شهدت بيرو في الأسابيع القليلة الماضية، سلسلة من الاحتجاجات، اندلعت على إثر عزل الكونغرس الرئيس مارتن فيزكارا في 9 تشرين الثاني الفائت. وأدى استمرار الاحتجاجات الى استقالة خلفه بعد 5 أيام من تنصيبه من قبل الكونغرس. ولم تكن الاحتجاجات مؤيدة لفيزكارا، لكنها كانت موجهة ضد الكونغرس الفاسد الذي يمثل المصالح السياسية للنخب الاقتصادية والسياسة المتنفذة وليس مصالح الشعب.
وكان الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع ينتمون بشكل أساسي الى مواليد القرن الـ 21، الى جانب احتجاجات العمال الزراعيين، المطالبين، بإلغاء “ قانون جلمبر” الذي يدعم حقوق صناعة تصدير المنتجات الزراعية على حساب العمال. وعلى الرغم من أن المتظاهرين تمكنوا من تسجيل نجاحهم الأول، حيث ألغى الكونغرس القانون، إلا أن الوضع السياسي في البلاد لا يزال متوترًا، بعد أن قتلت الشرطة ثلاثة من المحتجين الشباب، أعقبتها سلسلة من الاعتقالات طالت نشطاء سياسيين في الأيام التي تلت الاحتجاجات.
وفي سياق الصراعات تزايدت الدعوات لإقرار دستور جديد. وكذلك الدعوة إلى تشكيل جمعية تأسيسية تراعي التعدد الثقافي والقومي، لا سيما السكان الأصليون والأفرو – بيروفيون.
لقد سلط الوباء الضوء على الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد. وهذا يعني في البداية التحرر من الكذبة والوعد الزائف بالتنمية الاقتصادية التي أطلقها الرئيس الأسبق فوجيموري (1990 – 2000) عبر دستور عام 1993، والذي أقاله الكونغرس من منصبه لتورطه الفاضح في ملفات فساد، وانتهاكات لحقوق الإنسان، ويقضي حاليًا عقوبة بالسجن. وبالتوازي مع إعطاء الأولوية لاقتصاد “السوق الحر”، في ترافق مع فرض شروط المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية للبلدان الأمريكية. وقد أدى هذا بدوره إلى مزيد من المرونة في تنفيذ قوانين تراعي مصالح مالكي الأراضي، وإضعاف حقوق العمال وخصخصة الشركات والخدمات العامة، ارتباطا بحدوث طفرة في الاستثمار الأجنبي والوعود الكاذبة بمزيد من فرص العمل والنمو الاقتصادي، إضافة إلى مرور البلاد بمرحلة صعبة نتيجة للصراع المسلح التي شهدته البلاد في سنوات (1980-1997/2000)، والذي خاضته حركة تباك آمرو والشيوعيون ضد حكم اليمين والطغم الداعمة له. لقد أدى كل هذا، في ظروف الوباء، إلى انفجار الشبيبة الباحثة عن مستقبل آمن.
في تاريخ بيرو، تم وضع جميع الدساتير من قبل طبقة الأوليغارشية بناءً على مصالحهم ومنظور استعماري وأبوي وعنصري ولاحقًا ليبرالي جديد. وينطبق هذا أيضًا على الدستور النافذ. ولم يشارك الشعب أبدًا بشكل ديمقراطي في صياغة الدساتير.
وإزاء هذا الواقع هناك نهوض متداخل يبين النقابات والحركات الاجتماعية والمنظمات التي تمثل شرائح معينة مثل الحركة النسوية، وحركات الهنود الحمر، وهنا تفرض مهمة التغيير نزع القوالب الأبوية، وتجذير مفاهيم وقيم التحرر العامة منها والشخصية.
وعلى أساس التطورات المرتبطة بتصاعد الاحتجاجات تتسع الآمال حاليا في إقامة جبهة واسعة تتوحد فيها الأحزاب اليسارية والحركات الاجتماعية والنقابات العمالية على قدم المساواة. ومن جانب آخر وبسبب حالة التجزئة التي تعيشها قوى اليسار المنظمة، والأسئلة المرتبطة بعلاقتها بالقواعد الشعبية المنتفضة، فإن قيام حركة على غرار “الحركة من اجل الاشتراكية” في بوليفيا ليس امر سهلا، ويبقى تشكيل لجان سياسية لتعزيز عملية التغيير هو الأرجح.
ويقول مختصون إن عملية إقرار دستور تحتاج مداها الزمني الذي قد يطول. لقد استيقظ الناس للتو. ما يجب القيام به الآن هو تعزيز تعبئة القواعد الشعبية والعمل على الاتفاق على بديل مشترك. وهذا يتطلب إعادة التفكير في كيفية بناء سلطة تنطلق من الشعب ولصالحه.
وأخيرا لابد من الإشارة أن بيرو واحدة من البلدان التي تسبب فيها وباء كورونا بأعلى معدلات وفيات في العالم.

عرض مقالات: