للتوجه في مسيرة نحو الكونغرس.

وعند الوصول قام انصار ترامب من المتطرفين بمهاجمة مبنى الكابيتول (مقر الكونغرس)، واقتحموا الأبواب وكسروا النوافذ. ولم يلقوا سوى مقاومة شكلية من قوات الشرطة المتواجدة هناك، وهي حقيقة مثيرة للانتباه، بالمقارنة مع القوات الفيدرالية المدججة بالسلاح التي تمركزت في جميع أنحاء المدينة عندما نظم المتظاهرون من مؤيدي حركة "حياة السود تهمنا" احتجاجات سلمية الصيف الماضي. ومع ذلك، جاءت جماعات تفوق العرق الأبيض العنصرية المسلحة إلى المدينة وتمكنوا من السيطرة على مبنى الكابيتول. في غضون ذلك، أبقت إدارة ترامب الحرس الوطني في اماكنه ولم يتدخل.

ونجحت أعمال الشغب، مؤقتاً، في تأخير إحصاء نتائج المجمع الانتخابي. وجرى نقل أعضاء الكونغرس الى اماكن أمينة، وتم إخراج مايك بنس نائب الرئيس الامريكي من المبنى عبر نفق سري. (يبدو ان بنس ايضاً اصبح شريراً في نظر الحشد المعبأ تحت شعار "لنجعل امريكا عظيمة من جديد" بعد عدم استجابته لمحاولة ترامب اليائسة الأخيرة لسرقة الانتخابات.)

وانتقد الرئيس المنتخب بايدن بشدة الغوغاء وزعيمها، قائلاً: "كفى، ضقنا ذرعاً". وبعد ساعات من الصمت، خرج ترامب اخيراً ليتحدث على الهواء - ليس لإدانة العنف بل للإشادة بمثيري الشغب! وأعلن عن تعاطفه وتقديره للمجرمين الذين اقتحموا مبنى الكابيتول، قائلاً "نحبكم. انكم مميزون للغاية."

جاءت النقطة المضيئة الوحيدة في عصر ذلك اليوم، في نفس اللحظة التي كانت فيها ثمار تحريضات أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين تتجلى في قاعات الكونغرس، اذ فقدوا السيطرة على مجلس الشيوخ. فخلال الفوضى خرجت رئاسة مجلس الشيوخ من يدي  السناتور الجمهوري ميتش ماكونيل بعد الاعلان عن فوز الديمقراطي جون أوسوف بالمقعد الثاني لولاية جورجيا في مجلس الشيوخ.

[المترجم - كان الجمهوريون يسيطرون على 52 مقعدا من 100 في المجلس. وبفوز المرشحين الديمقراطيين في انتخابات الإعادة لمقعدين في جورجيا، سيقسم مجلس الشيوخ بالتساوي بين الجمهوريين والديمقراطيين، ما يسمح لنائبة الرئيس الديمقراطي القادمة، كامالا هاريس، بالتصويت الفاصل.]

وبحلول مساء الاربعاء أصبحت بعض نتائج اقتحام مبنى الكابيتول أكثر وضوحاً. فقد تم إطلاق النار على شخص واحد على الأقل وقتل، وتم اكتشاف متفجرات، ورُفع علم حركة تفوق العرق الابيض العنصرية في غرف مجلس الشيوخ. وغطت سحب الغاز المسيل للدموع منطقة الكابيتول هيل مع غروب الشمس، واندلعت حرائق في منتزه ناشونال مول.

وتم رفع علم الكونفدرالية، الذي يمثل الخيانة والعنصرية، في مجلس الشيوخ من قبل أنصار ترامب. [المترجم – كان هذا العلم يمثل المتمردين وجيش الجنوب في الولايات الكونفدرالية إبان الحرب الأهلية الأميركية.]

يجب القاء القبض على جميع الفاشيين المشاركين في اعمال الشغب ومقاضاتهم ومحاكمتهم بتهمة التمرد. وقد رفض قسم كبير منهم ارتداء الأقنعة احتجاجاً على ما يعتبرون انه "خدعة" فيروس كورونا، ولذا سيكون من السهل التعرف عليهم واعتقالهم.

إن شركاء ترامب في الحزب الجمهوري الذين كانوا يحاولون تخريب المصادقة على نتائج الانتخابات - تيد كروز وجوش هاولي والبقية - لا يستحقون إدانة التاريخ فحسب بل وإدانة المحاكم أيضا. يجب توجيه التهم إليهم، وطردهم من الكونغرس، كما دعت الى ذلك كوري بوش النائبة الديمقراطية بولاية ميزوري، وحيثما أمكن ايداعهم بالسجن.

أما بالنسبة للديكتاتور المحتمل نفسه (ترامب)، إذا كانت حكومته مستعدة للوفاء باليمين الدستورية فإن عليها ان تجتمع الآن وتعزله من منصبه بموجب التعديل الخامس والعشرين في الدستور الامريكي. وسواء حدث ذلك أم لا فانه يجب على الكونغرس التصويت على الفور على مواد جديدة لعزله والمضي قدماً في محاكمته في مجلس الشيوخ الجديد ذي الأغلبية الديمقراطية. وقد شرعت إلهان عمر، النائبة الديمقراطية من ولاية مينيسوتا، بالفعل بتهيئة هذه المواد لإقالته. وهي تستحق التصويت عليها في أسرع وقت ممكن.

ان طلب ترامب من رافينسبيرغر، سكرتير ولاية جورجيا، في عطلة نهاية الاسبوع الماضي تزوير الانتخابات قدم بالفعل سبباً كافياً. ويجب أن تقضي أحداث هذا اليوم ( 6 كانون الثاني/ يناير) على أي تردد في محاكمته مرة أخرى.

وعلى الرغم من أن ترامب سيخرج من منصبه قبل أن تتم إدانته، فإن تقديمه الى المحاكمة لمحاولته الإطاحة بحكومة الولايات المتحدة المنتخبة ديمقراطياً يمكن أن يمنعه ​​من الترشح لمنصب مرة أخرى.

كان ترامب على مدى سنوات يكشف لنا من هو وما هي حقيقته. لقد شغل شخص فاشي البيت الأبيض منذ كانون الثاني (يناير) 2017. ولو كان بإمكانه الحصول على جنرال أو اثنين لمسايرته وتجهيز القوات اللازمة للقيام بذلك، هل هناك حقاً أي شك في أن ترامب سيدمر الديمقراطية الأمريكية كلياً؟

بالنسبة لأولئك المتنبهين واليقظين، كان من الواضح منذ فترة طويلة أن ترامب يمثل تهديداً لبقاء حكومة ديمقراطية في هذا البلد. والأحداث التي شهدتها واشنطن يوم 6 كانون الثاني (يناير) تجعل ذلك أمراً لا يمكن إنكاره على الإطلاق.

قلناها من قبل، وسنقولها مرة أخرى: لا لانقلاب ترامب.

(*) مقال افتتاحي لصحيفة "عالم الشعب" (People’s World) اليسارية الامريكية – 6 كانون الثاني (يناير) 2021

عرض مقالات: