لم تكن السياسة الخارجية من الموضوعات التي استأثرت باهتمام المرشحين للرئاسة الأميركية خلال حملتيهما الانتخابيتين، ولم تشغل، بحسب بعض التقديرات، سوى 15 % من زمن النقاشات التي دارت بين المرشحين الديمقراطيين الذين تقدموا لمنافسة دونالد ترامب على الرئاسة، خصوصاً في ظل الانتشار الواسع لجائحة كوفيد 19 وما سببته من أزمة اقتصادية واجتماعية. ويتفق المحللون على أن تركيز إدارة جو بايدن القادمة سيكون، في المقام الأول، على التحديات الداخلية التي يواجهها المجتمع الأميركي.
أهم التحديات الداخلية
حدد الصحافيان ماريا ادرسكو وفيليب باكيه أهم التحديات الداخلية التي ستواجهها إدارة بايدن في الصحة، والاقتصاد، والتمييز العنصري، والهجرة، وبعض القضايا المجتمعية الأخرى.
فقد وضعت جائحة كوفيد 19 الصحة في مقدمة اهتمامات الناخبين الأميركيين، خصوصاً وأن التمتع بالضمان الصحي في الولايات المتحدة الأميركية مرتبط، ارتباطاً وثيقاً، بالتشغيل، الذي تراجعت معدلاته بصورة كبيرة جراء الإجراءات التي اتخذت لوقف انتشار هذه الجائحة. وكان دونالد ترامب قد قرر، بعد أن أخفق في إلغاء قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية الذي أقرته إدارة باراك أوباما، في سنة 2010، بغية دمقرطة الاستفادة من العناية الصحية وعُرف باسم “أوباما كير”، إفراغ هذا القانون من جوهره، وطرحه على المحكمة العليا التي كان من المفترض أن تبت فيه في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2020. وسيسعى جو بايدن إلى تكريس هذا الإصلاح وتوسيع نطاق الاستفادة منه، ليشمل 97 % من الأميركيين. وهو يعتزم كذلك محاربة تمركز الصناعات الدوائية في بلاده، والسلطات الكبيرة التي تمتع بها لتحديد أسعار الأدوية، وذلك عبر السماح للمواطنين بشراء أدوية من الخارج.
أما الاقتصاد، فسيمثل الميدان الأصعب بالنسبة لإدارة بايدن، في ظل معاناة البلاد من انكماش اقتصادي يقدر بنسبة 4% وتزايد أعداد العاطلين عن العمل بنسب لا سابق لها. وكان المرشح الديمقراطي وعد، خلال حملته الانتخابية، بإلغاء الإصلاح الضريبي الذي فرضه ترامب، وبزيادة الضرائب على الشركات الكبرى، وهو عبّر عن طموحه إلى قيام اقتصاد جديد، حديث وأفضل، عبر التركيز على تطوير الطاقة المستدامة، والاستثمار في الخدمات العامة والاجتماعية، وتقليص أشكال اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الأميركي.
وستركز إدارته على الحد من التمييز العنصري، الذي اتخذ أبعاداً خطيرة خلال ولاية دونالد ترامب، متسلحة بكون نائبة الرئيس كامالا هاريس من الأقليات الاتنية، إذ يعود أصل أبيها إلى جامايكا وأصل أمها إلى الهند. وهو وعد، خلال حملته الانتخابية، بتوظيف 50 مليار دولار لتمويل مشاريع لأصحاب البشرة السوداء عبر شراكات عامة- وخاصة، و 100 مليار دولار كقروض بمعدل فائدة منخفض لدعم برامج يستفيدون منها. كما وعد بتشجيع مواطنين من الأقليات الاتنية على إقامة مؤسسات إنتاجية متوسطة وصغيرة الحجم.
وبخصوص تحدي الهجرة، وعد بايدن بالحفاظ على “قيم أميركا بوصفها أمة مهاجرين”. وبدلاً من إقامة جدران، اقترح إقامة جسور وانتهاج سياسة هجرة “عادلة وإنسانية”. صحيح أنه أكد ضرورة إخضاع الحدود لرقابة شديدة، إلا أنه ينوي احترام حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء، وستمتنع إدارته عن فصل الأطفال عن أهاليهم، وستتخذ إجراءات لضمان لم شمل العائلات. كما وعد على موقع حملته الانتخابية الناخبين المسلمين في بلاده بإلغاء المرسوم الذي أصدره ترامب في 28 كانون الثاني/يناير 2017 بمنع مواطني سبع دول إسلامية، هي العراق وليبيا وسورية واليمن والصومال والسودان وإيران، من دخول الولايات المتحدة.
ومن جهة أخرى، يدافع جو بايدن، المعروف بتمسكه بمعتقداته الدينية، بحذر عن الحق في الإجهاض، وعن حقوق الأقليات الجنسية، وهو يريد فرض رقابة صارمة على حق المواطنين في اقتناء الأسلحة النارية.
توجهات السياسة الخارجية
يتميز جو بايدن عن دونالد ترامب بمعرفة أفضل بالسياسة الخارجية، إذ ترأس في فترة ما لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، وذلك قبل أن ينتخب نائباً للرئيس بارك أوباما، ويشارك في رسم توجهات سياسة إدارته الخارجية، وهو ما أكسبه تجربة غنية، علماً أن مواقفه من بعض القضايا الدولية لم تكن متسقة دوماً. فهو عارض مشاركة بلاده في حرب الخليج الأولى سنة 1991، وانتقد إدارة بيل كلينتون لترددها الأولي في استخدام القوة العسكرية لوقف المذابح في البوسنة، ثم عاد ودعم قرار جورج بوش الابن بغزو العراق سنة 2002، واقترح، في سنة 2006، تقسيم هذا البلد، ودعا، في سنة 2008، إلى زيادة حجم القوات الأميركية في أفغانستان، ثم تراجع عن ذلك عندما أصبح نائباً للرئيس في سنة 2009. وتسود قناعة بأن إدارته ستغيّر أساليب توجيه السياسة الخارجية، بحيث تكون هذه السياسة أكثر انفتاحاً على التعاون والحوار، وتستفيد من وسائل عدة لفرض القوة على الصعيد الدولي، مع حرصها على إعادة بناء علاقات ثقة متبادلة مع حلفائها، ولن يكون موقع تويتر قناة الاتصال السياسية المفضلة لها.
وبينما رأى حافظ الغويل، زميل معهد السياسات الخارجية في جامعة جون هوبكنز، أن عالم القطب الواحد قد أخلى مكانه لفوضى جيوسياسية ملتبسة، تختلط فيها تعددية قطبية ونزاعات إقليمية وتدخلات قوى كبرى، ورجح أن تلجأ إدارة بايدن إلى سياسة براغماتية، معتبراً أنه سيكون من المستحيل عليها العودة إلى زمن كان فيه البيت الأبيض يقود النظام العالمي، كما أنه سيكون من الخطر عليها أن تنسحب من الساحة الدولية، حدد أستاذ العلوم السياسية شارل- فيليب دافيد الموضوعات الرئيسية التي تناولها كل من جو بايدن وكامالا هاريس، خلال حملتيهما الانتخابيتين، في استعادة ثقة حلفاء الولايات المتحدة، وخصوصاً في أوروبا، وتشجيع الطرق الدبلوماسية بالترابط مع الحفاظ على القيادة الأميركية، والتركيز على قضية المناخ وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وتعزيز الدفاع عن المصالح الأميركية في مواجهة روسيا والصين، والسير على طريق المفاوضات مع إيران، وإيجاد حلول بناءة لتحديات الهجرة والتجارة الدولية.
وعليه، ستؤكد إدارته على أهمية تحالف أوروبا-الولايات المتحدة ، لكنها ستشدد على ضرورة أن يتحمل الأوروبيون مسؤولياتهم إزاء هذا التحالف، مع التعهد بتقديم الدعم لهم. وكان بايدن قد اقترح، خلال حملته الانتخابية وبغية تعزيز علاقات التحالف مع أوروبا، تنظيم “قمة للدول الديمقراطية” لتأكيد تعلق بلاده بالصداقة ما بين ضفتي الأطلسي، والتشديد على أهمية حلف شمالي الأطلسي. ويتوقع أن تفقد الأنظمة الشعبوية في أوروبا، كما في هنغاريا وبولونيا، في عهده دعم الولايات المتحدة الأميركية. ومن ناحية أخرى، ستسعى إدارته لتخفيض العجز في الميزان التجاري الذي تعاني منه الولايات المتحدة في علاقاتها التجاربة مع الاتحاد الأوروبي، وهو في حدود 200 مليار دولار، وخصوصاً في مجال المنتجات الزراعية. كما ستنضم من جديد إلى اتفاقية المناخ في باريس، التي شارك بايدن في وضع أسسها عندما كان نائباً للرئيس أوباما، والعودة إلى عضوية منظمة الصحة العالمية، وإلى الهيئات الدولية التي احتقرها ترامب.
وبحسب الصحافية غزلان كوندا، فإن إدراة بايدن، وبغض النظر عن الاختلاف في الأساليب، لن تختلف في العمق كثيراً عن إدارة ترامب في تعاملها مع الصين. صحيح أنها ستكون أقل عدائية، لكن المواجهة مع هذا البلد ستتواصل، خصوصاً في الميدان التجاري، وذلك بغية خفض العجز الذي تعانيه الولايات المتحدة في علاقاتها التجارية مع الصين، والذي يبلغ نحو 400 مليار دولار. كما أن نقاط الخلاف بين البلدين، التي ركّزت عليها إدارة ترامب، ستظل قائمة، وخصوصاً بشأن قانون الأمن الوطني في هونغ كونغ، ومصير أقلية الأوغور في مقاطعة شينجانغ، والتوترات في بحر الصين الجنوبي، وتزايد القوة العسكرية للصين. وستحاول إدارة بايدن أن تخلق شبكة تحالفات واسعة في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وأن تشارك الأوربيين في الضغط على الصين.
ويقدّر العديد من المراقبين أن إدارة بايدن ستكون، لدى انتهاجها سياستها الخارجية، محشورة بين حدين: فمن جهة، سيطالبها الجناح التقدمي في الجزب الديمقراطي (بيرني ساندرز، اليزابيت وارن، وألكسندريا أوساسيو-كورتيز) بإحداث تغيرات كبيرة في السياسة الخارجية، ومن جهة أخرى، سيكون عليها مراعاة واقع ان”الترامبية” ليست تياراً مرشحاً للاختفاء في الحياة السياسية الأميركية، إذ هو تيار ساهم في تحويل تصورات الأميركيين والخطابات العامة، حول “تهديدات” عدة تواجهها الولايات المتحدة، بحيث سيكون أمام إدارة بايدن أن توفق ما بين المصلحة الدبلوماسية وضغوطات قطاعات من الرأي العام الأميركي. ولن تكون مهمتها سهلة، إذ هي قد تحقق نجاحاً في قضايا مثل المناخ وحقوق الإنسان، لكن سيكون من الصعب عليها ذلك في تعاملها مع قضايا أخرى، مثل الصين والتجارة الخارجية.
وماذا عن قضايا الشرق الأوسط؟
يشير حافظ الغويل إلى أن الفقرات السبع التي خصصت للشرق الأوسط في برنامج الديمقراطيين لسنة 2020 تبيّن بوضوح أن إدارة بايدن لن تتخلى عن هذه المنطقة، حتى وإن لن تقبع في مركز اهتماماتها. فهي قد تقلب صفحة التدخلات العسكرية الأميركية الواسعة فيها، وتركّز على دبلوماسية براغماتية وغير إيديولوجية، يمكنها أن تمثّل قوة ردع بفضل القوة الاقتصادية والقوة الناعمة والعلاقات المتوازنة. كما يقدّر أن إدارته ستواصل تقليص حجم قواتها في العراق وأفغانستان، مع الإبقاء على “قوة أميركية” محدودة في أفغانسان كإجراء “احترازي ضد الإرهاب”، وهو ما أثار انتقادات وجهها له ممثلو الجناح “التقدمي” في الحزب الديمقراطي. وإذ ستتجنب إدارته أن تعيد التزامها في سورية، خصوصاً بعد أن كان قد انتقد قرار ترامب بإعادة تموضع القوات الأميركية في هذا البلد، الذي سبق غزو تركيا للشمال الشرقي السوري، فهي ستحث حلفائها المنغمسين في الحرب في ليبيا واليمن على البحث عن تسويات سياسية. ومع أن المرشح بايدن كان قد اتخذ مواقف نقدية، إزاء كلٍ من مصر والسعودية، بشأن انتهاك الحريات في مصر والتدخل السعودي في اليمن والمسؤولية عن مقتل جمال خاشقجي، وأشار إلى أنه قد يوقف توريد السلاح إلى هذين البلدين، إلا أن إدارته قد تستمر في مساعي إقامة تحالف يتشكّل من دول الخليج، وإسرائيل ومصر يتحمّل بالتدريج مسؤوليات الالتزامات العسكرية التي كانت ملقاة على عاتق واشنطن، مع إرسال “مستشارين” أميركيين يعملون في الظل، والاعتماد على مهمات القوات الخاصة في مواجهة “الإرهابيين”. وعليه، فهي ستنظر إلى الاتفاق الموقع بين إسرائيل ودولة الإمارات بوصفه لبنة من لبنات استراتيجية بعيدة مدى ترمي إلى أن تجعل من إيران –وليس من إسرائيل- نقطة التقاء مصالح متفرقة في المنطقة. وستعمل، بالتالي، على تشجيع دول عربية وإسلامية أخرى على أن تحذو حذو مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان في تطبيع علاقتها مع إسرائيل.
الموقف من إيران
يعتقد الصحافي جاك بنيلوش أن الإسرائيليين يخشون من انفتاح إدارة بايدن على الإيرانيين، على أن الديمقراطيين في الولايات المتحدة يميلون إلى الحوار معها، ويريدون إحياء الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إدارة أوباما، إذ يشير برنامج المرشح بايدن بصورة واضحة إلى أنه “إذا عادت طهران إلى احترام الاتفاق، فإن الرئيس بايدن سيعود إلى الالتزام به، مع انتهاج دبلوماسية حازمة ودعم حلفاء الولايات المتحدة بغية تعزيز الاتفاق وتوسيعه، ورفض نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة”. بيد أن بيير بهلوي، مدير قسم الأمن والعلاقات الدولية في معهد القوات الكندية في تورنتو، يعتبر أنه من غير المحتمل كثيراً أن تتغيّر العلاقات الإيرانية-الأميركية بعمق في عهد جو بايدن. صحيح أن هذا الأخير تعهد بانتهاج مقاربة أكثر اعتدالاً إزاء إيران، لكن من دون أن يشكك في البديهيات الأساسية للسياسة التي انتهجها أسلافه في البيت الأبيض. فمنذ الثورة الإسلامية والطلاق الذي حصل بين الدولتين في سنة 1979، تسعى واشنطن إلى إلزام الجمهورية الإسلامية بانتهاج سياسة معينة، عبر”المفاوضات وبعض المساومة الاقتصادية والدبلوماسية”، من جهة، والعمل “على الحد من قدرة النظام الإيراني على الإضرار على الساحتين الإقليمية والقارية”، من جهة ثانية.
وعلى الرغم من الاختلاف في الأساليب، فإن جميع الإدارات الأميركية المتعاقبة مارست مع إيران سياسة “التصلب –الانفتاح” و”التفاوض-التحييد”. ويتابع بهلوي أن بايدن ينوي مراجعة الوسائل التي استخدمت خلال السنوات الأربع الفائتة في التعامل مع إيران، إلا أنه يظل متمسكاً بالأهداف المنشودة، أي منع إيران من امتلاك سلاح نووي وجلب زعمائها إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً من اتفاق سنة 2015، بما يضمن “توقف النشاطات المهددة للاستقرار التي يقوم بها الحرس الثوري في المنطقة ووقف برناج الصواريخ البالستية الإيرانية”. لكنه يعتقد أن من المستبعد أن تقبل إيران هذه الشروط الجديدة، وهي ستستفيد من تقاربها مع أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون، وخصوصاً مع روسيا والصين، اللتين تسعيان إلى إقامة عالم متعدد الأقطاب، كما ستستفيد من الشراكة الاستراتيجية الجديدة الممتدة لفترة 25 سنة التي تناقش مضمونها حالياً مع الصين.
إدارة ترامب والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
نتيجة شعور الأوساط اليمينية الحاكمة في إسرائيل بالخيبة لخسارة رئيس أميركي تساوق تماماً مع سياساتها الاحتلالية والاستيطانية، وشعورها باللايقين بخصوص السياسة التي ستنتهجها الإدارة الجديدة، وهو ما تجلى في تأخر بنيامين نتنياهو بضعة أيام عن تهنئة جو بايدن بفوزه، سعت هدار ستون، رئيسة فرع الحزب الديمقراطي الأميركي في إسرائيل، إلى طمأنة هذه الأوساط، فأكدت أن الرئيس الجديد هو صديق حقيقي لإسرائيل وصهيوني منذ نشأته، إذ أشارت في تصريح لإحدى قنوات التلفزة الإسرائيلية إلى أنه”لا داع للقلق في حال فوز بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية، فهو صديق حقيقي لإسرائيل وصهيوني منذ نشاته، وهو نشأ مع مقولة فحواها أنه إذا لم تكن إسرائيل موجودة لكان يجب إيجادها”. وأضافت أن بايدن كان من المرحبين بالاتفاقات الموقعة بين إسرائيل ودول الخليج، ومن المتوقع، تالياً، أن يستمر في الخط السياسي نفسه الذي بدأه الرئيس دونالد ترامب في منطقة الشرق الأوسط”.
وكان جو بايدن قد قال فعلاً، كما تنقل عنه الصحافية ندى إيليا، في خطاب ألقاه في مؤتمر حاخامات في سنة 2011: :”أنا صهيوني، إذ إنني تعلمت أنه ليس من الضروري أن أكون يهودياً حتى أكون صهيونياً”، وهو “يفتخر بأنه ساهم في توفير مساعدة للدفاع عن إسرائيل لا مثيل بها بمبلع عشرة مليارات دولار تمتد على مدى عشر سنوات تم الاتفاق عليها في سنة 2016”. ثم أعلن لصحيفة وول ستريت جورنال في نهاية سنة 2019 “أن فكرة ربط المساعدة العسكرية لإسرائيل بتغيير سياسة معينة تمثل فضيحة”، وذلك في محاولة للتمايز عن زملائه في الحزب الديمقراطي بيرني ساندرز واليزابيت وارن.
وبحسب الصحافية بولين كروم، فإن مواقف بايدن المؤيدة لإسرائيل تثير حفيظة عدد من ممثلي الحزب الديمقراطي، ومنهم رشيدة طليب عضو مجلس النواب من أصول فلسطينية عن ولاية ميشيغان، التي اتخذت مواقف متحفظة إزاء ترشحه للرئاسة، ورفضت التوقيع على رسالة “مليون صوت إسلامي” لتشجيع المسلمين على الاقتراع والتصويت له، في خطوة للضغط عليه كي يتحذ مواقف أكثر موضوعية إزاء الملف الفلسطيني. وهي في موقفها هذا تتقاطع مع بيرني ساندرز الذي يؤكد ضرورة عدم تجاهل عذابات الفلسطينيين، خصوصاً بعد أن صرّح بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، بأنه يعارض “سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية، لكن فكرة وقف المساعدة العسكرية لحليف، هو الحليف الحقيقي الوحيد لنا في المنطقة، هي فكرة سخيفة”.
بيد أن محللين آخرين يعتقدون أن بايدن هو نصير كبير لإسرائيل ولكن ليس بلا أي ثمن. وهم مع ترجيحهم عدم تراجعه عن خطوات اتخذتها إدارة ترامب بشأن الاعتراف الأميركي بضم إسرائيل هضبة الجولان السورية المحتلة، ونقل السفارة الأميركية من تل أبب إلى القدس، يتوقفون عند علاقة بنيامين نتنياهو المتوترة جداً مع إدارة اوباما، التي انزعجت كثيراً من قيام نتنياهو بتجاوزها عندما توجّه مباشرة إلى الكونغرس في سنة 2015 ووصف الاتفاق مع إيران بأنه “اتفاق سيء جدا”، وعند تحفظه على مشروع الضم الإسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وتمسكه بحل “دولتين لشعبين”، ويستشهدون، في هذا السياق، بالتصريح الذي أدلى به، في آب/أغسطس الفائت، أمام مجلس العلاقات الخارجية، وورد فيه: “أعتقد أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لضمان أمن إسرائيل على المدى البعيد، والحفاظ على هويتها بوصفها دولة يهودية وديمقراطية، كما هو الطريق الوحيد لضمان كرامة الفلسطينيين ومصلحتهم المشروعة في تقرير المصير الوطني، وهو شرط ضروري للاستفادة من الانفتاح القائم لتعاون أكبر بين إسرائيل وجيرانها العرب”. وتابع قائلاً: “لا يبدو أن المسؤولين الإسرائيليين والمسؤولين الفلسطينيين مستعدون للمخاطرة السياسية الضرورية للتقدم على طريق المفاوضات المباشرة”، وأنه عندما سيصبح رئيساً “سيكون هدفه دعوة الطرفين إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإبقاء إمكانية حل الدولتين”. ويرجح هؤلاء المحللون أن تقوم إدارته باستئناف تقديم المساعدات للفلسطينيين، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وكذلك إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
وماذا بعد؟
يتضح مما تقدم أن إدارة جو بايدن القادمة قد تقدم بعض الإغراءات للفلسطينيين من خلال الرجوع عن خطوات “انتقامية” كانت قد اتخذتها إدارة ترامب إزاءهم، لكنها لن تتراجع عن الخطوات “التصفوية” التي اتخذتها تلك الإدارة، مثل الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، وتكريس الاعتراف بضم هضبة الجولان السورية المحتلة إلى إسرائيل. وهي، مع تبنيها “حل الدولتين”، قد تبذل ضغوطات كبيرة على الفلسطينيين قد تعيدهم إلى المفاوضات الثنائية المباشرة مع إسرائيل، بعيداً عن المؤتمر الدولي الذي طالبت به القيادة الفلسطينية، بحيث تعود إلى انتهاج نهج “إدارة الأزمة” وليس حلها الذي انتهجته الإدارات الأميركية المتعاقبة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع حزب الشعب الفلسطيني – 10 تشرين الثاني 2020